3 شواهد تؤكد استعداد مصر للجوء لصندوق النقد.. التلميح لخفض الجنيه.. والاتجاه لرفع الدعم وتطبيق "القيمة المضافة".. وتراجع الاحتياطى النقدى والاستثمارات الأجنبية أبرز الدوافع

الأحد، 10 يوليو 2016 06:19 م
3 شواهد تؤكد استعداد مصر للجوء لصندوق النقد.. التلميح لخفض الجنيه.. والاتجاه لرفع الدعم وتطبيق "القيمة المضافة".. وتراجع الاحتياطى النقدى والاستثمارات الأجنبية أبرز الدوافع صندوق النقد
كتبت ياسمين سمرة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يزال الغموض والتكتم وتضارب ردود الأفعال الرسمية هى السمات الغالبة كلما صدر تصريح أو تلميح حول مساعى القاهرة للاقتراض من صندوق النقد الدولى، لكن ثمة عدة شواهد ودلالات ترجح أن هناك ما يدور خلف الكواليس لكن لم يأن الأوان لخروجه إلى النور بعد.

وتزايدت التكهنات باحتمال اللجوء للصندوق بعد دفاع طارق عامر محافظ البنك المركزى عن تخفيض الجنيه وتبنى سياسة صرف أكثر مرونة، وهى من أبرز توصيات الصندوق، مع الاتجاه لتطبيق ضريبة القيمة المضافة واستكمال خفض الدعم، ما يعكس أن هناك رغبة جادة من القاهرة فى استئناف جولة جديدة من المفاوضات مع المؤسسة الدولية خلال الأشهر القليلة المقبلة.

ورغم نفى عامر، بصفته محافظ مصر لدى الصندوق والمخول بقيادة المفاوضات، ما نشر على لسان أحد وزراء المجموعة الاقتصادية حول بدء البنك المركزى التفاوض على قرض من صندوق النقد، مؤكدا أن مصر لم تقدم طلبا رسميا إلى المؤسسة الدولية، إلا أن عدم استبعاد إمكانية اللجوء إلى صندوق النقد بشكل قاطع، جدد التساؤل حول الأسباب التى قد تجبر مصر على اجتراع دواء الصندوق المر فى هذا التوقيت، الذى تترقب فيه القاهرة تدفقات دولارية بإجمالى 5.5 مليار دولار خلال الشهور القليلة المقبلة، وهى ما يعول عليه البنك المركزى لتعزيز قدرته على إدارة سعر الصرف بمرونة، ودعم الاحتياطى الأجنبى، الذى وصل إلى 17.5 مليار دولار نهاية يونيو الماضى.

وتتضمن تلك التدفقات 2 مليار دولار تمثل باقى دفعات المنحة السعودية البالغ قيمتها الإجمالية 2.5 مليار دولار، ووديعة دولارية من الإمارات بقيمة 2 مليار دولار، بالإضافة إلى قرضين لدعم الموازنة بقيمة 1.5 مليار دولار من البنكين الدولى والتنمية الإفريقى بواقع مليار دولار من الأول و500 مليون من الأخير وذلك بمجرد إقرار ضريبة القيمة المضافة.

ونجحت الدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولى، فى توفير 10 مليارات دولار لخزانة الدولة منذ تكليفها فى مارس الماضى، ما يضع المزيد من علامات الاستفهام حول دوافع الاقتراض ويوحى بأن الاحتياجات تفوق ما تم إنجازه بكثير.

أسباب الاقتراض من الصندوق:


ويتصدر الضغط على ميزان المدفوعات العوامل الرئيسية التى قد تدفع مصر لطلب تمويل من صندوق النقد، إذ انهارت إيرادات السياحة منذ حادث انفجار طائرة السياح الروسية فى أكتوبر الماضى، ومن المتوقع أن يفقد القطاع 5 مليارات دولار خلال العام الحالى، وفقا لتقديرات مؤسسة "كابتال إيكونوميكس" البريطانية للدراسات الاقتصادية.

ورغم تخفيض الجنيه بنسبة 12.5% فى مارس الماضى ليصل إلى 880 قرشا للدولار فى السوق الرسمية، وهى خطوة استهدفت بالأساس تخفيف الضغوط على ميزان المدفوعات وتعزيز تنافسية الصادرات المصرية والحد من الواردات برفع تكلفة الاستيراد، استمرت تلك الضغوط.

ولم تستفد مصر بالشكل المطلوب من انهيار أسعار النفط عالميا خلال الفترة الماضة، كما تراجعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى 4.2 مليار دولار فى الربع الأول من 2016، مسجلة 15% انخفاض عن نفس الفترة من العام السابق. ونتيجة للعوامل السابقة، ارتفع عجز الحساب الجارى إلى ما يزيد على 5% من إجمالى الناتج المحلى.

