وتخرج من هذه الجامعة منذ إنشائها قرابة نصف مليون خريج وخريجة، وبلغت نسبة الخريجات منهم 62% تقريبا وهذا يغير وضع الفتاة الصعيدية التى دأب مؤلفو مسلسلاتنا وأفلامنا على تصويرها متخلفة بلهاء أو ماكرة متجنّين على الواقع المعاش الذى لم يلحظه مؤلفو هذه الأعمال أو إن شئت الدقة لا يودون رؤيته لتسويق إنتاجهم! وإذا كانت نسبة الأمية فى صعيد مصر فيما فوق 15 سنة أكثر من 50% فإن تخريج نصف مليون مواطن ومواطنة يعد إسهاما قوميا يجب أن نحتفى به لأنه يرفد البنية الثقافية بعقول متعلمة قادرة على التفكير المستقل والرؤية الناقدة، ومع ارتفاع نسبة البطالة فى الصعيد يعد التفكير فى خلق فرص عمل لهذه العقول واجبا قوميا يقضى على ثقافة الثأر والعنف والتشدد والتى كانت أشد إيلاما بأبنائها وأشد فتكا بالصعيد، ولذا فإن وجود جامعات الصعيد يقلل من ثقافة القبيلة لتحل محلها ثقافة الوطن ومنطق العقل حتى يبدو الصعيد الذى نأمله ونتمناه ليقود التنوير كما بدأه رفاعة الطهطاوى وطه حسين والعقاد أبناء الصعيد، والتنوير الذى نبتغيه فى الصعيد على أيدى الجامعة هو الذى حدده الفيلسوف "كانت" بقوله: التنوير هو خروج الإنسان من القصور الكامن فى ذاته.
القصور هو عدم قدرة المرء على استخدام عقله دون قيادة الغير". فقد طغت ثقافة القبيلة وغدت قانون الصعيد المقدس المسكوت عنه ، ويجب على الجامعة أن تتعمق دراساتها العليا فى الصعيد بكافة أشكاله ، فأنّى لى أن أتقبل من باحث بجنوب الوادى أو جامعة أسوان أن يعد رسالة دكتوراه عن التلوث فى هولندا وهو يشاهد تلوث النيل بعينيه ويشم بأنفه مخلفات المصانع التى تلوث البيئة ، وعندما انتشرت الحشرات فى قصب السكر فى الأعوام الماضية جرّب المزارعون أنواع المبيدات دون جدوى فلمن يلجأون ما لم تكن الجامعة عونا لهم بعقولها العلمية الممتازة؟ ولو اتجه أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وعددهم بالآلاف إلى دراسة البيئة كما فعل بعضهم فى بحوث رائدة لأسهمت الجامعة فى حل معظم مشكلات الصعيد الصحية والاجتماعية واللغوية والنفسية والجغرافية والأدبية وغيرها؛وأمراض النبات لاتقل عن أمراض البشر، وقد أنشئ مصنع لإنتاج الأدوية بقفط توقف انتاجه وهو فى حاجة إلى دعم كلية الصيدلة التى نود أن ترفد الصعيد بأطباء يحتاجهم، والأمر كذلك يحتاج إلى كلية للآثار بالأقصر فمن يصدق أن ثلث آثار الدنيا توجد فى منطقة لا توجد بها كلية للآثار، وإن آثار الأقصر ودندرة والعُوَيْضات والكِرسة وقِفط والقلعة وإسنا وإبى طشت وفرشوط لفى حاجة إلى تنقيب وبحث يقوم به أساتذة متخصصون ؛ وأحسب أنى لست فى حاجة لأطالب بإنشاء كلية للغات بالأقصر لتسد فراغا مهنيا لايخفى.كما أن فتح كلية للتكنولوجيا سيوفر على أولياء الأمور معظم نفقات تعليم أبنائهم بعيدا عن رعايتهم وفى ظل نفقات دراسية تقتطع من قوتهم الكثير. ، إن جامعات الصعيد منذ أن كانت فروع جامعة أسيوط نأمل على يد خريجيها وأساتذتها المرموقين تغير الصعيد نحو التقدم والتنوير.
هل أرى فى العام القادم جامعة جديدة فى الأقصر وأخرى فى البحر الأحمر؟ مع ضرورة تعيين حملة الدكتوراه بالكليات الجديدة حتى لا تُفتح جامعات جديدة عن طريق الانتداب من الجامعات الحالية ونفوت الفرصة على تعيين النابهين من أبنائنا.
لقد أظهرت الحوادث الأخيرة فى المنيا وأسوان أن ثقافة القبيلة ماتزال سائدة تتوارى أمامها ثقافة التنوير، ويبدو أن المشوار طويل، لكن الحكيم لاوتسو كان يردد "مَن يمشى على أطراف أصابعه لن يستطيع أن يقف".
موضوعات متعلقة..
محمد أبو الفضل بدران يكتب: كتب أسرة محمد على باشا بقنا.. 400 ألبوم صور للأسرة المالكة و7 آلاف كتاب بلغات أجنبية و3000 بالعربية و300 نوتة موسيقية فى انتظار الترميم.. ووزارة الثقافة اكتفت بكتابة تقرير