فى ذكرى ميلاده..

كيف مزج "نزار قبانى" الحب بالسياسة؟ قصائد سياسية كانت بطلتها "بلقيس"

الإثنين، 21 مارس 2016 08:00 م
كيف مزج "نزار قبانى" الحب بالسياسة؟ قصائد سياسية كانت بطلتها "بلقيس" نزار قبانى وبلقيس
كتبت سارة درويش

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
3 سنوات من الصمت نجحت "بلقيس" فى إنهائها أخيرًا بمجرد أن وقع عليها نظر "نزار قبانى" مصادفة فى أمسية شعرية، جعلته يعود بعدها لكتابة الشعر مرة أخرى بعد هذا التوقف الطويل، حتى أنه قال ذات مرة إن "بلقيس أعادت الحبر للأقلام مثلما أعادت الدماء للعروق".

كتب نزار الكثير من القصائد فى عشق بلقيس منذ اشتعلت قصة حبهما القوية ولم تنطفئ أبدًا، وجعلتها هذه القصائد المفعمة بالغزل والحب مثار حسد كل النساء، إلا أن الأهم من قصائد الحب تلك التى كانت بطلتها بلقيس، القصائد السياسية النارية التى كانت هى بطلتها عند نزار، حتى قبل الحادث المفجع الذى أودى بحياتها فى سفارة العراق ببيروت عام 1981.

القصيدة الأولى.. "إفادة فى محكمة الشعر"



"مرحباَ ياعراق، جئت اغنيك
وبعض من الغناء بكاء
أكل الحزن من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتها النساء"

كانت هذه القصيدة السياسية الأولى التى لعبت "بلقيس الراوى" دور البطولة فيها، على الرغم من أن اسمها لم يرد فيها أبدًا.

وألقى "قبانى" هذه القصيدة عام 1969 بعد سنوات من حب بلقيس التى التقاها للمرة الأولى فى عام 1962، وبعد أن قوبل طلبه للزواج منها بالرفض من عائلتها فألقى هذه القصيدة التى يقول إن "بلقيس" كانت بطلتها الرئيسية.

هذه القصيدة مزجت بعبقرية بين شعور نزار بالخيبة والرفض وحبه الشديد لبلقيس والخيبات العربية التى يسجلها التاريخ الواحدة تلو الأخرى.


قصيدة إفادة فى محكمة الشعر بصوت نزار قبانى من مسلسل عن "نزار قبانى"

القصيدة الثانية.. "بلقيس"


القصيدة التى كان من المفترض أن تكون مرثية زوجته وحبيبته التى قتلت غدرًا، فى تفجير سفارة العراق ببيروت جاءت عبارة عن مزيج فريد بين الغضب واللوعة والحزن والرثاء والثورة على الإرهاب والأوضاع المرتبكة والمضطربة فى العالم العربى.

بلقيسُ ..
يا عِطْرَاً بذاكرتى ..
ويا قبراً يسافرُ فى الغمام ..
قتلوكِ، فى بيروتَ، مثلَ أيِّ غزالةٍ
من بعدما.. قَتَلُوا الكلامْ ..
بلقيسُ..
ليستْ هذهِ مرثيَّةً
لكنْ ..
على العَرَبِ السلامْ


قصيدة بلقيس



القصيدة الثالثة.. 25 وردة فى شعر بلقيس

جاءت هذه القصيدة بعد مرثية بلقيس الأشهر والأكثر انتشارًا، وجاءت فى العام التالى لرحيلها تحديدًا فى 10/4/1982، وفيها أيضًا يرثى بلقيس مجددًا لكنه ينتقد كذلك "الجاهلية" التى تسيطر على "عصرٍ عربى يفترس القصائد"، ويبكى على الأنوثة التى لا تشفع "فى هذا الوطن الممتدّ جغرافياً من البشاعة إلى البشاعة.. ومن القذيفة إلى القذيفة".

25 وردة فى شعر بلقيس


1
كنت أعرف أنّها سوف تُقتل..
وكانت تعرف أنّنى سوف أقتل..
وقد تحقّقت النبوءتان…
سقطت هى، كفراشة، تحت أنقاض الجاهليّة
وسقطت أنا.. بين أنياب عصرٍ عربي
يفترس القصائد..
وعيون النساء..
ووردة الحرّية..