وفى الوقت الذى تعتمد فيه الدول على الاستثمار الأجنبى المباشر فى سد العجز فى الحساب الجارى، وتأمين سداد ديونها والتزاماتها الخارجية، لم تعد مصر وجهة جاذبة للمستثمرين الأجانب الذين عزفوا عن السوق المحلية فى ظل الاضطرابات الأمنية والسياسية منذ ثورة 25 يناير، فضلا عن ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار وترقب تحرير سوق الصرف تماما ليعكس العرض والطلب الحقيقيين لتفادى مخاطر سعر الصرف.

خيارات تدبير الفجوة التمويلية


ونظرا لحاجة الحكومة إلى تدبير فجوة تمويلية تقدر بـ30 مليار دولار لمدة 3 سنوات، بمتوسط 10 مليارات دولار سنويا، وعدم كفاية الاستثمارات الأجنبية وحدها لسد هذا العجز مع الإبقاء على قبضة البنك المركزى على الجنيه، كانت الدولة أمام 3 خيارات، الأول هو الاستفادة من احتياطيات النقد الأجنبى للبلاد، لكن تلك الأرصدة تدهورت خلال الخمس سنوات الماضية لتصل إلى 17.5 مليار دولار نهاية يونيو الماضى، مقارنة بحوالى 36 مليار دولار قبل ثورة يناير. وبالكاد يكفى هذا الاحتياطى واردات مصر الأساسية لمدة 3 شهور فقط.

والخيار الثانى هو محاولة تأمين التمويل المطلوب من جهات خارجية، وكانت دول الخليج هى الملجأ الأول خلال السنوات الماضية، وتعهدت السعودية والإمارات بتمويلات بقيمة 6.5 مليار دولار فى أبريل الماضى، منها 2.5 مليار منحة لا ترد من المملكة، و4 مليارات من الإمارات تشمل وديعة بقيمة 2 مليار واستثمارات تنموية بقيمة 2 مليار.

كما تعهدت الصين بإتاحة مليار دولار لدعم الاحتياطى لدى البنك المركزى، بالإضافة إلى قرضى البنك الدولى والتنمية الأفريقى.

ويبدو أن أزمة النفط جعلت دول الخليج أقل سخاء فى دعم الاقتصاد المصرى، ويمكن استنتاج ذلك بمجرد مقارنة الأرقام السابقة بالـ12 مليار التى تم الإعلان عنه خلال مؤتمر شرم الشيخ فى مارس 2015، وحزم المنح والمساعدات المالية وشحنات البترول التى تم التعهد بعها فى أعقاب 30 يونيو.

وكانت مؤسسات التصنيف الائتمانى قد حذرت عدة مرات من اعتماد مصر على مساعدات ومنح الخليج فى احتواء أزمة العملة الصعبة والتى تفاقمت بصورة كبيرة أواخر العام الماضى.

ونتيجة تراجع دعم الخليج وتدهور معظم موارد البلاد من العملة الصعبة، يبدو أن القاهرة قد تقطعت بها السبل فى تدبير التمويل المطلوب وحل أزمة العملة الطاحنة، وسار صندوق النقد الدولى الملاذ الأخير لها، غير أن تلك الخطوة تتطلب دراسة متأنية للغاية وإعدادا جيدا قبل إعلانها وطرحها لحوار مجتمعى.

ويحقق التمويل المباشر من الصندوق وفرا ماليا يسهم فى دعم أرصدة الاحتياطى الأجنبى وحل أزمة العملة الصعبة، ومن شأن التوصل إلى اتفاق رفع معنويات المستثمرين، لأنه يعطى إشارة إلى أن التمويل مشروط ببعض الإصلاحات الاقتصادية، وهو ما سيجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للبلاد وبالتالى تحسين كلا من الوضع الخارجى لمصر وآفاق النمو الاقتصادى على المدى المتوسط.

أسباب التكتم على فكرة الاقتراض من الصندوق


ورغم أن حزمة تمويلية من صندوق النقد قد تعزز آفاق النمو الاقتصادى فى مصر على المدى المتوسط، وتعزيز ثقة المستثمرين الأجانب فى السوق المصرية، لكن فاتورة الاتفاق مع الصندوق تحمل مخاطرة سياسية كبيرة وربما هذا هو السبب الرئيسى فى تكتم الحكومة على الموضوع برمته، لأن العواقب التى ستظهر على المدى القصير هى سياسات مالية تقشفية وأكثر تشددا وتخفيض الجنيه مجددا رغم الضغوط التضخمية غير المسبوقة خلال مايو الماضى.

ونظرا لصعوبة الشروط التى يفرضها الصندوق، كانت محاولات الحكومات المصرية السابقة خلال الخمس سنوات الماضية تتعثر دائما فى اللحظة الأخيرة. ورغم أنه من المرجح أن تظل الشروط معقدة، لكن تلك الجولة الوشيكة تختلف عن المرات السابقة فى أن مصر قطعت شوطا كبيرا فى الإصلاحات من تلقاء نفسها.

إصلاحات جريئة تمهد للتوصل إلى اتفاق


ويبدو أن الحكومة وصلت إلى قناعة نهائية بأن تعافى الاقتصاد وتحفيزه وجذب استثمارات أجنبية لتلبية طموحات الشعب بعد ثورتين، بناء على المؤشرات والمعطيات الحالية والموارد المتاحة، لن يتحقق دون برنامج اقتصادى قائم على إصلاحات مالية ونقدية تهدف إلى تعزيز الإيرادات وإصلاح منظومة الضرائب والدعم والحد من الاستيراد وزيادة الإنتاج المحلى وتشجيع الصادرات.

وقد همت الحكومة بالفعل فى تنفيذ تلك الإصلاحات منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى سدة الحكم منذ عامين، من خلال تحرير أسعار الكهرباء وتقليص دعم الطاقة وإعداد قانون ضريبة القيمة المضافة والذى يتوقع إقراره من مجلس النواب خلال الأيام المقبلة، وأخيرا تخفيض الجنيه أمام الدولار عدة مرات، كان آخرها وأكثرها جرأة فى مارس الماضى، حينما خفض المحافظ الجديد طارق عامر الجنيه بنسبة 12% دفعة واحدة فى مارس الماضى.

ويمكن اعتبار تلك الإصلاحات التى لم يكن بالإمكان غض الطرف عنها أو إرجائها أكثر من ذلك لخطورتها على الوضع الاقتصادى للبلاد داخليا وخارجيا، خطوات استباقية من شأنها استمالة إدارة الصندوق تمهيدا للتفاوض على قرض، وقد أشاد مسئولو الصندوق عدة مرات بمضى مصر قدما فى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وهو ما يعزز فرص نجاح الاتفاق إذا ما تقدمت القاهرة رسميا للحصول على القرض.

وأحرزت الحكومة تقدما ملموسا فى إصلاحات المالية العامة، رغم بطء وتيرتها، فتم تقليص عجز الموازنة من 14% فى العام المالى 2012-2013 إلى نحو 11.5% فى العام المالى الماضى، وكذلك تم خفض الدعم. ويعطى مشروع قانون القيمة المضافة، التى يتوقع بدء تطبيقها سبتمبر المقبل، وهى سياسة طالما أوصى بها صندوق النقد، دلالة أن القاهرة أصبحت أكثر استعدادا للعمل مع مؤسسات التمويل الدولية والموافقة على اشتراطات التمويل.

خطوات تمهيدية لتحرير سعر الصرف


ويبدو أن مصر تمر حاليا بمرحلة "التسخين" أو الإحماء تمهيدا للتحول إلى نظام صرف أكثر مرونة، فبد إلغاء العديد من القيود التى فرضت على حركة النقد الأجنبى، أقدم محافظ البنك المركزى على تخفيض الجنيه رسميا فى مارس.

ودافع عامر الأسبوع الماضى فى تصريحات صحفية عن قرار خفض الجنيه، مؤكدا أن دعم العملة المحلية خلال السنوات الخمس الماضية كان "خطأ فادحا"، وأنه سيركز خلال الفترة المقبلة على إنعاش الاقتصاد بدلا من استقرار سعر الصرف.

وعزز تأكيد محافظ المركزى أنه لن يستهدف سعرا محددا للعملة المحلية أمام نظيرتها الأمريكية، توقعات بنوك الاستثمار بخفض وشيك للجنيه إلى 950 قرشا للدولار قبل نهاية 2016.

فرص نجاح الاتفاق


وبناء على كل ما سبق، يمكن استنتاج أن إبرام اتفاق بين مصر وصندوق النقد هو أقرب إلى النجاح فى التوقيت الحالى أكثر من أى وقت مضى. ومن شأن هذا الاتفاق تحسين وضع ميزان المدفوعات من خلال ترسيخ الإصلاحات الاقتصادية، وزيادة آفاق النمو على المدى المتوسط، لكن ذلك على حساب بعض الألم نتيجة تشديد السياسات المالية وخفض الجنيه مجددا.



موضوعات متعلقة:


- فاع البنك المركزى عن قراراته والأنباء عن اللجوء لصندوق النقد يعزز التكهنات بخفض محتمل للجنيه.. بنوك استثمار تتوقع هبوطه رسميا لـ950 قرشا للدولار قبل نهاية 2016.. وتؤكد: الظروف مواتية لتحرير سوق الصرف

- "كابيتال إيكونوميكس" تتوقع تباطؤ الاقتصاد المصرى خلال العام الجارى.. مؤسسة الأبحاث البريطانية: البنك المركزى سيضطر لخفض الجنيه حال اللجوء إلى صندوق النقد.. ومؤشرات تعديل سعر صرف الدولار قبل نهاية 2016

- مسئول حكومى: بعثة من صندوق النقد والبنك الدوليين تزور مصر 18 يوليو المقبل






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة