أرسلت لى إحدى صديقاتى على الواتس آب رسالة مضمونها تحريم الغناء فى الدنيا بدعوى أنه يعد من مزامير الشيطان وأنه على المؤمنين تجنبه انتظارا لغناء الحور العين فى الجنة والذى لو تثنى لنا الاستماع إليه فى الدنيا لقتلتنا حلاوته - وإليها وإلى مؤيدى رأيها أقول: إذا كان الغناء وكذلك الموسيقى موضوع خلافى بين الفقهاء فلأنه لم يرد أى حديث صحيح فى تحريمهما على الإطلاق.
لذلك فإن الغناء ماهو إلا كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ولأن الأصل فى الفقه هو الحل فى مالم يرد فيه نص فإن الأصل هو حل الغناء والموسيقى والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه السيدة عائشة عن سماعه، والترخيص فى ضرب الدف ( وهو الآلة الموسيقية الوحيدة المتوفرة فى ذلك الزمان) لهو دليل على أن ماثبت له يثبت لغيره من الآلات قياساً وكما ذكرنا فإن الأصل فى الأشياء هو الإباحة - كل هذا بشرط التزام الحسن من الكلمات التى لا تحض على الفساد والرزيلة وألا يكون الغناء فى خمارة أو مرقص أو يكون غناء ماجن يواكبه تعرٍ أوسفور - والغناء حكمه حكم الشعر يباح منه ما يخلو من الفحش والبذاءة والهجاء والفجور وهو ما يمكن أن نطلق عليه فى هذه الأحوال مزامير الشيطان أما ما يساهم من الغناء فى تنمية الإحساس الجمالى لدى الإنسان ويسعى إلى الارتفاع بذوقه والارتقاء بملكاته وطاقاته النفسية والروحية والعقلية فهو مباح بل وضرورة إنسانية، ولنتحرى قول الإمام أبى حامد الغزالى (من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج ) وإذا اعتبر البعض الغناء لهواً فإن اللهو فى حد ذاته ( المحمود منه ) غير محرم-فقد زفت امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه سلم للسيدة عائشة( مامعكم من اللهو ؟فإن الأنصار يعجبهم اللهو) وهم من استقبلوا الرسول بالغناء عند هجرته إليهم.
وإنه وإن كنت أحترم حرص البعض على مرضاة الله تعالى فإنى أربأ بهم أن يقعوا فى براثن من يحرمون زينة الله وهم أيضاً من يحرمون حلاله بدعوى أن الأفضل فى الجنة، وهو شئ غير منطقى وغير مقبول قياسا، فرمان الجنة مثلاً أفضل من رمان الدنيا أفنحرم أكله طمعاً وانتظاراً لرمان الجنة أو لأن رمان الجنة ستقتلنا حلاوته إن ذقناه فى الدنيا - فالاستشهاد بموسيقى الجنة وغناء الحور ليس إلا دليلاً على حل المحمود منهما فى الدنيا وليس أيضاً إلا دليلاً على دورهما فى الرقى بحس الإنسان.
ثم والله ماكان من أسباب معاناتنا من التشدد والتطرف والإرهاب إلا ماكان من تحريم الجمال وبث الكراهية والأفكار المغلوطة فى نفوس شباب يجهل سماحة الإسلام وجماله ورقيه فيحرم ويزندق ويكفر فيقتل لذلك آثرت اليوم تناول هذا الموضوع وتوجيه المحرمين للغناء إلى الاستماع من أغانى فيروز على سبيل المثال إلى (غنيتك مكة) وهى من أروع الأغنيات عن الحج أو الاستماع مثلاً إلى اطلعى ياعروسة عالكرمة نقى عنب أو إلى نسم علينا الهوا ليعرفوا أن متعة الغناء كمتعة التنزه فى الحدائق والتأمل فى أزهارها وللحق أقول لهم إن أردتم إعطاء مثال عن الحرمانية فى الغناء فليكن بما يقدمه بعض المغنيين أو المغنيات من كليبات غنائية الغرض منها فقط إثارة الغرائز بكلمات هابطة وبصورة أكثر هبوطا، أما عدا ذلك فلنغنى لنبث الحب قلوب من نحبهم بسيد الحبايب ياضنايا انت وحبيبة أمها وبابا جه وابنى وبنتى وأمهم وست الحبايب ولنغنى لأزواجنا أحبك وأضحى لحبك ولنغنى لمصر ياحبيبتى يامصر ومصر تتحدث عن نفسها ولنغنى محمد يارسول الله ولنغنى فى ذكر الله قل ادعو الله أن يمسسك ضر ولنغنى حتى للطبيعة التى خلقها الله هليت ياربيع هل هلالك ولنذهب إلى الأوبرا ونستمع إلى الجمال الذى يرقى بالإحساس فى موسيقى عمر خيرت، فإن الله جميل يحب الجمال.
حفل غنائى - أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن البياضي
لمن يقول أن الأنصار استقبلوا النبي بالغناء