2
كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
وأنّ أنوثتها لن تشفع لها..
فالأنوثة فى هذا الوطن الممتدّ جغرافياً
من البشاعة إلى البشاعة..
ومن القذيفة إلى القذيفة
ليست سبباً تخفيفياً
يحمى الحمائم من الذبح..
ولا تعطى امتيازاً للأمّهات
لكى يكملن ارضاع أطفالهن..

3
كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
فقد كانت جميلة ً فى عصر ٍ عربيٍّ قبيح..
وكانت نقيّة ً فى عصر ٍ عربيٍّ ملوّث
وكانت نبيلة ً فى عصر الصعاليك.
وكانت لؤلؤة ً نادرة ً
بين أكداس اللؤلؤ الصناعي
وكانت امرأة ً متفرّدة..
بين أرتال النساء المتشابهات…

4
كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
ففيها تجسّدت حضارة ما بين النهرين
ونحن متخلـِّفون..
هى مقامٌ بغدادى رائع..
ونحن لا نسمع..
هى قصيدة ٌ عباسية..
ونحن لا نقرأ..
هى فصلٌ من ملحمة (جلجامش)
ونحن أميون..
هى أجمل ما كُتب من شعر..
ونحن أردأ ما كتب من نثر..
5
كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
لأنّ عينيها كانتا صافيتين كنهرين من الزمرّد..
وشعرها كان طويلاً كموالٍ بغدادي
فأعصاب هذا الوطن،
لا تتحمّل كثافة اللون الأخضر
ولا تتحمل رؤية مليون شجرة نخل
تتجمع فى عينى بلقيس..
6
كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
فكلـّنا – دون استثناءٍ – موضوعون على قائمة الطعام
فى هذا الوطن الذى احترف أكل مواطنيه..
والغريب.. أنّهم يطالبون قبل أن يأكلونا..
أن نغنّى النشيد الوطني!!
ونأخذ التحية العسكرية لرئيس المائدة
وللغارسونات الذين يحيطون به..
أى نشيدٍ وطنيّ؟. أى وطن؟..
حين تكون جثّة المواطن العربي
مدفونة ً فى مكانٍ ما..
بين معدة الحاكم العربى..
وبين مصرانه الغليظ…
7
كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
فقد كانت مساحة كبريائها
أكبر من مساحة شبه جزيرة العرب
وكانت حضارتها لا تسمح لها
أن تعيش فى عصر الإنحطاط ..
وكان تركيبها الضوئى..
لا يسمح لها أن تعيش فى العتمة…
8
كانت تعتقد من شدّة عنفوانها
أنّ الكرة الأرضية صغيرة عليها..
ولهذا حزمت حقائبها،
وانسحبت على أطراف أصابعها،
دون أن تخبر أحداً..
9
لم تكن خائفة أن يقتلها الوطن
ولكنّها كانت خائفة على الوطن
أن يقتل نفسه..
10
كسحابةٍ حبلى بالشِعر..
نقّطت فوق دفاتري
نبيذاً.. وعسلا.. وعصافير..
وياقوتاً أحمر..
ونقّطت فوق مشاعري
قلوعاً.. وطيوراً بحريةً
وأقمار ياسمين
بعد رحيلها،
بدأت عصور العطش
وانتهى زمن الماء..
11
كان حبّها العراقيّ
له طعم الورد.. وطعم الجمر..
وكان إذا فاض فى موسم الربيع
كسر جميع السدود..
وكسرنى عشرين ألف قطعة..
12
أسّست معها فى 5 آذار 1962
أول مدرسة للعشق فى بغداد
وعندما سقطت بلقيس فى 15/12/1981
إستقال المعلـّمون والمعلـّمات
وهرب التلاميذ
وتأجّلت دراسة الحب..
إلى أجلٍ غير مسمى…
13
قبل أن يتركنى شعرها الذهبي
ويسافر..
لم أكن أعرف أبداً
أنّ من بعض هوايات العصافير..
تجميع سبائك الذهب..
14
