لا ذنب لهم فى الحياة غير أنهم أبناء لآباء وقعوا فى فخ الاختيار السيئ لشريك الحياة، ليدفعوا بذلك ثمنه باقى حياتهم ويتحولوا لـ"مرضى" بسبب العنف الذى تعرضوا له بداخل حياتهم الأسرية من قبل ذويهم الذين أفقدتهم الخلافات الزوجية عقولهم وانساقوا وراء العند والانتقام حتى أصابوا أطفالهم بنارها ليقفوا أمام المحاكم وداخل أقسام الشرطة وبالمستشفيات يعانوا من تلك الحياة المريضة، ومع الوقت يحملون هم نفس المرض ويتحولون إلى مشوهين نفسيا وجسديا.
النسبة ليست بالهينة ، فهم شريحة كبيرة داخل المجتمع،حيث وصل عددهم فى أخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى 12 مليون طفل ضحية شبح الانفصال، الأمر الذى يجعنا نتساءل :"كيف سيعيش الأطفال بعد أن دمرت حياتهم بسبب العنف".
نفتح خزائن أرقام معاناة الأطفال أمام كلا من الجهات الرسمية والحقوقية، حيث أشارت النسب إلى أن 41% من أبناء رواد محاكم الأسرة يعانون اضطرابا نفسيا بسبب الخلافات الأسرية ونسبة 5% أصبن بعاهات مستديمة و7 % دمر مستقبلهم وأصبحوا مجرمين و2%هربن من جحيم العيش بداخل أسر منفصله .
نسبة العنف الذى يتعرض له الطفل بسبب زوج الأم من خلال قضايا تم نظرها بمحاكم الأسرة وصلت إلى 55% وعدد القضايا التى يتم فيها التعنيف من زوجة الأب إلى 45% .
ارتفاع نسبة عدد قضايا الرؤية بعد حرمان الآباء من رؤية أبنائهم بلغت 17 ألف دعوى بسبب رفض الزوجات منحهم حق رؤية الأطفال كيدا بهم، و12 ألف دعوى نفقة لزوجات يقفن أمام محاكم الأسرة بسبب رفض أزواجهن دفع نفقة الأطفال عقابا لهم على الطلاق، و12 ألفا أخرى لإسقاط حق الرؤية بسبب سوء تصرف الآباء والأمهات ومحاولة السيطرة على الأطفال وضرب الأطفال.
فيما خرج علينا المجلس القومى للأمومة والطفولة ليعلن خلال عام 2015 أن نسبة البلاغات الخاصة بالعنف للأطفال لآباء وأمهات منفصلين بخط نجدة الطفل انقسمت إلى العنف البدني بـ 68% ، مقابل 22% للعنف النفسي ، و10% للعنف الجنسيى.
كما صنف العنف بـ" الضرب " الذى وصل إلى نسبة 29.5% ،وجاء أسلوب التوبيخ والسباب في المرتبة الثانية بنسبة 24.1% ثم أسلوب الحرمان من الأكل أو المصروف بنسبة 20.8% وأسلوب الضرب باستخدام آلة بنسبة 6.3% وأسلوب التوبيخ أمام الناس بنسبة 9% وجاء أسلوب اللسع بالنار في ذيل القائمة بنسبة 2%.
كما ذكر مركز البحوث الجنائية والاجتماعية خلال عام( 2015 -2016 )، أن 80% من الأطفال يتعرضون للإساءة من أحد أو كلا الوالدين فى حالات الانفصال منهم 26% أصغر من 4 سنوات و 27% أعمارهم ما بين (8 - 12) عام و 23% أعمارهم من (13 - 18) عام ،كما وجد أن 52% من ضحايا العنف بعد الطلاق إناث و 49% من الضحايا كانوا من الذكور.
ووصل عدد الأطفال الذين فقدوا حياتهم، عبر رصد البلاغات بأقسام الشرطة خلال الفترة من (2010-2015) نتيجة للعنف بسبب الخلافات الزوجية، إلى 4 آلاف طفل .
ومن هنا نتعرف على مأساة بعض الأطفال بعد أن قمنا برصد حالات العنف التى تعرضوا لها بسبب شبح الانفصال ومنهم الطفلة "شهد.مالك.يوسف" التى تبلغ من العمر 9 أعوام وذلك بعد سرد والداتها لقضيتهم رقم 2987 لسنة 2016 أمام محكمة الأسرة بإمبابة فى مطالبتها بالنفقة الشهرية لها بعد أن قام أبيها بالتسبب لها فى حروق من الدرجة الثالثة بسبب رفضها زيارته بسبب الخلافات الأسرية بينه ووالداتها التى انتهت بطلاقهما بعد زواج دام 12 عاما .
وقالت الأم "خديجة.فايق" : :" ابنتى وابنى الصغير محمد عانوا مع أبيهم كثيرا فلم يكن يتحدث إلا بيديه ودائما ما يقوم بضربهم عندما يحدث خلاف بينى وبينه، وفى أخر مرة بعد طلاقى منه وقيام ابنتى بالبكاء بعدما أخذها لقضاء بعض الوقت معه وأخيها الذى يكبرها بعام بكت خوفا منه بعد أن كسرت كوب زجاجى وعندها قام بأخذها على المطبخ وحرقها ليعاقبها على فعلتها".
فيما كانت الطفلة "شذى.بيومى.سمير" صاحبة الـ7 أعوام الأسوأ حالا، فهى حملت معها الخلافات الزوجية بين والداها والداتها على شكل عجز كامل وفقدان السمع فى الأذن اليمنى بعد أن ضربتها والداتها "منى.السيد" على وجها حتى نزفت الدماء وفقدت الوعى بسبب بكائها على والداها ورغبتها أن يعيش معهم، وهذا ما جاء على لسان الزوج بحسب التقارير الطبية أمام محكمة الأسرة بالسيدة زينب رقم 2897 لسنة 2016 .
أما الطفل "حاتم.فاروق.صفوت" صاحب الـ11 عاما، فذهب ليعيش مع أمه بصحبه زوجها والذى كان لا يقصر فى تأنبيه حتى وصل به الأمر إلى طرده من المنزل وإجباره على النوم فى الشارع الذى يقيموا فيه، بحسب ما جاء على لسان والده فى دعوى الحضانة التى حملت رقم 2765 لسنة 2016 بمصر الجديدة .
وقال والد الطفل :" ابنى بعد طلاقنا رفضت والدته إعطائه لى وبعد زواجها حاولت أخذه لكنها كانت تهددنى بأنها ستقتل نفسها إذا فعلت ذلك مما جعلنى أستجيب لطلبها، لكنها لم تحرك ساكنا تجاه عنف زوجها ضده وصمتت بسبب حبها له وخوفها من الطلاق مرة أخرى".
الطفلة رحاب متولى علاء التى تبلغ من العمر 4 أعوام، كانت تعانى من قسوة كلا من أبيها وأمها بعد طلاقهما وهو ما دفع جديها للمطالبة بحضانتها خوفا على حياتها من جنونهما وضربهما لها بعد الخلافات الزوجية التى أطاحت بعلاقتهما معا.
وقال الجد "علاء.كريم" فى دعواه رقم 2897 لسنة 2016 أمام محكمة الأسرة بمصر الجديدة ،:"لم أتحمل أن أرى حفيدتى تعانى مع أمها وأبيها بع طلاقهم ومعاقبة كلا منهم للأخر وقمت بالذهاب للقضاء لرحمة الصغيرة ولن أتركها تعيش بصحبتهما".
من جانبها، قالت"منى سليم" عضو المجلس القومى للأمومة والطفولة:" نتعاون مع اليونيسف لدعم كافة الجهود من أجل الوقاية من العنف ضد الأطفال، والاستجابة لاحتياجاتهم مثل تحديد ونشر سياسة عدم التسامح مع العنف ضد الأطفال، وأهمية حصول الأسر المنفصلة على الدعم للحد من تلك الظاهرة".
