ـ حمدية: ابن اختى قالى خليكى حتخرجى لمين وتروحى فين
ـ جابر: حصلت على دورات كمبيوتر ومثلت مسرح
ـ إحسان: معرفش أرقام تليفونات بس عايزة أخرج
وجوه متعبة، ومعاناة واحدة..وحكايات متشابهة.. أبطالها أشخاص عجزوا عن مواجهة الواقع، ولم يستوعبوا صراعات البشر وسيطر عليهم الضعف الإنسانى، فسقطوا ضحايا مرض نفسى وعقلى انتهى بهم فى عالم منعزل خلف أسوار وأبواب.. أبواب مستشفى الأمراض النفسية والعقلية فى العباسية.
"اليوم السابع" اقترب من هذا العالم، والتقى عددا من نزلاء المستشفى، لنكتشف معا صورة ذهنية مختلفة تماما عن تلك التى ترسخت فى الأذهان بفعل الدراما والسينما.. ولنكتشف معا أنهم بشر مثلنا أرهقهم المرض وأعيتهم الحيل فاستسلموا لضعفهم وعجزوا عن مقاومة الضغوط.. ولكنهم فى كل الأحوال "ليسوا مضحكين أو مادة للسخرية"، كما يظهر فى الأفلام.. هم فقط مرضى نفسيون يحتاجون دعم المجتمع.
"حمدية محمد حسن" (60 عاما)، خريجة دبلوم تجارة من محافظة سوهاج، أتى بها أخوها إلى المستشفى منذ 30 عاما، ومن وقتها لم تر الشارع ولا تعرف كيف أصبح حال البشر الآن.
تحكى حمدية قصتها فتقول:"متجوزتش وكنت بقعد فى الأوضة لوحدى فجالى اكتئاب، ومكنتش بحب أتكلم مع حد، فأخويا حمدى قالى هوديكى المستشفى، ومن وقتها وأنا موجودة هنا وأخويا مات، وكان ابن أختى محمد بيزورنى، ومن 9 شهور محمد مبقاش يجيلى ونفسيتى تعبت عشان مش باكل أكل المستشفى".
تتابع حديثها قائلة: "ببدأ يومى فى المستشفى أول ما اصحى من النوم بستحمى وأروق أوضتى واشرب شاى بلبن وبعدين بقرأ فى المصحف اللى جابتهولى مدام بثينة"، مضيفة :"أنا لما جيت المستشفى الدكتور قال لى أخرجى واتمشى واتكلمى مع الناس عشان تخفى وتبقى كويسة، بقيت أنفذ كلام الدكتور وبخرج وبكلم الناس وحاسة إنى بقيت أحسن من الأول".
ترسل "حمدية" رسالة لأقاربها وابن أختها الذى غاب عن زيارتها منذ تسعة أشهر، على الرغم من أنه الوحيد فى عائلتها الذى كان يلبى احتياجاتها من المصاريف والأكل، قائلة :"انت حبيبى يا محمد ودائما بدعيلك وضرورى تيجى تزورنى عشان غيابك خلى نفسيتى تعبانة، وأنا عايزة مصاريف عشان انت عارف إنى مش باكل أكل المستشفى، ومدام بثينة رئيسة المطبخ جمايلها تقلت أوى عليا وبتعملى الأكل إلى بحبه زى المحشى والبطاطس والقرنبيط، وبتدينى فلوس".
تسرح أثناء حديثها إلينا ويكسو وجهها الحزن.. نسألها عن سبب تغير ملامحها فتقول :"مفيش أنا مبسوطة وليا زمايلى فى المستشفى بيهونوا عليا، بس عاوزة أخرج منها، لكن محمد ابن أختى قالى خليكى فى المستشفى أحسنلك، أخوكى مات هتروحى فين وهتخرجى لمين ووالدى مش موافق تقعدى عند أختك فوزية، فهعمل إيه هستنى فى المستشفى" .
لم تتغير ملامح الحزن عندما انتقلنا فى الحديث لجابر على عبد الجابر حسن، الذى يبلغ من العمر 52 عاما، خريج كلية حقوق جامعة عين شمس، ويتواجد فى المستشفى منذ عام 1990 .
عن حكايته يقول :"بدأت قصتى مع المرض، بعد وفاة عمتى اللى كانت زى أمى، فأمى توفت عندما كان عمرى شهرين وتزوج والدى بامرأة أخرى، وربتنى عمتى".
يضيف:" بعد وفاة عمتى اتعقدت وفقدت الأمل والدنيا اسودت فى وشى، ملقتش سبب إن أعيش وأفَرح حد بنجاحى، لأن عمتى محرمتنيش من أى حاجة لا من أكل ولا لبس وكنت مستريح، وبعد وفاتها تعبت واتبهدلت جدا، لأن ولادها خدوا الشقة مبقتش لاقى راحتى فى أى حتة".
وتابع جابر قائلا :"أول مشوارى مع التعب وقعت فى الشارع ودوخت أبويا ودانى مستشفى قصر العينى وقعدت شهرين فيها، قالوا لى عندى اكتئاب وفصام وخفيت وخرجت، وبعدها تعبت تانى وأبويا ودانى مستشفى العباسية وبقالى فيها 26 سنة، بدخل وبخرج من المستشفى زى ما احب لما بحس إنى تعبان برجع تانى والمسئولين والتمريض فى المستشفى مش بيبخلوا عليا بحاجة".
وأكد أن مستشفى العباسية تطورت فى النظافة والعلاج وبقى فيها رحلات مصيف للمرضى ومعسكرات 6 أيام وفيها دورات مكثفة ، مضيفا :"أخدت 3 شهادات كمبيوتر من العباسية وهنا فيه دورات مكثفة للكمبيوتر ومسرح أنا مشترك فيه" .
وأضاف :"اخترت المسرح ومثلنا عددا من المسرحيات وكلها ناجحة ومنها جزيرة المحبة وعفريت لكل مواطن تأليف لينين الرملى وآخر مسرحية اتدربنا عليها وشوش فاشوش، وهى أن كل واحد ليه وش عشان يعجب الناس ويبقى أحسن من الأصل وبعدين كله يقلع الأقنعة".
واستدرك :"بناخد مرتبات من المسرح ، ومرة وصلت المرتبات لـ950 جنيه وبنروح سوهاج وبنعمل مسابقات ثقافية، الدكتور بيجلنا كل يوم يسأل العلاج بيريحك ولا لأ ".
وعن حالته الصحية والنفسية قال:"أنا مازلت تعبان نفسيا واجتماعيا وهتنقل مستشفى حلوان خلال كام يوم، الآلام فى الرأس وبسمع أصوات، جلسات الكهرباء موجودة فى حلوان، وهى بتريحنى.. مش عارف لو خفيت حروح فين.. مش هعرف اتعامل مع المجتمع ولا أعيش مع الناس".
وتابع :"قلت للدكتور أنا لما احس انى كويس هقولك عايز أروح أنا راجل مثقف ومتعلم".. وأضاف: "مادة 10 فى القانون للمرضى بتقول إن المريض يفضل يقعد زى ماهو عايز ولما يحس أنه خف يروح للدكتور يقوله أنا خفيت وعايز أخرج، ما اتمناش لحد والدته تتوفى ويكون ضايع زيى وأتمنى لكل الناس السعادة".
حكاية إحسان محمود محمد مصطفى مختلفة إلى حد ما عما سبقها، فهى أصغر سنا (30 عاما)، من مساكن زينهم خريجة دبلوم سياحة وفنادق موجودة، وهى فى المستشفى منذ 10 شهور ، وكان لدخولها المستشفى شكل آخر.
تقول عن قصتها:"جيت المستشفى عن طريق البوليس، كنت بتفسح فى وسط البلد لوحدى، وعشان مش بحب أمشى مع حد بروح أقعد فى الكافتيريا وأكل سندوتشات وبس".
وأضافت :"الشرطة خدونى عشان اشتباه عقلى، باكل وبنام وبتفرج على التلفزيون بمعملش حاجة تانى، باخذ علاج نفسى 3 أقراص بس معرفش عن إية ، عايزة أمشى أنا أعرف أروح البيت فى مساكن زينهم، أنا مطلقة وعندى بنت".
موضوعات متعلقة
"النخوة ماتت".. أسباب غياب الشهامة عن الشارع المصرى.. علماء النفس: العنف والانفلات الأمنى بعد الثورة سبب تراجع القيم.. والحقد الطبقى زرع الكراهية ضد الدولة.. ومواطنون: فلوس الفنانين أصابتنا بالإحباط