بعد رحيل بلقيس
لن يكبر الشجر
ولن يستدير القمر
ولن يشتعل الماء…
15
لأن الشعب العربي
كان يتمنّى أن يكون حراً كشَعر بلقيس
وغير معتقل ٍ بالدبابيس
والزنزانات.. والأسلاك الشائكة..
كشعر بلقيس..
فقد أمر السلطان – نصره الله على أعدائه-
- وزاد من عدد محظيّاته ونسائه-
بإشعال النار فى حقول الحنطة..
وقطع رأس كل سنبلة ٍ تتكلم مع سنبلةٍ أخرى
والتخلّص من شعر بلقيس الجامح
كحصان أشقر..
لأنه يعلّم الناس الطموح
ويحرّضهم على الحرية
16
كنت دائماً أحس أنّها ذاهبة..
وكان فى عينيها دائماً
قلوعٌ تستعد للرحيل..
وطيّاراتٌ جاثمة ٌ على أهدابها
تستعد للإقلاع.
وفى حقيبة يدها – منذ تزوّجتها-
كان هناك جواز سفر.. وتذكرة طيران
وتأشيرات دخول إلى بلادٍ لم تزرها..
وعندما كنت أسألها:
ولماذا تضعين كلّ هذه الأوراق فى حقيبة يدك؟
كانت تجيب:
لأنّنى على موعدٍ مع قوس قزح…
17
بعدما سلـّمونى حقيبة يدها..
التى عثروا عليها تحت الأنقاض
ورأيت جواز السفر..
وتذكرة الطائرة..
وتأشيرات الدخول..
عرفت أنى لم أتزوّج بلقيس الراوي
وإنّما تزوجت قوس قزح…
18
فى الحفلات العامّة..
كانت تتحاشى أن تقف معى..
أو تتصوّر معى..
أو تقول للناس: إنها زوجة الشاعر.
أنا الذى كنت أبحث عنها هنا.. وهناك..
وأطلب من المصورين أن يصورونى معها..
حتى أدخل التاريخ..
19
عندما كانت تحضر أمسياتى الشعريّة
كانت هى التى تسرق الضوء
وأنا الذى أبقى فى الظل.
لم تكن تطلب رضى الشعر..
كان الشعر هو الذى يطلب رضاها…
20
عندما تموت امرأة جميلة..
تفقد الكرة الأرضيّة توازنها
ويعلن القمر الحداد لمئة عام
ويصبح الشعر عاطلاً عن العمل..
21
لم تكن تعترف بأوساط الحلول
حضورها كان استثنائياً..
وحديثها كان استثنائياً..
وشعرها الذى كان يسافر فى كلّ الدنيا..
كان حادثاً استثنائياً..
لذلك..
كان موتها استثنائياً مثلها…
22
تزوّجتنى.. رغم أنف القبيلة
وسافرت معى..
رغم أنف القبيلة..
وأعطتنى زينب وعمر..
رغم أنف القبيلة..
وعندما كنت أسألها: لماذا؟
كانت تأخذنى كالطفل إلى صدرها
وتتمتم:
“لأنك قبيلتى..”
23
كانت خرافيّة الألوان.. كفراشة
ورشيقة الطيران.. كفراشة..
وقصيرة العمر.. كفراشة..
وعندما أحرقوها فى يوم 15 ديسمبر 1981
قالت إحصاءات الأمم المتحدة
إنّنا القبيلة الوحيدة فى العالم
التى تأكل الفراش..
24
بلقيس الراوي
بلقيس الراوي
بلقيس الراوي
كنت أحبّ إيقاع اسمها..
وأتمسّك برنينه..
وكنت أخاف أن ألصق به كنيتى
حتى لا أعكّر ماء البحيرة..
وأشوه روعة السمفونيّة..
25
ما كان لهذه المرأة أن تعيش أكثر..
ولا كانت تتمنّى أن تعيش أكثر
فهى من فصيلة الشموع والقناديل
وهى كاللّحظة الشعرية
لا بدّ لها أن تنفجر قبل آخر السطر…


موضوعات متعلقة..


فى ذكرى ميلاده.. نزار قبانى يبعث بـ"5" رسائل حب لأمه
جوجل يحيى ذكرى ميلاد نزار قبانى الثالثة والتسعين
إحياء ذكرى ميلاد شاعر المرأة "نزار قبانى" تزامنا مع "عيد الحب"









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة