ورغم كل المحاولات المتكررة على مدار العقود الماضية لإحداث أزمة حقيقية بمعنى الكلمة بين الصحافة والداخلية، قإن هناك «شعرة معاوية» بين الطرفين، إذا جذب أحدهما أرخى الآخر، لتستمر العلاقة الطيبة بين الطرفين، إعلاء لشأن تقدير الموقف من ظروف، يمر بها الوطن تتطلب على الجميع أن يقفوا فى خندق واحد، جنباً إلى جنب، للدفاع عن الوطن وحماية أمنه واستقراره.
الداخلية والصحافة كانا شديدى الحرص على الحفاظ على الأمن القومى المصرى وحماية مصالح مصر الداخلية، بتحقيق الأمن ومجابهة الإرهاب الغاشم الذى أطل على مصر برأسه من جديد، بعدما هزمته مصر فى تسعينيات القرن الماضى، فوقفت الداخلية تواجه بكل حسم وقوة الإرهاب، وبجوارها الصحافة، تدعم وتساند وتبرز الجهود، وقدمت الداخلية فى سبيل ذلك العشرات من الشهداء على مر السنوات الماضية، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، قدموا أرواحهم من أجل أن يبقى الوطن قوياً متماسكاً، ووجدوا فى الصحافة السند والداعم لها فى معاركها مع الإرهاب، حيث اكتست صفحات الجرائد والصحف القومية والخاصة بصور الشهداء «الورد اللى فتح فى جنانين مصر»، وأبرزت قصصهم وبطولاتهم، ورصدت حكايتهم وقصصهم وحرصت على دعم زملائهم ورفع الروح المعنوية حتى يقاتلوا ولا يتولوا يوم الزحف.
وقررت الصحافة أن تخوض نفس المعارك وتنضم إلى معسكر الداخلية وتقف بجوار رجال الشرطة فى حربهم على الإرهاب، وتكبدت الصحافة فى سبيل ذلك خسائر كبيرة، قدمت أيضاً شهداء قبل أن تجف أقلامهم، وحرص رموز الصحافة وشباب الصحفيين على أن يكونوا فى طليعة الصفوف الأولى فى مهاجمة ومباغتة الإرهاب، وقرروا أن يحاربوا ويواجهوا بصدور عارية دون خوف من رصاصة غدر أو طلقة طائشة، ليتحد الاثنان فى سبيل الحفاظ على أمن واستقرار الوطن.
ورغم النجاحات الأمنية التى تحققها الداخلية سواء فى قطاع الأمن الجنائى أو السياسى، فإن هذه النجاحات تبقى حبيسة الأدراج، ما لم تتناولها الصحافة وتبرزها، ومن ثم أصبحت الداخلية لا يمكن بحال من الأحوال أن تستغنى عن الصحافة التى تبرز دورها وتكون بمثابة همزة الوصل بين الداخلية والشعب، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما ساعدت الصحافة الوزارة فى البحث عن المجرمين الهاربين، خاصة فيما يعرف باسم «ابحث مع الشرطة»، من خلال نشر صور الهاربين من السجون والمطلوبين لجهات التحقيق، الأمر الذى سهّل على رجال الشرطة وأجهزة البحث الجنائى مهمتهم فى الوصول إلى المتهمين سريعاً بفضل الصحافة.
وعلى الجانب الآخر، استفادت الصحافة من الداخلية بتسهيل عملها فى الوصول إلى المتهمين والتصوير معهم وإلقاء الضوء على العديد من القضايا، ولم تكتف الداخلية بذلك، وإنما كانت فى كثير من الأحيان تؤمن رجال الصحافة فى عملهم، وخصصت حراسات خاصة لعدد من الإعلاميين الذين تلقوا تهديدات من الخارجين على القانون، إيماناً منها بأن الصحافة الشريك فى المعارك مع الخارجين على القانون، هذا الشريك الذى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يتم الاستغناء عنه.
وأصبح هناك قاسم مشترك بين الطرفين «الداخلية والصحافة» وهو البحث عن الحقيقة الكاملة، حيث تسعى أجهزة الأمن بوزارة الداخلية فى العديد من القضايا الأمنية، خاصة الجرائم الجنائية المجهولة فى الوصول إلى رأس الحقيقة، وتشاركها الصحافة رحلة البحث عن هذه الحقيقة، وقد تقدم الصحافة أدلة ومعلومات جديدة تساهم فى الوصول إلى الحقيقة وفك طلاسم العديد من الحوادث، والأمثلة فى ذلك كثيرة، لعل أبرزها صور جريدة «اليوم السابع» فى واقعة استشهاد شيماء الصباغ، التى قادت الداخلية للكشف عن المتهم والقبض عليه بعض عرض الصور.
