فى مفاجأة من العيار الثقيل، وفى خطوة من شأنها تعجيل سحب ملف تنظيم مونديال 2022 من إمارة قطر الراعى الأول للإرهاب فى الشرق الأوسط، فتح الإدعاء السويسرى تحقيقاً جنائياً مع جيروم فالك، الأمين العام السابق للاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا"، والقطرى ناصر الخليفى، الرئيس التنفيذى لمجموعة بى أن الإعلامية، فى أحدث تصعيد لوتيرة التحقيقات التى تجريها السلطات هناك فى فساد كرة القدم.
وقال مكتب المدعى العام السويسرى اليوم، الخميس، "يشتبه فى أن جيروم فالك قبل امتيازات لم يكن يستحقها من رجل أعمال فى قطاع حقوق البث الرياضى، فيما له صلة بمنح الحقوق الإعلامية لبطولة كأس العالم أعوام 2018 و2022 و2026 و2030 لدول بعينها، ومن ناصر الخليفى، فيما يتصل بمنح الحقوق الإعلامية لدول بعينها فيما يخص كأس العالم عامى 2026 و2030".
وفى مارس من العام الماضى، أعلن مكتب المدعى العام السويسرى أن هناك شبهة سوء إدارة متعمد ومخالفات أخرى تتعلق بفالك، ونفى فالك ارتكاب أى مخالفات. فى حين أقدم محققون ماليون فرنسيون على تفتيش مكاتب مجموعة بى أن الإعلامية فى باريس اليوم الخميس.
انتهاك حقوق العمالة الأجنبية.. عرض مستمر
ولا يزال ملف حقوق العمال المهاجرين المهدرة فى قطر يلقى اهتمام المؤسسات الحقوقية والإعلامية العالمية والمنظمات الحقوقية تطالب بفتح تحقيق عاجل فى مخالفات الدوحة، فنقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية نتائج بحث جديد حول ظروف العمل التى يتعرض لها آلاف العمال المهاجرين فى مواقع البناء فى قطر الخاصة باستضافة بطولة كأس العالم 2022، والذى خلص إلى أنهم يتعرضون لحرارة ورطوبة تشكل تهديدا على حياتهم.
وأضافت أن مئات العمال يموتون كل عام، ووفقا لمنظمات حقوقية، ترفض السلطات القطرية تقديم المعلومات اللازمة للرأى العام أو التحقيق بشكل كاف فى أسباب الوفيات والتى يمكن أن تكون ناجمة عن العمل فى المناخ القاسى فى المنطقة.
وتقول منظمات حقوقية أن الملايين من العمال معرضين للخطر فى قطر، لأن فترات الراحة القانونية المفروضة خلال ساعات منتصف النهار الصيفية لا تحميهم بشكل كاف. كما أظهر تحليل للطقس فى الدوحة الصيف الماضى أن العمال فى مشاريع بناء كأس العالم فى خطر، وذلك رغم استخدام منظم البطولة "هوميدكس" لنظام متقدم يقيس مستويات السلامة من الحرارة والرطوبة.
وقالت المسئولة الحقوقية سارة ليا ويتسن: "إن فرض القيود المناسبة على العمال فى الهواء الطلق والتحقيق المنتظم ونشر المعلومات حول وفيات العمال أمر ضرورى لحماية صحة وحياة عمال البناء فى قطر".
وأضافت أن "ربط ساعات العمل بدرجات حرارة آمنة أمر فى حدود قدرة الحكومة القطرية وسيساعد فى حماية مئات الآلاف من العمال".
بلاتر
وكانت منظمات حقوقية أكدت أنه يجب على السلطات القطرية فرض قيود مناسبة على العمل فى الهواء الطلق لحماية ما يصل إلى 800 ألف من العاملين المغتربين المعرضين للخطر بسبب عملهم فى الطقس الحار والرطوبة الشديدة فى البلاد.
تستر على الوفيات
ودعت المنظمات قطر إلى التحقيق فى أسباب وفيات العمال والإعلان عن نتائج هذا التحقيق، والاستعانة بهذه المعلومات فى وضع السياسات الصحية المناسبة.
وقال المسئول الحقوقى نيكولاس ماك جيهان أن "فشل السلطات القطرية فى توفير أساليب الحماية الرئيسية من الحرارة وقرارها تجاهل التوصيات بضرورة التحقيق فى وفيات العمال ورفضها الإعلان عن بيانات هذه الوفيات يمثل تنصلا عن مسئوليتها عن قصد".
وأضافت "الجارديان" أن عام الحكومة القطرية كشفت عام 2012 عن مقتل 520 شخصا من بنجلاديش والهند ونيبال - الذين يسافر مئات الآلاف من مواطنيهم للقيام بأعمال البناء فى الخليج - ومن بين هؤلاء، توفى 385 شخصا أو ما يقرب من ثلاثة أرباعهم "لأسباب لم توضحها السلطات ولم تحقق فيها".
وفى العام الماضى قالت الحكومة القطرية لمنظمات حقوقية أن 35 عاملا لقوا حتفهم "معظمهم بسبب السقوط، ويفترض أن يكون ذلك فى مواقع البناء"، ولكن هذا لم يأخذ فى الاعتبار مئات الأشخاص الذين ماتوا بسبب النوبات القلبية وغيرها من "الأسباب الطبيعية" غير المبررة من قبل السلطات.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن "اللجنة العليا" التى تنظم كأس العالم 2022، تسعى إلى سن معايير أعلى من الرفاهية من تلك التى تطبق عادة على مليونى عامل مهاجر فى قطر. وكشفت أن 10 عمال فى مشاريع كأس العالم لاقوا حتفهم بين أكتوبر 2015 ويوليو من العام الجارى وصنف ثمانية منهم - ثلاثة منهم رجال فى العشرينات من العمر- على أن أسباب وفاتهم "غير مرتبطة بالعمل" لأنها ناجمة عن سكتة قلبية أو فشل فى الجهاز التنفسى. وتقول المنظمات الحقوقية أن هذه التصنيفات لا معنى لها، بل هى مجرد بيان بأن الشخص قد مات بسبب توقف قلبه وتنفسه.
وتعتبر أن مثل هذه الأوصاف "تحجب السبب الكامن وراء الوفاة وتجعل من المستحيل تحديد ما إذا كان (وفاة العمال) مرتبطة بظروف العمل مثل الإجهاد الحرارى".
وأشارت منظمة حقوقية إلى أن جليشوار براساد، 48 عاما، وهو عامل بناء فى مشاريع كأس العالم، أن اللجنة العليا عانت من سكتة قلبية، وقالت المستشفى أن "واجبات العمل ليست عاملا مساهما". غير أن درجة الحرارة فى قطر قبل يوم واحد من وفاة براساد، بلغت ذروتها.
وأظهر تحليل سجل المناخ التابع لمكتب الأرصاد الجوية فى المملكة المتحدة بالنسبة الدوحة العام الماضى، أنه وفقا لقياس هوميديكس، ليس من الآمن للشخص المؤهل القيام بعمل شاق العمل بالخارج حتى أثناء وقت الليل.
وقال متحدث باسم الحكومة القطرية إنها ملتزمة بإجراء إصلاحات فى العمل، مؤكدا أنها أعلنت عن حالات الوفاة والإصابة المتعلقة بالعمل العام الماضى.
من جهة أخرى أبدى مسؤول فى اتحاد القدم الإنجليزى ثقته بأن بلاده ستحتضن مونديال كأس العالم 2022 الذى من المفترض أن يقام فى قطر بعدما زادت الاتهامات تجاه الدوحة بأنها حصلت على الأصوات بطريقة مشبوهة، إضافة إلى الأزمة السياسية التى تعيشها حالياً بعد قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة.
وأبلغ مصدر مسؤول فى اتحاد القدم الإنجليزى "لم تكشف عن اسمه" صحيفة "دايلى ستار"، غداة نشر تقرير سرى عن احتمالية سحب تنظيم كأس العالم من قطر: كان حصول قطر على تنظيم كأس العالم خطأ من الأساس، والآن إنجلترا مستعدة لعودة المونديال إليها، ويمكننا الحصول على حق تنظيم مونديال 2022 بين عشية وضحاها، لقد تأخرنا كثيراً بالحصول على تنظيم البطولة على الرغم من أننا نملك تاريخاً جيداً فى تنظيم البطولات الكبرى مثل كأس أوروبا 1996 وأولمبياد لندن 2012.
وواصل: "مدننا تستوعب كافة الجماهير، ووسائل النقل والبنى التحتية لدينا جاهزة، كما أن ملاعبنا فى أعلى مستويات الجودة، وذلك فى إشارة إلى أعمال البناء التى تقوم بها الدوحة لتجهيز البلاد لاحتضان كأس العالم بعد 5 أعوام، وسط مخاوف من تأخير إنجاز بعض الأعمال الخاصة بالبنى التحتية والملاعب".
وكانت "بى بى سى" قد نشرت تقريراً سرياً عن احتمال سحب تنظيم كأس العالم من قطر بسبب الأزمة السياسية مع جيرانها الخليجيين، محذراً شركات البناء من الدخول فى مشاريع كأس العالم بسبب وجود خطر حقيقى حول عدم قدرة الدوحة على تسديد دفعاتهم المالية، ووجود شبهات فساد فى المشاريع المخصصة لتنظيم المونديال.
ناصر الخليفى
وتشير التقديرات الحالية إلى أن قطر ستنفق أكثر من 200 مليار دولار على استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، وسيصل نصيب الفرد من مواطنى قطر البالغ عددهم 313 ألف شخص 6.4 مليون دولار لاستضافة البطولة.
ولتوضيح حجم التكلفة الجنونية مقارنة بالبطولات السابقة أشارت دراسات غربية إلى أن كأس العالم 2014 فى البرازيل تكلف ما يقدر بنحو 15 مليار دولار، وبطولة عام 2010 فى جنوب أفريقيا 3 مليارات دولار؛ وألمانيا 2006 مليارى دولار، وكأس العالم 2002 الذى شاركت فى استضافته كوريا الجنوبية واليابان كلف كل منهما نحو 1.3 مليار، و2.5 مليار دولار على التوالى.