مشهدان متناقضان، يلخصان حال القضية الفلسطينية تحت قيادة محمود عباس أبو مازن، المشهد الأول طفل فلسطينى فى يده حجر، يضع فيه كل آماله وأحلامه فى دحر الاحتلال، يقذف به جبروت الظلم والبغى، يتطلع إلى أن يحرر هذا الحجر أرضه فى يوم من الأيام، لا يفقد الأمل أبداً طالما يستطيع حمل الحجر وإلقائه فى وجه المحتل المستبد، حتى وأن دفع حياته ثمناً لحلمه.
"عباس "فى مكتبه الفخم.. وشباب فلسطين يواجه الاحتلال بصدور عارية
على الطرف الآخر، يجلس محمود عباس أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية خلف مكتبه الفخم، مترفاً يرتدى أفخر الماركات العالمية من الملابس، مستمتعاً بالتكييف والموسيقى الهادئة، غير عابئ بمعاناة الشعب الفلسطينى المغلوب على أمره، لا يهتم بالشباب الفلسطينى الذى يقتل بالرصاص ويقضى أزهى سنوات عمره فى سجون الاحتلال، لا يلتفت لنساء وعجائز فلسطين اللاتى فقدن أبنائهن، وتمتهن كرامتهن فى المعابر والطرقات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى، فلم يواسى أبًا مكلومًا أو يمسح دموع أم ثكلى وكل ما يقوم به "لزوم الشو الإعلامى" هو ظهوره بين فينة وأخرى ليلقى ببعض الكلمات الطنانة، التى لا تسمن ولا تغنى من جوع.
هذا هو حال القضية الفلسطينية، التى استطاع أبو مازن بكل مهارة واقتدار أن يدفنها فى ثلاجة الجمود، وغياهب النسيان، فتوقفت مفاوضات السلام، وزاد الاستيطان فى كل مكان من الأرض الفلسطينية حتى كاد أن يقضى عليها، كما زادت خطوات تهويد القدس، واستمرت اقتحامات المتطرفين اليهود لساحة المسجد الأقصى، ورغم ذلك لم تجر الدماء فى عروق الرجل، وينتفض دفاعًا عن الأرض والحرم، ولم يقدم الرجل الذى تربطه علاقات وثيقة بالقيادتين الإسرائيلية والأمريكية أى شىء يذكر فى طريق حل القضية، بل اختزل القضية فى شخصه، مستميتاً فى الإمساك بكافة خيوط القضية، ليظل هو المهيمن عليها والمستفيد الأول من هذا الوضع، لكى ينفذ رغبات أولئك الذين يملون عليه أفعاله فى الخارج.
تضخمت ثروة عائلته وساءت الأوضاع المعيشية للفلسطينيين
أما فى الداخل فقد ساءت الأوضاع المعيشية للفلسطينيين، ففى حين تتهم قيادات غزاوية أبو مازن بالتخلى عن القطاع، وعدم وفائه بتعميره بعد تدميره من قبل إسرائيل، رغم حصوله على تمويل كبير من عدد من الدول والمؤسسات العربية والغربية، إلا أنه رفض أن يمنح القطاع حتى الفتات، ويعانى سكان الضفة الغربية أيضًا من شتى أنواع الإهمال من قبل الرئيس الفلسطينى وأعوانه ومساعدوه، فغالبية أبناء الشعب الفلسطينى يعيش تحت خط الفقر، ويصرخون من غلاء الأسعار وعدم وجود فرص عمل، وزيادة رهيبة فى نسبة البطالة.
المفارقة المؤلمة، أنه فى خضم المعاناة التى يقاسيها أبناء الشعب الفلسطينى، يجدون أن أموالهم ومقدراتهم تتم سرقتها ونهبها بصورة ممنهجة ومستمرة، فقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى الفلسطينية أدلة وبراهين تؤكد أن الرئيس عباس يسخر السلطة الفلسطينية وعلاقاته بالدول والشركات العالمية الكبرى لصالح "البيزنس" الخاص بابنيه ياسر وطارق، وعدد آخر من أفراد عائلته، حيث كشفت وكالة رويترز، فى تقرير نشرته منذ فترة عن علاقة تجارية وثيقة وقوية بين "أولاد عباس" وعدد من الشركات الأمريكية وأخرى متعددة الجنسيات، ونتج عنها صفقات مالية وتجارية بملايين الدولارات، وشهدت تسهيلات ومزايا كثيرة لنجلى أبو مازن.
