محمد مندور يكتب: أفرجوا عن الثقافة (2-2)

الأحد، 27 مارس 2016 10:12 م
محمد مندور يكتب: أفرجوا عن الثقافة (2-2) محمد مندور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يجب أن تسير خطوات الإصلاح الثقافى فى متتاليات، فالتحرك فى توازى عبر مختلف الجهات، مسألة ضرورية لنجاح أى عمل، فلا يمكن أن تتحدث عن إصلاح سياسى أو اقتصادى دون تحرك حقيقى نحو الإصلاح الاجتماعى الذى تأتى منظومة الثقافة جزءا رئيسيا منه، فالثقافة كما نعرفها دائما هى ما يشكل وعى ووجدان وعقول الناس.

لذا واستكمالا للمقال السابق.. نكمل الخطوات التى نهدف بها إلى وضع روشتة سريعة أو خطة للإصلاح الثقافى الجاد على الأرض وليس مجرد حبر على ورق أو مشروعات حبيسة الأدراج.

كانت الخطوة الأولى هى أهمية ربط الوزارات المعنية بتشكيل وعى ووجدان المواطنين فى قالب واحد، يتميز بالمرونة، والجدية فى تنفيذ الأفكار التى من شأنها نشر الثقافة فى مختلف المواقع التى يرتادها الجمهور، داخل المؤسسات التعليمية والثقافية، حتى الشوارع والمولات التجارية والأسواق والحدائق والميادين، فالثقافة لا زالت تعانى فى زمننا الحبس داخل مواقع وقصور ومراكز، لا نقول أنها ليست ذات فائدة، فهى لا غنى عنها، لكن الظروف اختلفت واهتمامات الناس تبدلت وأصبح لا مفر من الخروج إليهم.

الخطوة الثانية، ربط الثقافة بالإعلام باعتباره البوابة الرئيسية للمنتج الثقافى، فالعرض المسرحى والفيلم والحفلات الموسيقية والغنائية والمعارض الفنية والحرفية وغيرها من ألوان الثقافة والفنون، لن يتعرف عليها أحد ولن تجد انتشارا حقيقيا إلا من خلال الإعلام.

وهنا تكمن نقطة التعادل بين الطرفين والمصلحة المتبادلة، فالإعلام نفسه ليس له قيمة بدون وجود مادة فنية وثقافية على الشاشات.. فهى المادة الأكثر جذبا للإعلانات والجمهور معا.. فالقنوات الترفيهية أكثر الوسائل مشاهدة، أما برامج التوك شو والأخبار، فهى ليست هنا بمعزل عن الجمهور، فهى وسيلة تثقيف وتوعية مثل مختلف المواد الإعلامية، لكن تبقى للفنون جاذبيتها.

وهنا.. توجد إشكالية فى تعامل الجهات الحكومية المعنية بالثقافة مع الإعلام.. فالمنتج الثقافى الحكومى الذى صنع من أموال وضرائب الشعب لا يجب أن يظل رهن البحث عن تعاقدات ربحية لإذاعته فى القنوات سواء الحكومية أو الخاصة. فالمادة الفنية والثقافية يجب أن تكون متاحة وإن كان لا مفر من التعاقدات فلا يجب أن نجد أنفسنا أمام قانون المناقصات والمزايدات للتعاقد على إذاعة عرض مسرحى من إنتاج مسارح الدولة على شاشات التلفزيون. وهذه نقطة مهمة ستفضى بنا إلى الخطوة التالية.

الخطوة الثالثة: وهى الإصلاح التشريعى لمنظومة القوانين واللوائح التى تقيد نشر الثقافة وترويج الفنون. . فهناك عوائق أمام العمل الثقافي.. فمنظومة الإدارة الروتينية القميئة التى دمرت اقتصادنا بعزوف المستثمرين عن بلادنا. . وأرهقت المواطنين فى شوارعنا بسبب قوانين الإدارة المحلية التى تفتقد إلى منظومة وعلم الإدارة.. قادرة أيضا أن تدمر العمل الثقافى.

فالموظف الذى يقوم على إدارة موقع ثقافى ويتعامل مع الفنانين والمبدعين.. مجرد موظف.. بسبب القوانين التى تتعامل معه على أنه لص متهم قبل أن تثبت إدانته. فالقوانين التى تدير العمل الحكومى تشكك فى أنامل وأطراف يد أى موظف.. حولته إلى آلة لتطبيق الروتين أو القانون فكلاهما فى هذه الحالة وجه واحد. فالموظف إن لم يطبق الروتين سيكون متهما وتتم إحالته إلى النيابة الإدارية لأنه خالف المقدس القانونى فى النظام الإدارى. فالنص هنا جامد لا يقبل التفكير ولا الإبداع.

مفترض أن يكون المعنى بإدارة العلاقة بين المثقفين والمبدعين والفنانين من جانب والجمهور من الناحية الأخرى، مديرا ثقافيا. . لديه مهارات وقدرات ومعارف واسعة.. قادرا على الإبداع. . لكنه يواجه قوانين وروتين – حقير – يقتل إبداعه ويقتل أفكار وثقافة المصريين.

منظومة الإصلاح التشريعى يجب أن تتوسع أيضا لتشمل الحريات.. وتضع حدودا فاصلة وواضحة بين حرية الإبداع وحريات الآخرين.. وأن تنصف الإبداع الحقيقى لا أن تحكم عليه بالقتل بين السجون بسبب العقول الخربة. وهنا نعنى قوانين ازدراء الأديان وخدش الحياء العام وغيرها من المواد التى أدرجت عقوبات لا توازى الجرم، إن صح أنه جرم حقيقى.. فكثير من المتهمين بهذه الجرائم برأتهم المحاكم. . لكن بقت هذه المواد غير الواضح فيها معنى التهمة تمثل تهديدا قويا لكثيرين.

وأعتقد أن المجال واسع للحديث عن القوانين التى تحتاج إلى إصلاح تشريعى واللوائح التى تحتاج تعديل فهى واضحة للعاملين فى الحقل الثقافى. فقط يكفيك أن تعقد ورشة عمل ستتعرف على كل ما تحتاج تعديله.. لتحقيق الإصلاح التشريعى الحقيقى المطلوب.

الخطوة الرابعة: أن يضع الجميع - مسئول كان أو موظفا أو فنانا ومثقفا وحتى المتلقى - نصب عينيه التعريف الصحيح لمفهوم الثقافة.. فهى ليست الكتاب والحفلات الأوبرالية والموسيقية والمسرحيات فقط.. فالثقافة هى المعرفة البشرية وكل ما يشكل وعى ووجدان المواطنين. فالأزمة أننا أصبحنا نغرق فى تعريفات ومصطلحات تتسع لها مجلدات ونغرد بها بعيدا عن الواقع. فالثقافة هى كل ما يرتبط بحياتنا من سلوكيات وقوانين وعادات وتقاليد ومعارف وموروثات وتاريخ.. الثقافة هى التعليم والاهتمام ببناء الجسم السليم والعقل السليم.. الثقافة هى الدين والمعتقدات الفكرية والسياسية. ليست الثقافة هى الكتاب والحفل الموسيقى فقط.

إذا أعدنا تعريف مصطلح الثقافة.. أثق أننا هنا سنكون على بداية الطريق الصحيح للوصول إلى المواطن. . لأنه مخطيء من يظن أن السياسة بعيدة عن الثقافة فيُحرم تعريف المواطنين بحقوقهم السياسية.. ومجرم من يقول أن الثقافة لا علاقة لها بالدين. . فهذا جرم فى حق عقل ووجدان الإنسان الطبيعى. . الذى وجد ليبحث عن ذات خالقه وصفاته.. فالدين هو ما يحكم كثير من تصرفاتنا ويجعلنا بشرا لا وحوش. وهو ما يضع الأطر الأخلاقية للجميع. . ولو راجعنا الديانات السماوية أو الوضعية ستجدها تتضمن من الأخلاق ما يجعل هذا المعتقد جاذبا للناس. . فيه من الروحانيات ما يجعل البشر آمنا مطمئنا لما يفكر أو يعتقد. فالدين مكون أساسى فى ثقافة الشعوب. . كل الشعوب على أرض الله.

ومن منطلق إعادة الفهم الصحيح لتعريف الثقافة ستجد الباب مفتوحا للجميع لكى يشارك فى نشر ثقافة تبنى العقول وترقى بالوجدان.. فهنا تحت هذا الإطار الجميع له دور وعليه واجب فى نشر الثقافة.



موضوعات متعلقة..


- محمد مندور يكتب: أفرجوا عن الثقافة! (1 – 2)









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة