رحل على أكبر هاشمى رفسنجانى عن عمر يناهز الـ 83 عاما بعدما صنع وقاد معظم الانعطافات الكبرى فى دولة الثورة الإيرانية منذ نجاح الثورة عام 1979 بدءا من إقناعه الخمينى بإلغاء تحريمه تأسيس حزب مرورا بوقف الحرب مع العراق والتعاون مع الشيطان الأكبر "الولايات المتحدة" وروسيا والصين وصولا لتعيينه خامنيئ خليفة للخمينى بدون الانتخابات التى ينص عليها الدستور.
أية الله الخمينى
الذراع اليمنى للخمينى
كان رفسنجانى أحد أذرع الخمينى المهمة (إن لم يكن الأهم) داخل إيران بعد نفي الخمينى للخارج حتى يمكن القول بأنه صار دينامو الثورة منذ منتصف السبعينات، وعندما نجحت الثورة عام 1979 ضد شاه إيران وعاد الخمينى إلى إيران اتخذ رفسنجانى مقرا له ولزملائه الموالين للخمينى بالقرب من منزل الخمينى بهدف حمايته من ناحية وتسهيل التواصل معه حول قرارات الدولة والثورة، ورغم أن رفسنجانى شهد رفض الخمينى طوال السنوات السابقة لإنشاء أى حزب أو تنظيم سياسى إلا أنه دخل على الخمينى فزعا وقال له "مش عارفين نمسك البلد لازم ننشئ منظمة، فرد عليه الخمينى متجهما وقال له: اذهب واعمل حزب" بحسب رواية رفسنجانى فى مذكراته الشخصية الصادرة فى 2005، وأسس ساعتها رفسنجانى حزبا يمثل خط الامام الخمينى قاد به الصراعات التى انتهت بالتمكين للخمينى ورجاله من الحكم المطلق فى إيران، ولا نعلم ما إذا كانت هذه هى أول مرة يدفع فيها رفسنجانى "إمامه الخمينى" لتغيير رأيه أم لا؟ ولكننا نعلم أنها لم تكن المرة الأخيرة.
فى عام 1988 عندما كان رفسنجانى يتولى رئاسة البرلمان الإيرانى ويتولى قيادة الجيش بأمر من الخمينى خشى رفسنجانى أن يموت الخمينى دون إيقاف الحرب مع العراق فلا يمكن لأى خليفة له أن يوقفها لأن الإمام مات وهو مصمم على استمرارها بحسب عقيدتهم وقتها فتوجه للخمينى وأقنعه أن استمرار الحرب هو فى غير مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأنه ينبغى إيقافها على الفور، ووقتها ظهر صوت الخمينى واهنا عبر إذاعة طهران ليقول: "كان أهون على أن أتجرع السم بدلا من أن أوقف الحرب مع العراق ولكن إيثارا لمصلحة الجمهورية الإسلامية فقد قررت إيقافها" وبعد هذا الحدث بقليل مات الخمينى.
هاشمى رفسنجانى
صانع الملوك
بموت الخمينى دخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى إشكالية من يخلف الإمام كمرشد أعلى للدولة يقود الدولة بصلاحيات واسعة مدى حياته خلفا للخمينى وفقا للدستور الذى باركه وسار عليه الخمينى أصلا، وقبل أن تطبق إيران الآلية الدستورية التى تقضى بانتخاب المرشد الأعلى التالى للخمينى برز هاشمى رفسنجانى الذراع اليمنى للخمينى ليعلن أن الخمينى أسر له بأن "على خامنيئ هو أولى شخص بتولى منصب المرشد الأعلى كخليفة له" وأذعن الجميع لرواية رفسنجانى وصار على خامنيئ المرشد الأعلى للدولة خلفا للخمينى بدون أن ينتخبه أحد، ليكتسب رفسنجانى لقبا جديدا هو لقب "صانع الملوك".
على خامنيئ
صفقة مع الشيطان الأكبر بعهد ريجان
وفى حين تولى خامنئي منصب المرشد فاز رفسنجانى فى الإنتخابات ليتولى منصب رئيس الجمهورية خلفا لخامنئي، واستمر "صانع الملوك" فى رئاسة الجمهورية لمدتين متتالتين ليرسخ اتجاهات جديدة فى سياسة إيران الداخلية والخارجية، ففى السياسة الخارجية واصل رفسنجانى توطيد تعاون إيران مع كل من روسيا والصين منافستا الولايات المتحدة ليعيد بناء الجيش ويسلحه بعد حرب الثمانى سنوات مع العراق والتى عانى فيها من حصار عالمى يمنع تسليح إيران، ولم يكن تعاونه مع كل من "الاتحاد السوفيتى/روسيا" والصين فى التسلح وفى صناعة السلاح سهلا إذ كانت الثورة الإيرانية تعتبر الاتحاد السوفيتى والصين مثلهما مثل الولايات المتحدة مجرد شياطين لا يجوز التعامل معهم ومن هنا كافح رفسنجانى منذ قيادته للبرلمان والجيش الإيرانى فى حياة الخمينى من أجل توجيه الدولة الإيرانية للتعامل مع الصين والاتحاد السوفيتى، خاصة بعدما توقفت الولايات المتحدة عن مسايرة رفسنجانى طويلا بعد فضيحة "إيران- كونترا" التى كشفت حصول رفسنجانى على سلاح أمريكى ضمن صفقة سرية شاركت فيها "CIA" وتاجر سلاح إسرائيلى بعهد الرئيس الأمريكى ريجان مقابل الافراج عن رهائن أمريكيين، رغم أن الاسم الرسمى لأمريكا وقتها فى إيران كان هو الشيطان الأكبر بحسب شعارات الخمينى والثورة الإيرانية.
الثورة الإيرانية
تقارب مع أهل السنة وانتقد سب الصحابة
وفى مجال السياسة الخارجية أيضا سعى رفسنجانى للتقارب مع السعودية وتحسين علاقاته بدول الجوار السنية دون أن يخل بالتزامات الثورة الإيرانية تجاه المنظمات الشيعية العراقية واللبنانية واليمنية وغيرها، تلك المنظمات التى ظلت تنمو منذ عهد الخمينى لنرى حصادها اليوم فى المحور الشيعى الممتد بالمنطقة العربية والعالم اليوم.
وفى السياسة الداخلية عمل رفسنجانى على تطوير الاقتصاد الإيرانى ليصبح إقتصادا مختلطا تتسع فيه رقعة القطاع الخاص ليسير مساندا لإقتصاد الدولة الذى ظل بعد الثورة مهيمنا على أغلب القطاعات، وفى نفس الوقت أسس لصناعات مدنية وعسكرية ولكن جاءت العسكرية أكثر لاسيما صناعة الصواريخ، كما سعى لتطوير برنامجا نوويا إيرانيا.
وذكر رفسنجانى فى مذكراته أنه دافع عن أهل السنة ذات مرة أيام شاه إيران عندما رد على علامة شيعى ذكر أن يهودى واحد أفضل من كل أهل السنة فهاجمه رفسنجانى ورد عليه، كما أن رفسنجانى إنتقد علنا فى العام الماضى قيام الشيعة بسب الصحابة والاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)، ودعا الشيعة لعدم استثارة أهل السنة بهذه الممارسات كما دعاهم للسعى لرأب الصدع بين الشيعة والسنة.
وكما ظل رفسنجانى زعيما للاصلاحيين الشيعة فقد ظل فى نفس الوقت قريبا من المحافظين لذلك وصفه المراقبون بأنه إصلاحى بقلب محافظ، وعند اشتداد الصراع بين الجناحين كان ينفر المحافظون منه لدرجة أن منع من خوض الانتخابات الرئاسية عام 2013 بدعوى تقدم عمره لكن مساندته لروحانى أدت لفوز الأخير بمنصب رئيس الجمهورية.
ولكن هل فعلا تنقسم نخبة إيران الحاكمة لاصلاحيين ومحافظين؟؟ أم أنه مجرد توزيع أدوار؟؟.. الله أعلم.