ليست الأموال وحدها خسائر السياحة.. هروب جماعى للعاملين بالقطاع.. وغياب التطوير يفقد الأماكن الأثرية بريقها.. الأهرامات تعيش فى عشوائية.. ومسلة "سنونسرت الأول" محاطة بالقمامة

الثلاثاء، 23 أغسطس 2016 09:00 ص
ليست الأموال وحدها خسائر السياحة.. هروب جماعى للعاملين بالقطاع.. وغياب التطوير يفقد الأماكن الأثرية بريقها.. الأهرامات تعيش فى عشوائية.. ومسلة "سنونسرت الأول" محاطة بالقمامة الأهرامات
كتب مصطفى عبد التواب - تصوير محمد الحصرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ليست الأموال وحدها ما تخسره مصر من تراجع السياحة، خلال السنوات الست الأخيرة، فهناك أشياء أخرى تخسرها يوميا، على رأسها هروب العمالة المدربة، بحثاً عن لقمة العيش فى مجال آخر، فالبعض قرر العمل كسائقى «توك توك»، والبعض الآخر اتجه إلى العمل فى خدمة العملاء داخل الشركات، بعد أن وصل بهم الأمر إلى عدم القدرة على سد احتياجات أسرهم. ومن ضمن الأعراض الجانبية لتراجع السياحة أيضا هو عدم اهتمام الأجهزة التنفيذية فى الدولة بخطط التطوير، التى كانت مخصصة للارتقاء بعدد من الأماكن السياحية، وعدم إحكام الرقابة للحفاظ عليها من الأهمال، التى تتجلى مظاهره فى انتشار القمامة، وكثرة الباعة الجائلين، وهو ما رصدته «اليوم السابع» فى جولتها على العديد من الأماكن الأثرية المهمة فى محافظتى القاهرة والجيزة.

التطوير يغيب عن الأماكن الأثرية.. الأهرامات تعيش فى عشوائية.. ومسلة «سونسرت الأول» تحاط بالقمامة.. والباعة الجائلون وغياب الرقابة يهددان «المعز»

 
بدلًا من أن يؤدى تراجع معدلات السياحة لالتقاط الأنفاس، وتطوير المنشآت السياحية والأماكن الأثرية، حدث العكس، وأدى إلى مزيد من الإهمال للأماكن الأثرية والسياحية، وتراجع مستوى التطوير فيها، وهو ما رصدته «اليوم السابع» فى جولة ميدانية بعدد من الأماكن الأثرية، على رأسها الأهرامات التى وُضعت لها خطة تطوير تعود إلى عام 2011 لكنها لم تنفذ خلال هذه السنوات الخمس الماضية، بالإضافة إلى مسلة سونسرت الأول بالمطرية، المغلقة تمامًا، والتى تنتشر حولها القمامة، وزيارة شارع المعز لتكشف الجولة عن ضرورة الاهتمام بالأماكن الأثرية ونظافتها وتطويرها.
 

الأهرامات تطلب التطوير

فى عام 2011 رصدت دراسة عن الهيئة العامة للتخطيط العمرانى، بعنوان «المخطط الاستراتيجى لتطوير منطقة الأهرامات»، شملت خطة لمعالجة الزحف العمرانى تجاه منطقة الأهرامات الثلاثة، علاوة على خطة أخرى لإخلاء بعض المناطق السكنية، وتعويض السكان من أجل الكشف عن الأماكن الأثرية الأخرى الموجودة فى المنطقة، مثل معبدالوادى، ومدينة العمال، علاوة على إعادة تنظيم المنطقة على مستوى المرور، لتسهيل عملية تنقل السائحين، إلى جانب إخلاء منطقة أخرى لإقامة متحف أثرى كبير بالمنطقة، ليصبح أحد أهم الأماكن المميزة لآثار القاهرة والجيزة.
 
لكن حتى اللحظة لم تعرف الأهرامات الثلاثة هذا التطوير، فبمجرد اتجاهك من شارع الهرم إلى الشارع المؤدى للأهرامات الثلاثة ستجد تداخلًا فى خطوط السير بين اتجاهى الطريق، وما هى إلا خطوات قليلة لترى المناطق السكنية على جانبى الطريق بجوار أهرامات الجيزة، تتوسطها المحال العشوائية والقمامة، وفور تجاوز حاجز قوات الأمن الفاصل بين المنطقة السكنية والمنطقة الأثرية تزيد تدريجيًًا رائحة المخلفات العضوية للأحصنة والجمال التى لم يخرج الإسطبل الخاص بها وبيوت أصحابها خارج الحيز الأثرى.
 
السلوك الشخصى لأصحاب الأحصنة وتجار الهدايا الأثرية تسيطر عليه مأساة الوضع الذى وصلت إليه السياحة، فبمجرد أن تقف سيارة أى من السائحين، بل وحتى من المصريين، ستجد أن سماسرة يتخاطفونك لتبتاع ما يقدمونه لك بصرف النظر عن رغبتك فيه أم لا.
 
«السماسرة بيتخانقوا على الزبائن».. هذه العبارة وصف بها وليد محمود، أحد الباعة فى «بازار» مقابل للهرم، الوضع فى المنطقة، مؤكدًا أن تطوير المنطقة شرط أساسى لعودة السياحة إليها، علاوة على ضرورة إعادة صياغة الشارع المؤدى للأهرامات حتى لا تصبح هذه العشوائية عنوانًا لمكان كهذا يمثل حضارتنا.
 

معبدالكهنة الغارق فى «القمامة»

فى الشمال الشرقى لمدينة القاهرة، وتحديدًا بمدينة المطرية، تقع مسلة سونسرت كآخر شاهد على مدينة «أون» الفرعونية التى ذكرت فى التوراة، وأطلق عليها الإغريق اسم «هليوبوليس» بمعنى «مدينة الشمس»، والتى بنيت منذ 400 ألف عام بأمر من الملك سنوسرت الأول.
 
الـ 400 ألف عام حضارة لم تشفع للمسلة أن تنجو من القمامة التى تنتشر على طول الطريق المؤدى إلى جامعة الكهنة، بل إن الطريق إليها لم يعد يصلح للسير لأنه غير ممهد، وعلى الجانب الأيسر من البوابة توجد أطلال منازل مهدومة، فلم يعد الشارع مؤهلًا لاستقبال أى باحثين أجانب أو زائرين لهذا المكان، خاصة مع تسابق سائقى «التوك توك» على جذب الزبائن دون أى اعتبار لهذا الأثر العريق.
 
على باب المسلة يقف الحارس الذى يبادر بالقول: «المكان مقفول من 2011 وليس مفتوحًا للاستقبال الزائرين».
 

الرقابة تدفع «المعز» نحو الإهمال من جديد

رغم ما أنفقته الدولة من ملايين الجنيهات على تطوير شارع المعز، سواء فى 2009 أو خلال العام الماضى، فإن منظر الشارع لا يزال غير مريح، ففى المدخل المقابل للحسين تجد أكومًا من مواد البناء على جانب الطريق، دون التفات لأهمية الحفاظ على المظهر الحضارى للمكان، وما هى إلا خطوات قليلة وتجد الباعة الجائلين يفترشون مدخل الشارع، بالتحديد مع تقاطعه مع نهاية شارع الحسين.
 
عندما تتقدم نحو الشارع تجد أيضًا عددًا من البائعين يفترشون أسفل القطع الأثرية التى تعود للدولة الفاطمية، لبيع «الذرة المشوى»، وفى منتصف الشارع تلاحظ «رشح» المياه لواجهات المبانى الأثرية.
 
على بعد خطوات من باب النصر تنتشر القمامة فى مدخل بعض الأماكن الأثرية، على الرغم من أن العاملين بالنظافة يقفون على بعد خطوات منها، فضلا عن اقتلاع عدد من مصابيح الإنارة التى توجد فى أرض الشارع لتترك فجوة بارزة أمام أعين المارة.
 

آخر مسمار فى نعش السياحة.. هروب العمالة المدربة.. مرشد سياحى يعمل مزارعاً.. ومدرب غطس يلجأ لـ«الكول سنتر».. وبائع فضيات يتجه لـ«التوك توك»

بمجرد الحديث عن السياحة، يأتى إلى عقلك التراجع فى العائد الاقتصادى الذى كانت تحققه، وتستفيد به خزانة الدولة، والذى بدأ فى الانهيار منذ العام 2010، لكنّ هناك وجهًا أكثر سوءا من التراجع، يتمثل فى هروب العمالة المدربة، بسبب متطلبات الحياة التى دفعتهم إلى اللجوء لأعمال لا تتناسب مع خبرتهم الطويلة فى مجال السياحة. 
 
اتحاد الغرف السياحية اعترف فى بيان رسمى له فى مارس الماضى أن حوالى 50% من إجمالى العمالة السياحية المدربة قد هجرت المجال، كما أعلن الاتحاد عن صعوبة الحصول على عمالة مدربة حال عودة النشاط السياحى لسابق عهده، ونعرض لبعض النماذج التى تأثرت بتراجع السياحة، خصوصًا بعد تحطم الطائرة الروسية فى سيناء أكتوبر الماضى.
 
محمود غلاب، يعمل فى مجال الإرشاد السياحى منذ عام 2004، بعد سنوات من الدراسة والتدريب، ويرى أنه لا أمل فى عودة النشاط السياحى حاليًا، وممارسة مهنته التى أحبها وأفنى عمره فيها.
 
يقول «محمود» البالغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا: «عملت فى السياحة منذ أن كان عمرى 20 عامًا، وكان دخلى الشهرى لا يقل عن 6000 آلاف جنيه وقتها، ومه حلول العام 2011 تراجع الدخل إلى 500 جنيه، وأكملنا عملنا تحت هذه الصعاب فى السياحة تحت أمل «الموسم الجاى أحلى»، لكن فى 2013 قررت أن أبحث عن عمل آخر، ولم أجد سوى رعاية قطعة أرض خاصة بعائلتى فى المنيا».
 
دخل قطعة الأرض لا يكفى للأنفاق على عائلة «محمود»، وهو ما دفعه للعمل بـ«الكول سنتر»، لكى يستطيع الحصول على دخل ثابت يعيش من خلاله.. هكذا رصد «محمود» مفردات دخله الشهرى، قائلاً: نلجأ الآن لشركات «الكول سنتر» التى تستغل هذا الكساد، وتقيم مراكز خدمة لعملاء فى دول أجنبية لتوفر عن نفسها 10 آلاف جنيه فرق راتب بين كل موظف مصرى وبين الموظفين الأجانب فى المجال نفسه.
 
وتابع قائلاً: «لدينا زملاء فى المهنة تدهورت بهم الأوضاع واتجهوا لفتح سوبر ماركت، أو العمل كسائقين أو أى عمل آخر غير الذى درسه وتدرب لأجله»، الاستقرار السياسى والتسويق فى الخارج، هى الحلول التى يراها «محمود» لمشاكل السياحة.
 
مدرب غطس بدرجة «كول سنتر».. وسام شرف، كان يعمل مدربًا مشهورًا للغطس، ويمتلك العديد من المشاريع الخاصة التى تخدم السياح الأجانب، وهى كافتيريا ووحدة تصوير فى أحد الفنادق، انتهى به الحال للعمل موظفًا فى خدمة العملاء «كول سنتر» لصالح إحدى الشركات الأجنبية.
 
يقول «شرف» إنه حاول العودة إلى مجال السياحة مرة أخر العام الماضى، لكن تحطم الطائرة الروسية دفعه إلى نفس القرار بمغادرة العمل فى المكان السياحى الذى بدأ العمل به، والعودة إلى خدمة العملاء، والآن يبحث عن أى وسيلة لمغادرة مصر والهجرة إلى الخارج، مشددًا على أنه لو عاد به الزمن لغادر مجال السياحة منذ اليوم الأول لحادثة القرش فى نوفمبر 2010.
 
ويرى «شرف» أن عودة السياحة مرتبطة بأن يخفّض أصحاب الفنادق أسعار إيجار الوحدات الخاصة بالتصوير والغطس وبيع المنتجات السياحية، لأن ذلك يؤدى لارتفاع أسعار الخدمات والمنتجات التى تقدم فى هذه الوحدات.
 
ويؤكد «شرف» ضرورة إيقاف العمالة الرخيصة التى لجأت إليها الفنادق الآن، والتى لم تحصل على نصف التدريبات التى حصل عليها جيله من الغطاسين أو العاملين فى مهن السياحة.
 
عبدالعزيز حسانين، يبلغ من العمر 48 عامًا، يعمل فى مجال بيع التحف والفضيات منذ عام 1987 حتى عام 2011، وعندما ضاقت به سبل الحياة اضطر إلى العمل كسائق «توك توك»، ومؤخرًا وجد عملًا إضافيًا، هو إدارة حسابات محل بيع ملابس.
 
 يقول «عبدالعزيز» إن التزاماته الأسرية دفعته إلى هجر عمله، والبحث عن أى مصدر رزق آخر، ويضيف: «أصحاب محال بيع التحف والأنتيكات الأثرية باعوا كل ما لديهم، فلم يعد لدينا أمل فى المجال رغم كل سنوات العمل السابقة وخبرته التى اكتسبها».
 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة