- الوثائق المسربة للتحقيق فى فضيحة الفساد تكشف تورط شخصيات حكومية وأمنية رفيعة
- شبكة فساد العائلة الحاكمة بقطر تضم شخصيات مصرية وسودانية وصومالية وتركية وكندية
ملخص الحلقة الأولى
نشرنا فى الحلقة السابقة مقدمات فضيحة الفساد المدوية للأسرة الحاكمة فى قطر «موزة، تميم، حمد بن خليفة» التى بدأت تتكشف خيوطها مع اعتقال رجل الأعمال السورى القطرى معتز رسلان الخياط بتهمة الفساد للتغطية على جرائم العائلة الحاكمة، إلا أن وثائق التحقيقات المسربة كشفت عن شبكة هائلة من الفاسدين فى أجهزة الأمن التابعة للأمير شخصيا، وكذا قيادات الشرطة وثيقى الصلة بالأسرة الحاكمة.
وأوضحنا فى الحلقة السابقة كيف كان رجل الأعمال معتز رسلان الخياط، بطل فضيحة الفساد الكبرى، مدللا وسط حاشية الشيخة موزة، وكيف قربته منها وأمرت بمنحه الجنسية القطرية، كما أنها أيضا من أصدرت الأمر للأجهزة الرسمية باعتقاله بواسطة عناصر المخابرات القطرية والتحقيق معه صوريا، بعد انكشاف شبكة معاملاته المالية التى تتجاوز مئات المليارات من الدولارات، وكيف استغل الخياط نفوذه وقربه من العائلة الحاكمة وتكليفه بتمويل جماعات المعارضة السورية، ليقوم بأكبر عملية خداع، ويعمل على تحويل مليارات الدولارات إلى شخصيات وثيقة الصلة بنظام الأسد داخل وخارج سوريا، وفى السطور التالية ننشر التفاصيل والوثائق التى تكشف دور معتز الخياط فى فضيحة فساد العائلة الحاكمة فى الدوحة وسر غضب موزة عليه.. فإلى التفاصيل.
المشهد الأول.. معتز رسلان الخياط من دمشق إلى الدوحة
حتى نلملم تفاصيل فضيحة الفساد المدوية التى طالت العائلة الحاكمة فى قطر، وأطاحت بمساعدين بارزين للشيخة موزة، والجهاز الأمنى التابع للأمير تميم شخصيًا، لابد أن نتتبع رحلة بطل هذه الفضيحة أو واجهتها الرسمية، رجل الأعمال السورى القطرى محمد معتز رسلان الخياط، وكيف وصل إلى الدوحة مع مقدمات الحرب الأهلية السورية، ليبدأ رحلته الكبرى بين البزنس والسياسة، وكما كان نافذًا فى الدوائر القريبة من بشار الأسد، أصبح فى سنوات قليلة، نافذًا وسط العائلة الحاكمة فى الدوحة، ورجل الأعمال المقرب من الشيخة موزة.
محمد معتز رسلان الخياط، هو ابن معتز رسلان الخياط، أحد رجال الأعمال السوريين الكبار، الذين تضخمت أعمالهم فى داريا بريف دمشق منذ أواسط الثمانينيات، واستفادوا من الدوائر السياسية القريبة للسلطة الحاكمة منذ أيام حافظ الأسد، وامتدت هذه العلاقات مع السلطة الجديدة بعد تولى بشار مقاليد الحكم، وازدهرت أعمال الشركة المسجلة فى أعمال المقاولات والتشييد بعد إنجاز مشروع «ساحة الأمويين» فى عام 2005، بعد تعثر مؤسسة الإسكان العسكرية، وما كان لمثل هذه الشركة تحديدًا أن تتصدى لمشروع بهذه الضخامة من دون توافق رسمى، وعمولات، ورضا من القائمين على الأمر فى سوريا.
ازدهرت أعمال معتز الخياط فى سوريا، حتى قرر مع بدايات 2001 تحويل جزء من أرصدة العائلة إلى قطر، وتأسيس شركة «الخياط للبناء والتشييد»، التى تفرع عنها العديد من الشركات الأخرى، وسط حديث متداول حول دور عائلة «الخياط» بالدوحة فى دعم المعارضة السورية بالأموال والسلاح، أى أن معتز الخياط كان إحدى الواجهات الكبرى للعائلة القطرية الحاكمة، التى تستخدمها لدعم الجماعات الإرهابية فى سوريا، وإمدادها بالأموال والسلاح عبر العواصم الأوروبية والعربية.
ومع الوقت تم منح معتز الخياط الجنسية القطرية، وإسباغ الرعاية والحماية عليه وعلى أعماله، لضمان ازدهارها ونموها، وتوافر سيولة مالية ضخمة فى حسابات شركاته، لتسهيل الوفاء باحتياجات الفصائل المسلحة المتورطة فى الحرب السورية، كما تم حشد جيش من أفراد الشرطة وجهاز الأمن الداخلى، التابع للأمير مباشرة، لتذليل أى عقبات تعترض أعمال معتز الخياط، تحت إشراف أعضاء بالأسرة الحاكمة، وبمتابعة من الشيخة موزة شخصيًا.
مقربون من معتز الخياط، يذهبون فى رواياتهم لتفاصيل اعتقاله، أن الرجل كان عميلًا مزدوجًا بين الدوحة ودمشق، وأنه استغل علاقات الفساد الرهيب، وحجم الأعمال الضخم الذى يتيح له وضع يده على مليارات الدولارات من الأموال القطرية لدعم نظام بشار الأسد، بدلًا من دعم فصائل المعارضة، وجماعات التطرف والإرهاب هناك، وأن انكشاف دلائل على هذا الأمر، وليس ضيق «الخياط» بنسب العمولات التى كان يدفعها لأفراد العائلة الحاكمة، هو ما تسبب فى اعتقاله وكبار مساعديه على أيدى عناصر من المخابرات القطرية، وبأوامر مباشرة من الشيخة موزة.
إلى أى حد يمكن الوثوق بمثل هذه المعلومات الواردة من مقربين لمعتز الخياط؟.. سؤال يفرض نفسه، خاصة أن علاقات الفساد والتربح فى قطر ليست بالأمر الجلل الذى يمكن أن تتوتر وتضطرب من أجله أوضاع العائلة الحاكمة، أو أن يتسبب فى حملة اعتقالات واسعة داخل جهاز الشرطة والأمن الأميرى، أو أن يدفع وسائل الإعلام الرسمية فى الدوحة للكشف عن القضية باعتبارها إحدى قضايا الفساد وإهدار المال العام والتربح، وأن تتجه للتضحية بعدد من المتورطين فيها من الموظفين العموميين رفيعى المستوى.
المشهد الثانى.. أسماء حكومية بارزة متورطة فى الفساد
التحقيقات الموثقة التى أجرتها نيابة الأموال العامة القطرية، وجهاز أمن الدولة فى البلاغ رقم 10 لسنة 2016، تكشف تورط عدد من كبار ضباط جهاز الأمن الداخلى فى التربح واستغلال النفوذ، والحصول على رشاوى وعمولات نظير تسهيل أعمال بناء مشروع المن المرورى، ومشروع مبنى لخويا للقرية التدريبية التابعة لجهاز الأمن الداخلى، الذى تتولى تنفيذه شركة «أرباكون»، إحدى شركات معتز الخياط.
ومن الأسماء المتورطة بالتربح والفساد- بحسب التحقيقات المسربة- العميد مبارك المنصورى الذى طلب رشوة أربعين مليون ريال قطرى فى صورة دعم لنادى لخويا، لترسية مناقصة بمليارين وأربعمائة مليون ريال قطرى على إحدى الشركات الخاسرة التابعة لمعتز الخياط، ومعه المقدم أحمد الملا، والمقدم محمد الشهوانى، والنقيب محمد الحبارين، والنقيب محمد المطاوعة.
كما تراوحت العمولات والرشاوى بين مبالغ مالية، وهدايا عينية، وسيارات، وخلافه، وكذلك تأسيس شركات للعمل بالباطن فى المشروع مقابل نسبة خصم خاصة غير معلنة، وتورطت فى القضية أيضًا شخصيات مصرية وسودانية وصومالية وتركية وكندية من دوائر العمل القريبة من معتز الخياط، ومعظمهم يحملون الجنسية القطرية، ولديهم أوراق ثبوتية «بطاقات شخصية» قطرية معلنة، فى مقدمتهم خالد تاج السر، سودانى الجنسية، بطاقة شخصية رقم 27973600380، ويعمل فى شركة «كورباكون»، المسؤولة عن تنفيذ مبنى الأمن الداخلى، حيث اعترف فى التحقيقات بتسهيل ترسية مناقصات وعطاءات على شخصيات وشركات من الباطن فى المشروع نظير نسب مالية غير مثبتة فى الفواتير.
وأرشد خالد تاج السر على عدد من الشخصيات المتورطة، منهم هيثم إبراهيم القبانى، مصرى الجنسية، بطاقة شخصية رقم 27481802276، ويعمل بوظيفة مدير إدارى بشركة «السلام» للتكنولوجيا، وكلود نقولا غصين، لبنانى الجنسية، بطاقة شخصية رقم 27842201347، ويعمل بوظيفة مهندس كمبيوتر بشركة «إى إم سى كمبيوتر سيستمز»، ومحمد نادر عمر أحمد شرف الدين، مصرى الجنسية، بطاقة شخصية رقم 28281807266، ويعمل مهندسًا كهربائيًا بشركة «يونيفرس ديستريبيوشن».
المشهد الثالث.. كيف يجرى تحويل الأموال إلى سوريا؟
جزء كبير من اللغز الخاص بتفجر فضيحة الفساد، المتورط بها معتز الخياط وشبكة مساعديه من رجال الأمن والأسرة الحاكمة ومساعدى الشيخة موزة، يكمن فى كيفية خداع «الخياط» العائلة الحاكمة، وتحويله الأموال- بحسب ما يذهب مراقبون وثيقو الصلة برجل الأعمال السورى- إلى حسابات بنكية فى سوريا، وفى عديد من الدول العربية والأوروبية لشخصيات وثيقة الصلة بنظام بشار الأسد، بدلًا من أن تذهب لفصائل المعارضة التى تدعمها قطر بدعوى مواجهة النظام القمعى فى دمشق.
شركات «الخياط» كانت فيما يبدو، وما كشفته التحقيقات، تعمل على مسارين، الأول مسار شركات الـ«أوف شور» وتحويل الأموال عبر مجموعة من الحسابات المتتابعة، بحيث يصعب تتبع الوجهة النهائية لها، أما المسار الثانى فهو استغلال العمالة السورية والعربية الموجودة فى قطر لتحويل الأموال إلى حسابات تابعة لنظام الأسد مقابل نسبة محددة.
أقوال المدعو محمد فارس الأحمدى الواردة فى وثائق التحقيق المسربة، تكشف بعض خيوط عمليات تحويلات الأموال التى كان يقوم بها معتز الخياط من خلال العمالة المستخدمة فى شركاته، فالمدعو محمد فارس الأحمدى، وهو سورى الجنسية، بطاقة رقم 28476003455، أقر بأنه يعمل مدير مكتب معتز الخياط فى «شركة الخياط للتجارة والمقاولات» بمنطقة الكورنيش، وأفاد خلال التحقيقات بأنه كان يتصل بمكاتب السفريات وحجز إقامات وتسديد ثمنها لشخصيات مقربة من معتز الخياط بشكل دورى، فهل كانت مثل هذه الإقامات المدفوعة مستهدفة فى ذاتها، أم أنها إحدى وسائل تحويل الأموال باستمرار؟
المشهد الرابع.. تحرك العائلة الحاكمة لاحتواء آثار الفضيحة
كان لابد أن تحاول العائلة الحاكمة إخراج مشهد خيانة معتز الخياط بعد انكشاف تورطه بمعاملات مالية مع شخصيات محسوبة على نظام بشار الأسد، وتحويله مليارات الدولارات إليها، فكانت عملية تلفيق الاتهامات وقضايا الفساد إليه، والتحفظ على شركاته، واتهام عدد من الموظفين العموميين بتسهيل الأعمال المخالفة للقانون، وحصولهم على رشاوى من شركاته، خاصة فى المشروعات العامة بقطر، ومنها مشروع تطوير منشآت جهاز الأمن الداخلى بالدوحة.
