المشكلة هى المحسوبية وغياب القانون وليس الضمير لأنه غير موجود أصلا إلا قليلا؛ فالذهاب للطبيب مثلا تدفع المئات للكشف ولا تجد كرسيا لانتظاره، ولا حساب للوقت، وأتذكر أن مؤسسة ألمانية حسبت متوسط ما ينفقه المواطن الألمانى العائش 80 سنة فى الانتظار سنتان؛ وهما ما ينفقهما المواطن المصرى فى انتظار طوابير العيش فى خمس سنين.
نأتى لقياس الرضا فأنت تدخل بنكا حكوميا لصرف شيك، وانتظر يوم الحساب عندما يُنادى عليك وكأنك تشحذ فلوسك، وإذا أوقعك حظك العاثر فى طلب شهادة فأنت وحظك وستجد هذا الموظف وكأنه يجود عليك بحقك، متى يشعر المواظن المصرى بآدميته؟ عندما يشعر بأن حقه يأتيه دون مذلة ودون واسطة أو رشوة ؛ وهو مطالب أن يقوم بأداء واجباته دون تلكؤ ودون استهتار أو تهّرب.
والعجب العجاب أن أكبر نسبة معتمرين وحجاج من مصر؛ ولم تنعكس هذه العبادات على المعاملات، وكأنهم يفرقون بين هذا وذاك، وينسون فضل قضاء حوائج الناس فما بالك بحقوقهم.
البلدان الأوربية لا يوجد بها مواطنون ملائكة،ولكن تطبق بها قوانين على الجميع دون استثناء، فتتحول الدولة إلى عائلة المواطن ومصدر عزته، وقبيلته التى تؤويه وتسانده وقت الشدة.
ينسى الموظف المصرى أنه كان من الممكن أن يكون من العاطلين وأنه حَفِى حتى وجد فرصة عمل، وكأنه لا يعرف أنه يتقاضى راتبه من هزلاء الناس، والعجيب أنه يجد فى القوانين ما يتفق مع هواه فإن رأى تعقيد الأمر استند لبند فى اللائحة السلطانية؛ وإن رأى تمرير الأمر أغفل هذا النص وأوجد نصا آخر يسهّل المعقَّد.
هل توجد دورة مياه نظيفة فى أية مصلحة حكومية بمصر أو فى أى شارع؟هل العيب فى سوء الاستخدام أو سوء الصيانة؟ نظافة دورات المياه ووجودها مظهر حضارى وصحى، متى نهتم بذلك؟
نأتى إلى الخدمات التى تقدم للمواطن فالطلاب لا يذهبون للمدارس بل يبحثون عن واسطة حتى يتغيبوا والدروس الخصوصية أقصد العمومية هى الملجأ، والمستشفيات أنتم أدرى بها.
يجب أن تتحول الدولة إلى حاضنة المجتمع وإلا سنجد دولا موازية فى داخل الدولة، فقد لجأ المُهَمّشون إلى الجماعات المتأسلمة ليصبحوا أمراء فيها، وهناك نظام يفرّق الأموال شهريا على أهالى المسجونين والمقتولين تطبقه جماعات أخرى.
متى تحل الدولة بدلا من هؤلاء، أتذكر عندما كنت طفلا حوارا دار بين أبى رحمه الله وبين مزارع يزرع أرضا لنا بموجب قانون الإصلاح الزراعى، وكان هذا الرجل يتلكأ فى دفع الإيجار فداعبه أبى قائلا: يبدو أنك أخى من أبى وقد رثتَ أرض أبيك، فردّ هذا الرجل: "أنا أبوى جمال عبدالناصر".
تشكو من كثرة الحرائق وأنت ترى أن التشوينات فى داخل الشقق السكنية ولا حماية مدنية ولا يحزنون، وإذا شب حريق فكيف تصل عربة المطافى بالقاهرة الى أى مكان؟
هل تصدق أن محافظة كاملة لا يوجد بها حضانة للأطفال المبتسرين أو لا يوجد بمستشفياتها الحكومية جهاز أشعة متقدم؛ وإذا وُجد فهو معطل بشكل متعمد لحساب الجهاز الخاص فى الشارع المقابل؟ المنظومة محتاجة لقوانين تُطبق؛ ولوزارة سعادة تمحو كآبة واكتئاب المواطن المصرى حتى تختفى "كأنه وكأنها".
موضوعات متعلقة..
محمد أبو الفضل بدران يكتب: إيطاليا ومخطوطات ابن رشد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة