كعادتها المستمرة فى تشويه الحقائق، لا تزال إسرائيل تسعى جاهدة لإثبات أن أشرف مروان كان جاسوسا لها، رافضة أن تعترف بأن الرئيس السادات نجح فى خداعها بتسريب معلومات لها عمدا عن طريق "مروان".
فقد صدر كتاب إسرائيلى جديد يتحدث عن أوهام تل أبيب حول كيفية إنقاذ مروان للدولة العبرية فى حرب أكتوبر 1973. الكتاب ألفه أستاذ العلوم السياسية بجامعة جيفا الإسرائيلية يورى بار جوزيف ويعد، بحسب ما يقول موقع دايلى بيست، الأمريكى واحدا من الخبراء فى الاستخبارات الإسرائيلية، وعمل أكثر من 10 سنوات كمحلل استخباراتى فى الجيش الإسرائيلى.
أما الكتاب فيحمل عنوان "الملاك: الجاسوس المصرى الذى أنقذ إسرائيل فى حرب يوم كيبور"، ويوم كيبور هو المسمى الإسرائيلى لحرب أكتوبر.. ويزعم الكاتب أن مروان أجرى اتصالا بالإسرائيليين قبيل يوم من موعد الهجوم المصرى والسورى يخبرهم فيه باندلاع حرب كارثية وشيكة.
ونشر موقع دايلى بيست الأمريكى مقتطفات من الكتاب جاء فيها أن حرب أكتوبر التى أصبحت واحدة من أشد الاشتباكات العسكرية فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، كان يعتقد أنها هجوم مفاجئ. لكن على مدار أسبوع كامل قبل بدء الهجوم من الجبهتين المصرية والإسرائيلية، كانت المخابرات الحربية الإسرائيلية قد رصدت زيادة كبيرة فى النشاط العسكرى غير المعتاد على الحدود الإسرائيلية مع مرتفعات الجولان وقناة السويس.
إلا أن الأدلة المتزايدة على أن الحرب كانت وشيكة تم رفضها من قبل مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إيلى زعيرا، الذى ظل مقتنعا أنه برغم المؤشرات على الأرض لن تهاجم سوريا أبدا بدون مصر، ولن تهاجم مصر أبدا بدون الأسلحة التى تحتاجها لتحييد التفوق الجوى الإسرئيلى. وباعتباره المسئول عن تفسير الاستخبارات لصناع القرار الإسرائيليين، حرص إيلى على أن يشارك رأيه مع وزير الدفاع موشيه ديان ورئيسة الحكومة جولدا مائير.
وفى الرابع من أكتوبر، الموافق يوم الخميس، بدأ الاتحاد السوفيتى فى إخلاء آلاف من الضباط السوفييت وعائلاتهم من مصر وسوريا، وعقد القادة الإسرائيليون سلسلة من الاجتماعات الطارئة فى تل أبيب فى اليوم التالى، عشية الحرب، أعربت فيها جولدا مائير عن قلقها من احتمال وقوع عربى. إلا أن زعيرا تمسك بموقفه. واعتقادا أنه قبل أى هجوم عربى، سيتلقون إنذارات توصل مجلس الحكومة إلى حل وسط. تم وضع الجيش النظامى فى حالة تأهب، لكن لم يتم حشد الاحتياط الذى يمثل 80% من القوات البرية للجيش الإسرائيلى.
لكن الحرب اندلعت فى اليوم التالى وكان القادة الإسرائيليون يأملون أن يتجنبوا كارثة، لكن هذا لم يحدث.
ويزعم الكتاب أن أشرف مروان، زوجة ابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسكرتير الرئيس أنور السادات للمعلومات قدم معلومات استخباراتية سرية للموساد منذ عام 1970. وظل لبعض الوقت يحذر الإسرائيليين من أن السادات لم يكن مخادعا فيما يتعلق بشن هجوم منسق. لكن بعد تسريب الكثير من خططه السابقة، احتفظ الرئيس المصرى بالموعد الدقيق للهجوم سرا لنفسه. وتواصل مروان، الذى أدرك أن الحرب قريبة، كان مسافرا إلى باريس يوم الرابع من أكتوبر مع من يتعامل معهم فى الموساد، وطلب اجتماع عاجل فى لندن مع رئيس الموساد زفى زامير. فاستقل زمير أول رحلة إلى لندن فى الصباح التالى.
وشق مروان طريقه إلى لندن أيضا، وهناك علم من صديق له يعمل فى مصر للطيران أن الشركة تلقت أوامر بتغيير مسار طائراتها المدنية لمواقع أمنة، وهى الأوامر التى تم إلغائها فيما بعد بشكل مفاجئ. وكان هذا كل ما يحتاج مروان سماعه. فمن غرفته بالفندق، أجرى عدة اتصالات بزملاء له فى مصر. وبحلول ظهر الجمعة كان متأكدا أن خطط الهجوم قد بدأت بالفعل. إلا أن تأمين اللقاء مع رئيس الموساد سيستغرق بعض الوقت بالتأكيد، والوقت يمر فى يوم الخامس من أكتوبر عشية يوم كيبور.
وكانت الساعة العاشرة مساءا بتوقيت لندن عندما وصل المسئول عن التعامل مع مروان فى الاستخبارات السرائيلية والذى عرف فقط باسم "دوبى" وزامير إلى الشقة متفق على عقد الاجتماع بها. وكان عملاء الموساد فى المكان يتفحصونه مرة أخيرة، وانتظرا الرجلان لفترة طويلة.
وكان نادرا ما يتأخر مروان، بحسب رواية الكتاب الإسرائيلى وبعد الحادية عشر ونصف، سمعا قرعا على الباب، ففتح دوبى الباب ودخل"الملاك"، وهو الأسم الكودى الإسرائيلى لأشرف مروان. وكان هذا أول لقاء بين مروان ومن تعامل معه منذ محاولة الهجوم الفاشلة على طائرة العال فى روما قبل شهر. وأراد الإسرائيليون أن يتأكدوا أن مصدرهم لم يتم كشفه، وأرادوا أن يعرف أنهم كانوا مهتمين. ولذلك كان السؤال الأول من زامير عما إذا كان هناك أى شكوك قد أثيرت بعد مداهمة القوات الإيطالية لشقة أوستيا، بناء على تحذير مسبق، وما إذا كان السادات قد أبدى أى اهتمام بكيفية معرفة الإيطالين عن الهجوم. وطمأنهم مروان، وفقا لما يقوله الكتاب، بأن الأمر لم يحدث له أى مشاكل.
ثم قال مروان "قد جئت هنا لأتحدث عن الحرب وليس شيئا آخرا، لقد جئت متأخرا لأنى أمضيت المساء كله فى قنصليتنا فى كينجستون، وكنت على الهاتف مع القاهرة محاولة الحصول على أحدث المعلومات. إن السادات ينوى بدء الحرب غدا". واندهش زامير، فقد جاء للاجتماع وهو يشعر بالقلق بسبب المعلومات الأخيرة لاسيما عملية إخلاء السوفيت، لكنه لم يتصور أن الهجوم المصرى والسورى سيبدأ فى أقل من 24 ساعة.
وهكذا يواصل الإسرائيليون محاولاتهم الحثيثة لإثبات أن مروان، الذى لقى مصرعه فى لندن فى ظروف غامضة عام 2007، كان جاسوسا مزدوجا لهم. إلا أن المسئولين فى مصر برأوا مراون من هذه التهمة. بل إن الرئيس الأسبق حسنى مبارك قال عن مروان بعد وفاته إنه كان وطنيا مخلصا لوطنه.. وأضاف أنه قام بأعمال وطنية لم يحن الوقت بعد للكشف عنها، ولكنه كان بالفعل مصريا وطنيا ولم يكن جاسوسا على الإطلاق لأى جهة.
وأكد أن ما نشر عنه وإبلاغه إسرائيل بموعد الحرب لا أساس له من الصحة. وقال مبارك الذى كان أحد قادة حرب أكتوبر إنه لا يشك أبدا فى وطنية أشرف مروان، وأضاف أنه كان يعرف تفاصيل ما يقوم به لخدمة وطنه أولا بأول.