كيف تحول موسم الامتحانات إلى كابوس سنوى للأسرة المصرية؟
لا يختلف الحال فى البيوت المصرية مع حلول موسم الامتحانات من كل عام، ما بين مرحلة ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية، فالكل فى الهم سواء، وكل أفراد الأسرة المصرية يعيشون أكثر الأيام قلقًا، على الرغم من أن الامتحانات حول العالم لا تستهدف بالأساس قياس مدى قدرة الطالب على تحصيل المعلومات، لكن فى مصر الوضع مختلف، فالاختبارات درجة فى سلم واجب اجتيازه بأى شكل أو صورة حتى لو كانت غير شرعية.
الخوف الشديد من الامتحانات، والرغبة فى التخلص من العملية التعليمية المملة والمكلفة، تلك الثقافة تدفع عددا من أولياء الأمور، قبل أبنائهم، إلى انتهاج سبل غير مشروعة، من أجل مساعدة أبنائهم على عبور عقبة الامتحانات بنجاح، ولعل واقعتين حدثتا مؤخرًا تكشفان عن مدى خطورة ثقافة الرغبة فى اجتياز الامتحانات، بأى وسيلة ممكنة.
الواقعة الأولى، كشف عنها الدكتور أحمد الجيوشى، نائب وزير التربية والتعليم، فى تصريحات سابقة، مؤكدًا أن غرفة عمليات متابعة امتحانات الدبلومات الفنية تلقت ما يفيد، بقيام شقيق أحد الطلاب بأداء الامتحان بدلا منه فى إحدى المحافظات، مؤكدا أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الطالب، والمسؤولين عن لجنة الامتحانات، أمّا الواقعة الثانية، صاحبة التأثير الأكبر، فكانت فى محافظة الدقهلية، بعدما تمكن مراقب عام بلجنة مدرسة بلقاس الثانوية من ضبط مبيض محارة أثناء أدائه امتحان اللغة العربية بدلا من طالب بالمنازل.
الواقعتان وغيرهما تؤكدان أن الحديث عن التشديدات، والعقوبات المغلظة على أولياء الأمور والطلبة سواء بالغرامة أو حتى الحبس وفقًا للقانون الجديد، لن تجدى نفعا مادامت الثقافة غائبة، فالتعليم ليس هدفه النجاح فى الامتحانات فقط، وإنما تربية أجيال على الصواب والخطأ.
هل التعليم المفتوح «ظالم أم مظلوم»؟
على مر السنوات تختلف الآراء ما بين مؤيد ومعارض للتعليم المفتوح، لكنهم جميعا كانوا يتفقون على ضرورة إصلاح جوانب الضعف فيه، لاسيما أن العملية الانتظامية نفسها تعانى من أزمات كثيرة أيضًا، لكن منذ أيام قرر المجلس الأعلى للجامعات بشكل نهائى إلغاء هذه النظام التعليمى، ليثر تساؤلا هل هذا النظام ظلم أم مظلوم؟
المجلس الأعلى للجامعات استقر على استبدال بنظام التعليم المفتوح بدائل أخرى متمثلة فى برامج مهنية تمنح شهادات مهنية، لكنها لا تُعد مسوغا للتعيين، وأيضًا برامج التعلم عن بعد والتعليم الإلكترونى.. القرار. أثار ضجة كبرى ما بين مؤيدين للقرار، مبررين وجهة نظرهم بأن هذا النوع من التعليم أصابه قصور شديد، وبات لا جدوى من وجوده فى ظل عدم اعترافات عدد من النقابات المهنية والمؤسسات فى مجال العمل بها النوع من الخريجين، لاسيما أن التعليم العالى كان قد قام فى وقت ماض بمعادلة شهادات التعليم المفتوح بنظيره النظام مما خلق حالة من الجدل الأكبر بين الطلاب والأساتذة. فيما رأى الرافضون للقرار بأنه نوع من الظلم للراغبين فى التعلم ودراسة تخصصات بعينها بعيدًا عن أحكام الثانوية العامة ومكتب التنسيق، خاصة أنه كان يجب إصلاح أوضاعه أفضل من إلغائه، ووضع بدائل غير واضحة المعالم حتى الوقت الحالى، مؤكدين أن التعليم حق يكفله الدستور ويجب على المسؤولين الالتزام بالنصوص الدستورية وانتزاع أحد حقوق المواطن منه عنوة!
وبعيدًا عن المؤيدين والمعارضين لقرار المجلس الأعلى للجامعات يظل الطالب المصرى أسيرا للقرارات الحكومية المفاجئة وأحيانًا المتضاربة أو حتى منتظم فى عملية تعليمية رديئة لا تفيده فى شىء! الحل فى إصلاح منظومة التعليم بشكل كامل بدلا من البحث عن إنشاء أو إلغاء النظم التى تدر أموالا على خزينة الوزارة أو التى تكبدها تكاليف وأعباء مالية!
