وقضت المحكمة، برئاسة المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة، بإلزام وزير الداخلية بأن يؤدى لأحد المجندين السابقين ويدعى محمد رجب أحمد رجب مبلغا مقداره خمسين ألف جنيه تعويضًا ماديًا وأدبيًا عن الأضرار التى أصابته من جراء امتناع وزارة الداخلية فى أغسطس عام 2012 عن تنفيذ حكم قضائى بعلاجه بعد إصابته عام 2005 بالعمود الفقرى، وعجز فى زراعه الأيمن، وتسريحه من قوات الأمن المركزى، لعدم اللياقة الطبية، وألزمت الداخلية بالمصروفات.
وذكر المدعى أنه تم تجنيده بسلاح قوات الأمن المركزى فى دمنهور بوزارة الداخلية، وأثناء خدمته فى عهد الرئيس المخلوع عام 2005 كلف بأداء أعمال بالوحدة إلا أنه أثناء العمل سقط من على السلم وأصيب بالعمود الفقرى وعجز بزراعه الأيمن وبناءً على ذلك تم إنهاء خدمته العسكرية لعدم اللياقة الطبية، ولم تصرف الوزارة مستحقاته المالية فأقام دعوى أولى أمام هذه المحكمة بطلب أحقيته فى المعاش وصرف مستحقاته طبقا للقانون رقم 90 لسنة 1975.
وقضى فيها باعتبار الإصابة بسبب الخدمة العسكرية وما يترتب على ذلك من آثار أخصها حقه فى المعاش والحقوق التأمينية الأخرى المقررة بالقانون 90 لسنة 1975، إلا أن الوزارة امتنعت عن علاجه فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى اكتفاء بحقوقه التأمينية فأقام دعوى ثانية أمام هذه المحكمة للمطالبة باستخراج بطاقة علاجية وكارنيه محاربين وقضى فيها فى يوليو 2012 بإلغاء قرار الداخلية السلبى بالامتناع عن إصدار بطاقة علاجية وكارنيه المحاربين لهذا الجندى، وأنه قام بإعلان الداخلية بالصيغة التنفيذية للحكم فى ذلك الوقت فى أغسطس 2012 إلا أنها امتنعت عن تنفيذه فأقام مدعى الدعوى الثالثة المماثلة طالبًا الحكم له بالتعويض عن عدم تنفيذ الحكم بالبطاقة العلاجية وكارنيه المحاربين.
وقالت المحكمة إن ركن الخطأ ثابت فى حق وزارة الداخلية فى أغسطس 2012 بشأن امتناعها عن تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة بإلغاء قرارها السلبى بالامتناع عن إصدار بطاقة علاجية وكارنيه المحاربين على الرغم من إعلانها بالصيغة التنفيذية، وبهذه المثابة فإن ثمة أضرار مادية وأدبية لحقت بالمدعى نتيجة لهذا الامتناع، فالضرر المادى تمثل فى حرمان المدعى من البطاقة العلاجية، ومن ثم حرمانه من تلقى الخدمات الطبية والعلاجية اللازمة لعلاج إصابته بسبب الخدمة، خاصة وأنه يعانى من أثار عملية قديمة بالساعد الأيمن أدى إلى إصابته بكسر أسفل عظمتى الساعد الأيمن، وأنه يعانى من ضعف فى قبضة اليد اليمنى، وكذلك اختناق أعصاب نفس اليد، ويعانى من التهاب عظمة غضروف بالرسغ، وهى الإصابات التى لحقت به أثناء خدمته بقوات الأمن المركزى بدمنهور، والتى كانت توجب على الوزارة أن ترد الجميل لمن أحسن عملا فى خدمة الوطن وسعيا لاستقراره، خاصة أن الجندى المصرى ذا ثبات عند المحن، وشجاعة فى الخطوب، وعزيمة وإصرار وصبر وإيمان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، خاصة أنه فى حاجة دائمة لعلاج دوائى وعلاج طبيعى، طبقا للثابت من التقارير الطبية، الأمر الذى حدا بالمدعى إلى إجراء العديد من التحاليل والأشعة وشراء الأدوية اللازمة على النحو الثابت بالمستندات المرفقة بحافظة مستنداته بمبالغ اقترضها من الغير لفقره، وعدم إيجاده فرصة عمل بسبب الإصابة التى ألمت به أثناء خدمته فى الأمن المركزى.
و أوضحت المحكمة أنه تم حرمان المدعى من كافة المزايا العينية الممنوحة لحامل كارنيه المحاربين، فضلا عما تكبده المدعى من جهد ومشقة وما أنفقه من مصروفات فى سبيل متابعة دعواه، والحصول على حكم قضائى فى عهدين مختلفين، أخذا فى الاعتبار الضرر الأدبى الذى تثمل فيما علق بنفسه من شعور بالظلم وبيده حكم قضائى، وترفض الإدارة تنفيذه، وكأنه يقبض بيديه على الريح بعد عناء ومشقة، بما يتعين معه الحكم بإلزام الداخلية بأن تؤدى له تعويضا ماديا عما لحق به من أضرار مادية وأدبية جراء ذلك القرار، وتقدر المحكمة هذا التعويض بمبلغ 50 ألف جنيه.
وأشارت المحكمة إلى أنه بعد ثورتين للشعب فى 25 يناير 2011 و 30 يونيو 2013 ، فإنه من مصلحة الوطن أن يحتفظ للسلطة القضائية بمكانة متميزة بين سائر سلطات الدولة وهيئاتها حتى تظل كلمتها هى كلمة الحق وفصل الخطاب، وينبغى أن يعى الجميع بأن ما حسمه القضاء هو الحق والعدل والإنصاف، لذا وضعت كافة الشرائع قاعدة تعلو على كافة القواعد القانونية، وتسمو عليها وهى قاعدة "حجية الأمر المقضى"، وتعنى أن ما نطق به الحكم القضائى هو عنوان الحقيقة، وهو أصل من الأصول القانونية تمليه الطمأنينة العامة، وتقضى به ضرورة استقرار الحقوق والروابط الاجتماعية بين المواطنين والدولة.
واستطردت المحكمة: إن الجهات الإدارية والوزارات المختلفة بحسبانها طرفا أصيلا فى دعوى الإلغاء هى المنوط بها تنفيذ الحكم الصادر فيها والملزمة بإجراء مؤدى حجيته نزولا على مقتضاه خضوعا وامتثالا لهذه الحجية التى هى من النظام العام، بل هى فى أعلى مدارجه، وعلى القمة من أولوياته، ومن ثم فإن هى امتنعت عن إجراء مقتضى هذه الحجية عزوفا عنها، فإن امتناعها يشكل قرارا سلبيا بالامتناع عن تنفيذ الحكم الحائز للحجية بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون .
واختتمت المحكمة حكمها قائلة: إن التاريخ وهو المختبر للحياة الإنسانية أثبت أن الدولة القانونية لا يعلو لها شأن بين الأمم إن هى دأبت على إهدار أحكام القضاء وضربت بها عرض الحائط علوا واستكبارا، وأن الامتناع عن تنفيذ الأحكام يفرغ الحقوق الدستورية من مضمونها، كما أن الدولة فى الحق تعلو شأنا وتزداد رفعة فى نظر مواطنيها إن هى رفعت من شأن القضاء ووسدت لأحكامه الطريق المستقيم لوضعها موضع التنفيذ، صونا للعدالة، ومن ثم فإن امتناع الوزراء وكبار المسئولين فى الدولة عن تنفيذ الأحكام القضائية يزعزع ثقة المواطنين فى الحكومة، فالمواطنون يلجئون للقضاء إيثارا منهم لتطبيق القانون، وبهذه المثابة فإنه من المصلحة العليا للبلاد أن تخضع الحكومة ووزرائها وممثليها وهيئاتها والأجهزة المختلفة لأحكام القضاء، حتى تظل سيادة القانون إحدى القيم الكبرى التى تحكم مسيرة المجتمع نحو التقدم والتطور، وإلا سادت شريعة الغابة.
وعقب النطق بالحكم، وفى مشهد مؤثر، بكى المجند بعد إنصافه من الظلم الذى لحق به فى عهدين وظل يعانى منه وهتف يحيا العدل قائلا: "لقد أنصفنى القضاء وخفف آلام وجيعتى من جسدى وأتمنى من وزير الداخلية الإنسان أن يرأف بحالى وينفذ حكمى الثالث بالتعويض الذى هو كل شىء فى حياتى الآن بعدما أصبحت عاجزا عن الكسب واستدنت مبالغا للإنفاق على علاجى، ومازلت أحتاج للعلاج ومعى ثلاثة أحكام وليس لى مورد زرق بسبب عجزى أثناء خدمة بلدى".
موضوعات متعلقة..
- القضاء الإدارى يلزم الداخلية بتعويض مجند بـ50 ألف جنيه لرفض الوزارة علاجه
عدد الردود 0
بواسطة:
كريم جيكا
يحيا العدل ...ما ضاع حق ورائه مطالب
يحيا العدل ...ما ضاع حق ورائه مطالب