وتابعت، :"نعمل على إعداد حملة لمنع العنف، ووضع سياسة وطنية لحماية الأطفال الذين يتعرضون للإيذاء وتفعيل الملاحقة الأمنية والقضائية لمرتكبى العنف ضد الأطفال بالإضافة إلى وضع نظام مركزى للمتابعة".
وعن رأى أخصائيى التربية، علقت الدكتورة "منال.هلال"، الحاصلة على دكتوراه فى تربية الأطفال، بأن حالة الأطفال الذين يتعرضون لتجربة انفصال الوالدين، يجب علاجها والتعامل معها بحكمة، وحجب الخلافات بينهما ويتم التعامل مع الطفل بحنان من جانب الطرفين، " لكى نكسبه عامل الاطمئنان والسيطرة على الخوف الذى ينتابه فيكفى عليه تعرضه لتجربة انفصالهما.
وأضافت أن تعرض الطفل لرؤية هذه الخلافات الأسرية يجعله عدوانيا سواء على أصدقائه أو المجتمع، كما أن بعض الأطفال يتجهون للعنف أو يصبح الطفل حقود ويعاقب غيره بسبب الأزمة التى مر هو بها.
وأشارت إلى أن الحالة التى يكون فيها الطفل "رأيه سلبى" لأحد الأطراف سواء أمه أو أبيه، يجب أن يكون رد الفعل عليه الهدوء وإشعاره أنه خاطئ لكى لا تحدث له انتكاسة أكبر مما هو فيها، ويحاول الطرف المحايد أن يوصل للأسرة فكرة محاولة التعامل بصورة إيجابية لصالح الطفل وأن يتفق الزوجان ويصلا إلى حل ليحاولا أن يصلوا بذلك الطفل إلى بر الأمان.
فيما قالت الدكتورة مها توفيق، أخصائية علم النفس،: "يجب أن يتعامل الآباء والأمهات الذين قررا الانفصال بشرح طبيعة الحالة التى يمران بها وصعوبتها لأطفالهم ، وإيجاد البدائل والحوار واللغة السهلة لكى يتغلبوا على الحالة النفسية التى من الممكن أن تؤثر عليهم سلبا لكى نحميهم وللخروج من هذه التجربة الأليمة دون تشوه وبأقل الخسائر".
وأكملت: "يجب أن يدرك الوالدان هنا أنهما أمام "طفل" حرم من ميزة "الأسرة" ويكون لديهما مهارات التحكم عند الغضب لكى لا يتأثر الطفل فى هذا التنازع".
وأوضحت أنه من المؤشرات النفسية والسلوكية لتعرض الطفل للعنف، الغياب المتكرر عن المدرسة وانخفاض التحصيل المدرسي أو صعوبات تعلم، والتأخر في النطق والكلام ، وأن يكون الطفل عصبي ومخرب وعدواني مع الآخرين " لفظياً وجسديا " ، وعديم الثقة بالذات أو الآخرين ، والخوف الكبير من الوالدين ومن الراشدين،وأن يتصرف الطفل أكبر من سنه أو أصغر منه بصورة ظاهرة ومبالغ فيها.
وأشارت إلي أن مخاطر تعرض الطفل للعنف قد تسبب اضطرابات النطق والكلام والتبول اللارادى، والشعور بعدم الأمان والأحلام والكوابيس، وأمراض نفسية مثل القلق والاكتئاب، والإحباط والمخاوف المرضية والانحراف والممارسات الجنسية في مرحلة المراهقة والسلوكيات الخطرة مثل التدخين أو تعاطي المخدرات.
12 مليون طفل ضحية شبح انفصال الزوجين.. 5% أصيبوا بعاهات مستديمة و7 % تحولوا لـ"مجرمين".. و 41% من أبناء رواد محاكم الأسرة يعانون اضطرابا نفسيا.. و4 آلاف طفل فقدوا حياتهم خلال 5 سنوات بسبب العنف الأسرى
الجمعة، 10 يونيو 2016 06:30 ص
عنف أسرى – أرشيفية