يحل "عباس" ضيفاً على الحكومة الفرنسية لإحياء مباحثات السلام بحضور وزير الخارجية الفرنسى جون مارك أيرولت، ونظيره الأمريكى جون كيرى، فى لقاء غابت عنه الحكومة الإسرائيلية لانشغالها فى بناء المزيد من المستوطنات، والسعى بكل ما أوتيت من قوة لتغيير التركيبة السكانية فى القدس الشرقية ومحيطها.
يدرك الرئيس الفلسطينى أن الدماء التى ضختها القاهرة فى شرايين مفاوضات السلام بعد مباردة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتى أعقبها زيارة وزير الخارجية المصرى سامح شكرى إلى تل أبيب، لن تكفى. يتأمل خريطة المنطقة، وكيف خرج العراق وسوريا من محور الممانعة. وكيف أصبحت إيران فى حل من المتاجرة بالقضية الفلسطينية بعدما انتزعت من الغرب اتفاق جينيف ونالت الاعتراف بمشروعها النووى.
يعلم "أبو مازن" أن فلسطين لم تعد تلك القضية المحورية التى تشغل اهتمامات دول المنطقة بما فيها الدول العربية. اقتلعت رياح الربيع العربى أنظمة الحكم فى أربع من دول الجوار، وتهدد النزاعات المسلحة وأعمال العنف معالم الدولة فى كل من دمشق وأنقرة، فى الوقت الذى تخوض فيه المملكة العربية السعودية حرباً مصيرية ضد تمرد الحوثيين فى اليمن.
لم تضف رحلة عباس إلى فرنسا جديداً فى عقود المفاوضات وحديث اللاسلم واللاحرب.. يتأكد يوماً تلو الآخر، أن الإسرائيليين يجيدون حقاً إدارة الصراع دون حله.. أما الفلسطينيون فلا يعرفون أى من الأمرين، فلا تزال أكثر العروض الإسرائيلية "غير الرسمية" تساهلاً هى تقديم نوع من السلطة للفلسطينيين على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة دون القدس، بحيث يكون للفلسطينيين ما هو أكثر قليلاً من الحكم الذاتى، وأقل كثيراً من الدولة.
ولا تزال إسرائيل "الرسمية" تفضل الحديث كثيراً عما ترفضه، دون تقديم قليل من الضمانات لما تعلن استعدادها لتقبله ولو شكلأ، فشروط تل أبيب قبل التفاوض وخلاله وبعده، وإلى الأبد هى: لا لإعادة القدس الشرقية للفلسطينيين، والقدس عاصمة أبدية موحدة لـ"إسرائيل".- لا لعودة "إسرائيل" إلى حدود ما قبل حرب 1967.- لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأرض المحتلة عام 1948.- لا لإزالة الكتل الاستيطانية اليهودية فى الضفة الغربية.- دولة فلسطينية منزوعة السلاح وغير مكتملة السيادة.
اعتاد الرئيس الفلسطينى الفشل. لم يجنى من مباحثاته أكثر من بيانات الشجب والإدانة للممارسات الإسرائيلية، فى الوقت الذى انتهت فيه حكومة الاحتلال من هدم منازل مئات الفلسطينيين فى القدس الشرقية وبيت لحم، لبناء 770 وحدة استيطانية جديدة لعزل الأحياء العربية فى القدس الشرقية عن بعضها البعض، وتوسيع المستوطنات القائمة على حساب السكان الأصليين، وقبل ذلك كله، ضمان منع تقسيم القدس فى أى تسوية قادمة مع الفلسطينين، والعمل على توحيدها عملياً مع القدس الغربية.
يدرك "عباس" فى ختام زيارته لفرنسا أن المبادرة التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لإحياء السلام لم تحرك ساكناً ما لم يكن هناك اصطفاف عربى واسع خلف القاهرة، وما لم تكف قطر عن المكايدة وتحريض حماس على شق الصف الفلسطينى، وما لم تتخل تركيا عن العناد وإيران عن نهج المؤامرات.
يغادر "أبو مازن" باريس، ويعلم أن الصيف لن يمر هادئاً على الأراضى المحتلة، وأن الخريف ربما يحمل انتفاضة شعبية جديدة يجتاز مداها دوائر حكومة الاحتلال وأجهزته الأمنية، ويمتد ليطول الكيانات والمؤسسات الفلسطينية بعدما أثبتت السلطة وحركة فتح فشلها فى نهج التفاوض، وتخلت حماس عن ورقة المقاومة لخدمة أهداف قطر وإيران فى المنطقة.
موضوعات متعلقة :
- أبو مازن يبحث مع وزيرى خارجية أمريكا وفرنسا تطورات الأوضاع بفلسطين
- 10 سنوات من الانقسام الفلسطينى.. هل تلجأ فتح وحماس إلى "حل الدولتين"؟ 27 لقاءً بين الحركتين والمصالحة لم تراوح مكانها.. الاختلاف الأيدولوجى وتحديد الأولويات والمقاومة والتنسيق الأمنى أبرز العوائق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة