قبل أقل من يومين على انطلاق ماراثون الانتخابات الأمريكية التى يتنافس عليها الديمقراطية هيلارى كلينتون، والجمهورى دونالد ترامب، تراقب كافة حكومات وشعوب العالم آخر التطورات، فى انتظار ما ستسفر عنه صناديق الاقتراع فى الدولة العظمى، إلا أن فى إيران فإن لمتابعة سباق البيت الأبيض شأن آخر.
وتراقب إيران ذات التركيبة السياسية المعقدة، بجناحيها الإصلاحى والمحافظ، وبرأسى السلطة ممثلة فى المرشد الأعلى، يليه الرئيس حسن روحانى، آخر التطورات فى الانتخابات الأمريكية، لما يمثله الرئيس الجديد للبيت الأبيض من تأثير على مصير الاتفاق النووى بين طهران وواشنطن والقوى الغربية.
وتعكف الدوائر السياسية فى طهران على رصد الانتخابات لحظة بلحظة، حيث عرض التلفيزيون الإيرانى الرسمى للمرة الأولى المناظرة الرئاسية بين كلينتون وترامب، أكتوبر الماضى فى بث حى ومباشر.
وعن رأيه فى الانتخابات الإيرانية، قال المرشد الأعلى على خامنئى فى تغريدة سابقة بالإنجليزية على حسابه الشخصى بموقع التواصل الاجتماعى "تويتر": "مناظرات مرشحى الرئاسة تم الكشف فيها علنا عن حقائق وفضائح تحصل داخل أمريكا، ونحن كنا نتحدث عما هو أقل من ذلك بكثير لكن لم يصدقها البعض أو لم يريدوا تصديقها لكن تصريحات هذين المرشحين الآن فى مناظراتهما تظهر القضاء على القيم الإنسانية فى أمريكا".
وبشكل أو بآخر رأى صناع القرار فى إيران أن بلادهم مؤثرة فى سباق الانتخابات الأمريكية، إذ يشكل الاتفاق النووى أكبر الملفات التى استحوذت على جزء كبير فى مناظرات المرشحان، وقدم فيها كل مرشح وجهة نظره بشأن التعامل مع إيران والاتفاق النووى، وهو ما يذكرنا بتأثير أزمة الرهائن الأمريكيين فى إيران 1979 التى أطاحت بالرئيس جيمى كارتر وحرمته من ولاية ثانية.
الانتخابات الأمريكية فى عيون قادة طهران
وعلى المستوى الرسمى، ومن خلال تصريحات قادة طهران، رأى هرم السلطة المرشد الأعلى على خامنئى، أن الانتخابات أظهرت الخيانة الممزوجة بالرذيلة بين النخبة الحاكمة فى الولايات المتحدة الأمريكية وحقائق فى جوهرها فضائح، كما رأى أن واقع المجتمع الأمريكى سحق للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان والتمييز والعنصرية.
بينما علق الرئيس حسن روحانى على الانتخابات قائلا إن الانتخابات الأمريكية توفر فقط خيارا بين "السىء" و"الأسوأ"، مع تحفظه عن تحديد من يمثل "الأسوأ"، كلينتون أم ترامب.
أما الشارع الإيرانى الذى تابع بدقة المناظرات، أكثر ما لاحظه هو أن الانتخابات الأمريكية هذه المرة أظهرت الفساد والإنحلال الأخلاقى الذى دائما ما تؤكد عليه السلطة الحاكمة فى بلاده، وكان كل همه هو مستقبله المرتبط بمصير الاتفاق النووى.
السياسيون لا يتوقعون الجديد من الرئيس الأمريكى المقبل
وبغض النظر عن النتائج التى تسفر عنها الانتخابات الأمريكية لا يتوقع السياسيين والأكاديميين الإيرانيين أى جديد من الرئيس الجديد، لكن تركز اهتمامهم على "مصير الاتفاق النووى"، فواشنطن تبقى "الشيطان الأكبر" رغم توقيع الاتفاق، وكان لكل فعل فى واشنطن رد فعل فى طهران، قابلت تصريحات ترامب المعادية للاتفاق النووى، تصريحات مماثلة من قادة طهران، وعندما صرح بتمزيق الاتفاق النووى، واجهه المرشد الأعلى بتصريح أقوى بأن إيران سوف "تحرقه" أيضا، وفى أحدث تصريحات خرجت من طهران قال نائب القائد العام للحرس الثورى العميد حسين سلامى على الأمريكيين أن يعلموا بأنهم لو تنصلوا من تعهداتهم فإننا سنرسل الاتفاق النووى إلى المتحف، فى إشارة إلى تجميده والعودة لنقطة الصفر.
لا قلق على الاتفاق النووى من ترامب
ويرى فريقا من المحللين والسياسيين الإيرانيين أنه سواء صعدت هيلارى أو ترامب للرئاسة، فان ذلك لن يؤثر التزام واشنطن بالاتفاق النووى السنوات المقبلة، ورغم تهديد ترامب بتمزيقه إلا أن ذلك الفريق يرى أنه لن يتمكن من ذلك، والسبب أن هناك أطراف غربية أخرى موقعة على الاتفاق، وأن إخلال واشنطن بالتزاماتها تجاهه سيضعها فى مواجهة دول مجموعة (5+1).
وفى هذا الصدد أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية السابق حميد رضا أصفى إن تمزيق ترامب للاتفاق النووى "حال وصوله للسلطة يصب فى صالح إيران"، مؤكدا أنه لن يقوم ذلك، إلا أنه فى حال تنفيذ كلامه فإن إيران لن تتضرر، وذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تلتزم بتعهداتها. ورأى أصفى أن ترامب سيلتزم بالاتفاق النووى، لأن هناك أطراف غربية أخرى بالإضافة إلى روسيا والصين.
ولفت أصفى أنه من الممكن أن يشدد ترامب على إيران ويعزز من التهديدات والتراشق اللفظى تجاه إيران، ويعيد التهديد بشن هجوم عسكرى، مشيرا إلى أن هيلارى فى حال وصولها للبيت الأبيض ستكون أضعف رئيس أمريكى تطأ قدماه البيت الأبيض، واصفا إياها بالشخص "المهزوم المدين للجميع" ولديها تاريخ من الفساد الاخلاقى والأسرى.
لكن فريقا آخر رأى أن صعود ترامب من الممكن أن يخلق مشكلات للاتفاق النووى، ويقف سدا أمام دخول المستثمر الأجنبى إلى إيران، وفى المقابل ستغير إيران أيضا استراتيجياتها، لذا يعد ترامب أخطر من كلينتون على إيران.
ونقلت صحيفة "أبرار" عن الخبير الاقتصادى أمير جعفر زادة، الذى حذر من تأثير صعود ترامب على اقتصاد إيران، قائلا "إن إيران بعد الاتفاق النووى تسعى لفتح مناخها الاقتصادى على الصعيد الدولى ودخول الاستثمارات الأجنبية، وصعود ترامب من الممكن أن يقف سدا أمام انتعاش الاقتصاد الإيرانى على المستوى الدولى.
انقسام التيارين المحافظ والإصلاحى بشأن المرشحين الأمريكيين
وفى الداخل انقسم التيارين الإصلاحى والمحافظ حول المرشحين، وبرز ذلك الانقسام منذ اصطفاف التيار المتشدد الرافض للاتفاق النووى الذى أبرمه الرئيس المعتدل روحانى إلى جانب ترامب، حيث كان هناك وجه شبه ومشتركات جمعت بين المتطرفين الأمريكيين وترامب والمتشددين فى إيران وهو رفض الاتفاق النووى، وفاجأ الجميع مدير تحرير صحيفة كيهان المتشددة ونائب الزعيم الإيرانى على خامنئى حسين شريعتمدارى، باصطفافه إلى جانب متطرفى أمريكا بدعم ترامب، وقال شريعتمدارى فى مقال سابق له بالصحيفة نفسها "إن أذكى خطة لدونالد ترامب المجنون هى إفساد الصفقة النووية"، معتبرا أنها "وثيقة ذهبية" للولايات المتحدة لم تتسبب إلا بـ"الأضرار والمهانة والخداع" لبلاده.