العائلة الحاكمة القطرية حاولت الاستفادة من الفضيحة المدوية، على طريقة الانحناء للعاصفة وترويضها، فكان أول إجراء اتخذته هو الاعتراف ببعض تفاصيلها، وتكييفها على أنها قضية فساد مالى تورط فيها عدد من الموظفين العموميين، وبطلها معتز الخياط، ثم تسويق المعلومات التى تم الإعلان عنها باعتبارها إنجازًا لأجهزة الأمن القطرية، وتعبيرًا عن قوة الدولة وعصريتها، بل أذاعت العائلة الحاكمة فى وسائل الإعلام داخليًا وخارجيًا أن حكومة الدوحة تتخذ إجراءات صارمة لمكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية.
أيضا عمدت العائلة الحاكمة إلى احتواء شبكات الفساد المتفشية داخل الدوائر الرسمية وأجهزة الأمن، عن طريق إصدار التعميمات المتتالية بمنع التعامل مع شركات «الخياط» تحديدًا، والتأكيد على وصمه باستغلال النفوذ، والفساد.
مراقبون ومحللون يذهبون إلى أن توابع فضيحة الفساد التى بدأت تتكشف منذ شهر يونيو الماضى، لن تتوقف عند معتز الخياط، وعملية الخداع الكبرى التى قام بها للعائلة الحاكمة، وتحويل الأموال لنظام الأسد، إنما ستطال شخصيات أخرى عديدة ومقربة من الشيخة موزة، والأمير الوالد، وكذا الأمير تميم، خاصة بعد حسم بشار الأسد وحلفائه معارك حلب لصالحهم، ووضع الدول التى كانت تراهن على سقوطه بالأموال، ودعم الميليشيات المتطرفة فى الزاوية.
هل تكشف الأيام المقبلة عن شخصيات جديدة، وأطراف أخرى فى فضيحة فساد العائلة الحاكمة فى قطر؟.. أيًا كانت الوجهة النهائية لعمليات التربح واستغلال النفوذ، سواء كانت الأموال التى خرجت من الدوحة موجهة لحسابات تخص شخصيات فى نظام الأسد، أو فى المعارضة المأجورة، وميليشيات التطرف من الرقة إلى إدلب، فإن تفجر قضية معتز الخياط قد سلط الضوء على علاقات الفساد المتجذرة فى أروقة الديوان الأميرى، ودوائر الحكومة، وما يتبعها من أجهزة الأمن، الذراع الطولى المتحكمة فى المؤسسات والشركات وعملياتها المالية.
هل تفتح فضيحة معتز الخياط، وموزة، والأمير الوالد الباب أمام سلسلة الفضائح المسكوت عنها فى منشآت كأس العالم، وما يتعلق بها من عمليات رشاوى وفساد دولية، وعلاقات مشبوهة مع قيادات «الفيفا» والاتحاد الآسيوى؟.. ربما تنشط «ويكيليكس» خلال الأيام المقبلة لتكشف عن فصول جديدة فى مسلسل الفساد الخاص بالعائلة الحاكمة فى الدوحة، فبعد الهزيمة فى معارك حلب، لابد أن يدفع المهزومون، وفى مقدمتهم «تميم» و«حمد» و«موزة»، توابع الهزيمة.