"أولاد عباس "يسيطرون على "بيزنس" البلاد
ويمتلك "أولاد عباس" مجموعة شركات كبرى تسمى "فلكون"، وتستحوذ هذه المجموعة على سوق العمل والتجارة والمشاريع فى الأراضى الفلسطينية، حيث يدعمها أبو مازن شخصيًا، ومنحها تسهيلات كبيرة تجعل من أى شركة أخرى تفكر ألف مرة قبل أن تنافسها، وتتفرع من "فلكون" عدد من الشركات مثل "فلكون للتبغ" التى تبسط يدها على سوق السجائر فى فلسطين وتتمتع بمزايا كبيرة وحصرية غير مسبوقة، بأوامر شخصية من أبو مازن، كما تمتلك المجموعة عددًا من الشركات الأخرى مثل "فلكون للمشاريع الكهربائية والميكانيكية"، وهى شركة تتعاقد لإنشاء مشاريع كهربائية وميكانيكية ولها فروع فى الأردن، وقطر، والإمارات المتحدة، والضفة الغربية، وتحظى بدعم رئيس السلطة الفلسطينية والذى لا يدخر جهدًا فى الوقوف بجانبها لدرجة نجاحه فى جلب حوالى مليون و890 ألف دولار مساعدات أمريكية للشركة.
كما يمتلك نجلا عباس "شركة فلكون للاتصالات الدولية" و"شركة فلكون للاستثمارات العامة"، وهذه شركة تحيط بها سرية كبيرة ولا يعرف الكثير عن نشاطاتها أو مصادرها، والتى بلغت أرباحها ما يزيد عن الـ60 مليون دولار سنوياً، ولدى نجلى عباس شركة المشرق المساهمة للتأمين، والتى تملك 11 مكتبًا فى الأراضى الفلسطينية وتبلغ قيمة هذه الشركة فى السوق المالية 35 مليون دولار، وياسر محمود عباس هو المدير العام لشركة "إدارة مشاريع الإعمار"، وتحمل اسم "الخيار الأول".
"أبو مازن " يدخل القضية نفق الجمود لخدمة الصهاينة
الاتهامات المالية التى تلوكها الألسنة وتزخم بها مواقع التواصل الاجتماعى ضد أبو مازن وأسرته، ليست وليدة اليوم، بل هى تاريخ طويل بدأ بإعلان محمد رشيد المستشار السابق للزعيم الراحل ياسر عرفات، أن محمود عباس نهب على الأقل 100 مليون دولار بطرق غير مشروعة، وهو الكلام الذى وجد صدى كبيراً، حيث تضخمت ثروة أبومازن ونجليه بصورة كبيرة إذ أن الثروة الكبيرة التى جمعها أولاد عباس، ياسر وطارق، أصبحت مصدر حديث الشارع والمجتمع الفلسطينى، وتداول الناس أخبارًا عن قيام طارق الابن الثانى لعباس، بتهريب آثار من فلسطين إلى الخارج وسمسرة أراض وبيع توكيلات تجارية حصرية، وكل ذلك دون رقيب أو حسيب ويتم بقوة وسطوة أبو مازن، كما تواجد اسم طارق ضمن وثائق بنما التى سُربت بعد تحقيق صحفى موسع، حيث كشفت الوثائق عن امتلاك "طارق عباس" لأسهم بمليون دولار فى الشركة العربية الفلسطينية للاستثمار، والتى تملك السلطة الوطنية الفلسطينية 18 فى المائة من أسهمها.
فى الوقت نفسه لم يأل عباس جهداً فى إخماد الأصوات المعارضة لسياساته، وتحويله لحركة فتح والسلطة الفلسطينية لمشروع تجارى ربحى، حيث تخلص من كافة الأصوات المناهضة لسياساته التخريبية،فأخرج محمد دحلان، وطرد"هانى الحسن" وعزل "ياسر عبد ربه"، ليبقى وحده المتحكم والمسيطر على كافة الأمور فى السلطة الفلسطينية.
القضية الفلسطينية، التى تدافع عنها غالبية دول العالم، وتؤكد دومًا على عدالة مطالبها، نجح أبو مازن بذكاء وخبث فى إطفاء جذوتها لصالح أصدقائه الصهاينة، واستعمل دهاءه فى تطويل أمدها، وإفشال أى تفاوض أو مبادرة قد تصل بها إلى بر الأمان، فى الوقت نفسه لم يدخر جهدًا فى سعيه نحو زيادة الانشقاق الفلسطينى بافتعال الأزمات مع كافة الفصائل الفلسطينية، واقفاً كحجر عثرة أمام أى مبادرات للم الشمل الفلسطينى الممزق ، لتبقى وحدة الفلسطينيين حلمًا قد يصبح تحقيقه أصعب من حلم عودة الأرض ودحر المحتل.