هل يتواصل ضياع حلم المونديال؟
منذ آخر ظهور للمنتخب المصرى فى مسابقات كأس العالم عام 1990 على الملاعب الإيطالية، وجماهير الكرة المصرية تعيش على أمل الصعود إلى أهم المسابقات العالمية فى دنيا كرة القدم مجددًا، خاصة إن المنتخب المصرى لم يحمل من مونديال إيطاليا، سوى ذكريات هدف مجدى عبد الغنى، من ركلة جزاء، لتظل تلك الذكرى الأبرز للفراعنة فى تاريخ المونديال، وعلى مر السنوات التى تلت تلك اللحظة لا يزال المصريون يحلمون بتكرار تلك التجربة، إلا أن المؤشرات فى الوقت الحالى تشير إلى أن المحاولة الراهنة ربما تُماثل سابقيها فى نتيجة الفشل.
تعاقد اتحاد الكرة مع الأرجنتينى هيكتور كوبر لقيادة الفراعنة، على أمل تحقيق ما فشل فيه سابقوه، وبناء جيل جديد للكرة المصرية بعدما ودع أبرز أبناء الجيل الذهبى للمعلم حسن شحاتة الملاعب، لكن الأوضاع منذ اللحظة الأولى، لم تساعده لأداء مهامه على الوضع الأنسب، سواء بإلغاء عدد من اللقاءات الودية التى طلبها، أو بسبب الظروف الأمنية فى البلاد وأداء المباريات بدون جمهور، وأخيرًا «الفتنة» بين لاعبى الأهلى والزمالك داخل الفريق، والتى تجسدت بشكل واضح فى أزمة حسام غالى، قائد الفريق الأحمر مع أسامة نبيه، مدرب عام المنتخب، مهاجم الزمالك الأسبق.
منذ بداية عهد كوبر مع الفراعنة، والحديث عن وجود فتنة بين لاعبى الأهلى والزمالك مقتصر على تعليقات أو تلميحات على صور تظهر وجود معسكرين داخل معسكر المنتخب، فالأبيض فى جانب والحال نفسه للأحمر، واستمر الحال على هذا النحو، إلى أن استطاع الفريق عبور عقبة منتخب نيجيريا فى تصفيات أمم أفريقيا، لكن تقارير صحفية أعادت تجديد الأزمة مرة أخرى، وأظهرت حالة الصدام الموجودة بين مدرب الفراعنة، وقائد الأهلى، ليتم تداول أحاديث عن وجود حالة من الاضطهاد للاعبى الأحمر من قبل الجهاز الفنى للمنتخب.
الحديث عن الصلح بين غالى ونبيه لم يفلح، وانتهى الأمر باستبعاد قائد الأحمر من معسكر المنتخب، استعدادا لتنزانيا، لكن هذا ليس معناه نهاية الواقعة، بل البداية، ومع أول تعثر للمنتخب ستتوالى الانتقادات، ويظهر الانقسام وتتعالى الأصوات عن وجود تفرقة فى المعاملة بين اللاعبين، وعدم قدرة الجهاز الفنى على إحكام سيطرته، ومن هذه النقطة يكون الحديث عن أى أمل فى الصعود للمونديال نوع من تضييع الوقت، إلا إذا لم يتم تدارك الأوضاع، وإعادتها لمسارها.
لماذا يصبح «دعم مصر للطيران» واجبا على كل مصرى؟
الإيمان والاستسلام لنظرية المؤامرة، طوال الوقت، كفيل بالقضاء على أى مؤسسة أو حتى أمة، خاصة إن نتائجه تعد أخطر من تنفيذ المخططات على أرض الواقع، ولعل حادث الطائرة المصرية المنكوبة، كشف عن حاجة ماسة من أجل تغيير طريقة التعامل مع الأزمات والكوارث، فالانشغال بمحاربة طواحين الهواء لن يُعيد ما تم فقدانه، بل العمل وحده السبيل للخروج من أى مأزق.
يُؤمن المسؤولون فى مصر ووسائل الإعلام، بأن هناك مؤامرة تحاك من وسائل الإعلام الغربية على شركة مصر للطيران، بعد الحادث الأليم، وبالتأكيد التعامل الإعلامى لعدد من القنوات والصحف الأجنبية، يثير التساؤلات والشكوك، حول تناولها لهذا الحادث، لدرجة أن وزير الطيران المدنى شريف فتحى تخلى عن دبلوماسيته فى إحدى المداخلات الهاتفية لقناة فضائية، ووصف تلميحات شبكة «CNN» الأمريكية عن إمكانية انتحار الطيار بـ«الشىء الحقير»، وعاد وزير الطيران نفسه، وتحدث عن الواقعة مع الشبكة الأمريكية، مؤكدًا أنه إذا ثبت بالدليل القاطع وجود خطأ فنى، فإن الدولة المصرية لن تخفيه على أى حال، لكن يجب الانتظار، حتى ظهور نتائج التحقيقات، وعدم استباقها.
المهم فى الأمر أن الحادثة كشفت عن أن هناك إجماعا بين المصريين على ضرورة دعم شركة الطيران الوطنبية «مصر للطيران» والتصدى لكل المحاولات التى استهدفت النيل من تلك المؤسسة الوطنية العريقة وتشويه صورة طياريها والعاملين بها، وهو أمر أدرك المصريون جميعا أنه يستهدف كل الدولة المصرية، وليس واحدة من مؤسساتها، وجاءت فعالياتهم الداعمة لـ«مصر للطيران»، لترد على كل تلك المحاولات، بكل قوة، ولتؤكد أن الشعب المصرى لا يسمح بالنيل من كرامته الوطنية أو المساس بمؤسسات بلاده والسعى لهدمها.
لماذا يعجز الوسط الفنى عن إنجاب إسماعيل ياسين آخر؟
حلت منذ يومين الذكرى الـ44 لرحيل النجم الكوميدى إسماعيل ياسين، والذى غابته معه ابتسامة مميزة لم يستطيع عالم الفن المصرى أن يجود بمثلها منذ ذلك الحين إلى وقتنا الراهن، فالفنان الراحل نجح بصورة مبهرة فى تحويل الكوميديا إلى رسالة فنية وليس مجرد مادة استهلاكية هدفها انتزاع ضحكات المشاهدين بدون رسالة موجهة أو قصة محبوكة. بالتأكيد الموهبة الفطرية التى تمتع بها إسماعيل ياسين هى هبة ربانية، إنما الفكرة نفسها تكمن فى القدرة على تقديم رسالة مهمة وسط عالم ساخر، فالقيمة هنا تظهر فى التفاصيل الدقيقة ومغزاها، والدليل على هذا سلسلة الأفلام التى شجعت الشباب على التطوع فى الجيش، وأبرزها إسماعيل ياسين فى البوليس الحربى، والطيران، وغيرهما.
مدرسة أبوضحكة جنان الفريدة فى عالم الكوميديا، أزمتها الوحيدة أنها لم تكن لها تلاميذ نجباء، ورحلت معه فى مطلع سبعينيات القرن الماضى، وبدأت موجة من الأفلام التجارية التى لم يكن لها هدف سوى استثارة غرائز الشباب، وانتزاع ابتسامات مصطنعة، من خلال إطلاق إفيهات رخيصة الثمن، لذلك لم تدم طويلاً.
وبخلاف أسماء بارزة فى عالم الفن العربى أمثال الزعيم عادل إمام وسمير غانم، اعتمدت الكوميديا على الأفكار الاستهلاكية التى لا يكتب لها الخلود بينما تزول لحظيًا، ولعل فى العصر الحديث يتجسد نموذج الفنان الكوميدى محمد سعد كمثال بارز، بعدما تم استهلاكه فى قالب محدد، ولم يتمكن من الخروج منه لدرجة أنه عندما قرر تقديم برنامج تلفزيونى بنفس الطريقة.
الأهم فى الحديث عن ذكرى رحيل المونولوجست الفذ بشكل سنوى، بعد إعطاء الفنان الراحل حقه، أن الأبقى هو العمل الجاد الذى يحمل مضمونًا، ويخلد أصحابه، فالنجاح الذى يأتى سريعًا يرحل بنفس السرعة.
من يُحاسب على «روشتات الغلابة»؟
حلم العلاج بالنسبة لمرضى الفقراء كان أشد العقبات أمامهم، حتى أسابيع قليلة مضت، فالمهم وجود رعاية طبية ملائمة فى مستشفى حكومى، وبعدها يمكن توفير الدواء من أى جهة.. لكن الوضع اختلف كليًا حاليا، وذلك بعد قرار الحكومة بتحريك سعر الدواء، لتوقف أحلام الغلابة فى الحصول على رعاية طبية آدمية، وينتظرون معجزة للشفاء!.
فى 16 مايو الجارى، وافقت الحكومة على رفع أسعار الأدوية بنسبة 20% للأدوية الأقل من 30 جنيها، وكشف فى مؤتمر صحفى، حينها، الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة، أن السبب وراء القرار اختفاء 4 آلاف دواء رخيص السعر فى السوق المصرية، بسبب عدم قدرة الشركات المحلية على الإنتاج.
بعد صدور القرار تعالى الكثير من الشكاوى وبيانات الانتقاد، ومنها المركز المصرى للحق فى الدواء، الذى أصدر بيانًا يؤكد فيه أنه تم رصد قيام عدد من شركات التوزيع بغلق فروعها، لمدة وصلت لـ48 ساعة، وقامت بنزع الأسعار الموجودة على الأصناف، التى سبق إنتاجها قرار التسعير الجديد، إضافة إلى ذلك، تم اكتشاف أن هناك أكثر من 150 صنفا صدر لهم قرار تسعير على الشريط الواحد، وليس حسب القرار على العلبة، وهو أمر به شبهة فساد واضح!. تلك الفوضى فى سوق الدواء، دفعت عددا من النواب، وبالتحديد أعضاء لجنة الصحة بالبرلمان، عبروا عن استيائهم من القرار، مطالبين بضرورة إلغائه، ومنهم من ذهب إلى ضرورة إقالة وزير الصحة، فمنهم من رأى أن هناك رغبة من الحكومة فى دفع المواطن للانتحار، ومنهم من استشعر وجود «ريحة وحشة»، لكن ممثل الصحة تمسك بأن القرار فى صالح المواطن!.
الخلاصة مما سبق أن المواطن البسيط وحده سيتحمل الأعباء، ولن يجد من يحاسب على «روشتاته».. فوزير الصحة مستمر فى منصبه، والنواب مستمرون فى أحاديثهم، والصيادلة وشركات الدواء مستمرون فى جنى الأرباح الطائلة دون رقيب أو محاسب لهم.
كيف جذب «طالب سيناء» اهتمام المجتمع المصرى كله؟
تُعانى منظومة التعليم فى مصر من قصور شديد، رغم محاولات الإصلاح، إلا أن الشروخ تبدو أكبر من الجهود المبذولة، ومع ذلك لا تكف مصر عن إنجاب المبدعين فى شتى المجالات، فى ظل هذه الظروف الصعبة، والمثير للاستغراب أن أغلب هذه النماذج، ليسوا من شديدى التفوق الدراسى، أو بشكل أدق، أوائل الجمهورية فى مرحلة الثانوية العامة، الذين يتم الاحتفاء بهم كل عام! لكن لا يسمع أحد عنهم بعد تلك اللحظة.
على خلاف نماذج أوائل الثانوية العامة، برز نموذج الطالب أسامة محمد بالصف الخامس الابتدائى فى إحدى مدارس محافظة شمال سيناء، ويبلغ من العمر 11 عامًا، والذى استطاع بعفوية شديدة، وإبداع فطرى جذب أنظار المجتمع بكل طبقاته إلى موهبته، ومعاناته الشخصية فى نفس الوقت، بعدما لخص كل ما يعانيه فى حياته فى عبارة واحدة «أمى ماتت ومات معها كل شىء»، عندما طلب منه وزملاؤه كتابة موضوع فى «التعبير» عن فضل الأم. بعيدًا عن أسئلة التربية والتعليم، فإن الطالب استطاع الخروج منتصرًا بصورة مبهرة، ودون أن يدرى، لاسيما أنه يعيش فى بيت مصنوع من «الصفيح» مع 9 من إخوته، بعدما فقد والدته فى عام 2012، فيما يعيش برفقة أبيه القعيد، ويساعده على أعباء الحياة من خلال العمل باليومية فى إحدى مزارع الفاكهة، واعتاد الطالب الالتزام بمواعيد عمله، لدرجة أنه تخلف عن ميعاد تكريم المحافظة بسبب خوفه من ضياع قيمة اليومية!.
الطالب السيناوى لم يحتج إلى دروس خصوصية طوال العام أو أسرة تسهر على راحته من أجل تجميع الدرجات، على أمل سماع أغنية «الناجح يرفع إيده» فى نهاية العام، لكنه تعلم من أجل العلم، لا من أجل الامتحانات، وأبدع بدون أن يدرى، فالنوم فى منزل صفيح جعله أقوى من رهبة امتحانات قد تكون لا قيمة لها، وأسئلة لا يعلم واضعوها مغزاها أو مفهومها.
تكريم أسامة واجب على الدولة، وليس من خلال التقاط صور تذكارية معه بجوار المسؤولين أصحاب البدل الأنيقة، إنما من خلال تطوير قريته، وجعلها مكانا آدميًا يصلح لحياة البشر، خاصة إن البشر الذين يقطنون فيه منهم المبدعون والعباقرة، ومستقبل هذا البلد، وجملة ابن الـ 11 عاما خير دليل!.