ولم تتوقف هذه العلاقة عند هذا الحد، وإنما حرصت وزارة الداخلية مؤخراً على دعوة عدد من كبار الصحفيين، للحضور لكلية الشرطة وإلقاء محاضرات على الطلاب، لتوعيتهم بأهم القضايا التى تشغل الرأى العام، والعلاقة بين الصحافة والداخلية، والحديث عن الحريات ومستقبلها فى مصر، وكيفية تحقيق الأمن، مع الحفاظ على حقوق الإنسان باعتبارها إحدى الركائز الأمنية المهمة التى لا يمكن الاستغناء عنها بأى حال من الأحوال، ولا يمكن أن تتم رسالة الأمن بمعزل عن حقوق الإنسان، كما حرصت المؤسسات الصحفية على دعوة خبراء الأمن ورجال الداخلية إليها لإلقاء المحاضرات وعقد الندوات، لشرح القضايا الأمنية المهمة، وكيفية مواجهة الإرهاب وتقليص الجريمة الجنائية فى مصر، وإعطاء الروشتات الأمنية، وامتد الأمر إلى أكثر من ذلك، عندما قرر كبار الصحفيين أن يرسلوا أبناءهم للدراسة بكليات الشرطة، وحرص عدد من الضابط والقيادات الأمنية على أن يعمل أبناؤهم فى الصحافة، فأصبحت هناك علاقة وصلة رحم بين الطرفين.
العلاقة بين الصحافة والداخلية ينظمها الدستور وتحميها القوانين، التى تضمن لكل طرف أن يعمل فى مساره الطبيعى دون أن يبغى طرف على الآخر، فى إطار التعاون بين الاثنين، إلا أن الطرفين دائماً ما يتبنيان أمرا ثالثا، وهو «ثقافة الاحترام» تلك الثقافة التى تظهر فى التعامل الجيد بين الصحفيين ورجال الشرطة، خاصة صحفيى الحوادث الذين يتعاملون بطبيعة عملهم مع القيادات الأمنية ورجال الشرطة باستمرار، ويخوضون معهم الحملات الأمنية على البؤر الإجرامية، وتتطور هذه العلاقات من مصادر إلى علاقات طيبة، وربما تتحول إلى علاقات اجتماعية لاحقاً.
ويبقى تبادل المعلومات وتداولها هو القاسم المشترك بين الطرفين، حيث يسعى العاملون فى حقل الصحافة إلى الحصول على المعلومة لتقديمها للرأى العام وتوجيه رسائل الطمأنينة، فيما يحرص رجال الشرطة على توفير هذه المعلومات للصحفيين، ومن ثم لجأت وزارة الداخلية إلى إنشاء قطاع عرف باسم «الإعلام والعلاقات» يشرف عليه مسؤول أمنى برتبة مساعد وزير ويعمل معه عدد كبير من القيادات الأمنية والضباط، يعملون على مدار الـ24 ساعة، ويجمعون المعلومات من مديريات الأمن والقطاعات الشرطية ويرسلونها للصحفيين فى صورة بيانات صحفية، وفى بعض الأحيان يرتبون جولات مفاجئة وزيارات لقطاع شرطية لإلقاء الضوء على ما يتم على أرض الواقع ورصده، سواء إيجابا أو سلباً، وتسمح للصحفيين بالتواصل مع هذا القطاع باستمرار، للاستفسار عن أى تساؤلات والإجابة عنها، من خلال ما يعرف باسم المركز الإعلامى الأمنى بوزارة الداخلية.
وباتت الصحافة لا تحتاج من الداخلية سوى المعلومة الكاملة غير المنقوصة، مع الاحترام الكامل للصحفيين، وتسهيل مهمتهم لأداء مهام عملهم وتوفير مناخ طيب يسمح لهم بأداء عملهم بحرية، وهو ما التزمت به الداخلية مؤخراً، خاصة فى الجرائم الجنائية، حيث تقدم المعلومات كاملة غير منقوصة، وربما تحجب معلومات أو أخبارا خاصة ببعض القضايا السياسية، حفاظا على الأمن القومى وسير التحقيقات، وحتى لا يستفيد المتهمون الهاربون من المعلومات المنشورة، فيعدلوا من موقفهم القانونى أو يغيروا أماكن وجودهم. وأصبحت الداخلية تطالب الصحافة بالالتزام بنشر المعلومات الصحيحة وعدم نشر ما يكدر السلم العام او ترويج الشائعات، وهو ما التزمت به صاحبة الجلالة، وكانت أشد حرصاً على المصلحة القومية، وحجبت المعلومات غير الصحيحة حتى لا تثير الجدل.
موضوعات متعلقة:
- "الثقافة والإعلام" تقدم تقريرا نهائيا عن أزمة "الصحفيين" لرئيس البرلمان اليوم
عدد الردود 0
بواسطة:
MOHAMED
عدم الالتزام
عدد الردود 0
بواسطة:
ماجد
اى كلام
فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
الى الخروف رقم 1
لانه ببساطة ايها الخروف لم تصدر عن جمعية عمومية حقيقية بل من الذين تصوروا انهم فوق مؤسسات الدولة !!