فى العام الماضى شهدت السوق الأمريكية للأقطان فضيحة كبرى بسبب تزوير شركة هندية عملاقة «ولسبن إنديا» علامة القطن المصرى الممتاز ووضعها على منتجات الشركة الأقل جودة طبعا، الأمر الذى كشف أن عشرات الشركات الأجنبية تزور علامة القطن المصرى، لتبيع غزولا ومنتجات يتهافت عليها السوق العالمى، نظرا لما يتميز به المحصول التاريخى لمصر من طول الألياف ودقتها ومتانتها، مما استحق عليه لقب الذهب الأبيض.
وفى نفس العام أيضا شهد محصول القطن المصرى أكبر تراجع فى تاريخه الممتد أكثر من مائة عام، من حيث مساحة الرقعة المزروعة والأصناف النادرة الجيدة التى نتميز بها وسط كبار زارعى الأقطان فى العالم، ويحدث ذلك بينما نرفع شعارات النهضة الكبرى وإعادة البناء والمشاريع العملاقة، ويعانى اقتصادنا من عجز كبير فى ميزان المدفوعات بسبب الاتجاه لاستيراد كل ما نستهلكه والتوقف عن الإنتاج.
هل المشاريع العملاقة التى نرجوها لا تشمل إحياء ورعاية الإمكانات الموجودة لدينا بالفعل وتعظيم الموارد المتاحة؟ وهل المشروعات العملاقة لا تشمل الزراعة المصرية التقليدية؟ العالم كله يتهافت على القطن المصرى وأى مساحات يمكن زراعتها بالأصناف النادرة الجيدة التى نتميز بها ستحقق مكسبا كبيرا وتسهم فى اعتدال الميزان التجارى وستحقق دخلا للبلاد من العملات الأجنبية وستعيد لمحصول مصرى رئيسى ازدهاره، فلماذا لا تستثمر الدولة فى الفلاحين وفى محصول القطن؟ لماذا لا توجد خطة طموحة لاستعادة العرش العالمى الذى فقدناه لتحقيق مكاسب بالجملة.
يا جماعة الخير، نحن ظللنا سنوات نفاخر من يملكون البترول بأننا نملك القطن المصرى، ثروة مهولة ومصدر عظيم للدخل القومى إذا تم رعايته وتوجيهه، لكن بدلا من الحفاظ عليه وتنميته حدث الإهمال والإهدار وغش الأصناف المزروعة لصالح استيراد أردأ الأنواع الأمريكية والهندية بدعوى أن ماكينات مصانعنا لا تعمل على القطن طويل التيلة، فمن يوقف هذا الانهيار.
نريد دعما حقيقيا لمزارعى القطن، فهم أحد عناصر النهضة، وعليهم يمكن أن تنعقد الآمال فى أن نعدل الميزان التجارى المائل، فما المانع أن يكون دعم القطن المصرى وزراعته مشروعنا القومى إلى جوار الاكتفاء الذاتى من القمح والمحاصيل الزراعية الأخرى التى اشتهرنا بها وذكرت بها مصر فى القرآن الكريم.
ونريد دعم الفلاحين والزراعة المصرية بشكل عام، فهم خط دفاعنا الأول وبدون رعايتهم نتكبد مليارات الدولارات فى استيراد كل ما نأكل، هل نستطيع أن نكون على قدر التحدى بأن نطور زراعتنا وأن نحافظ على محاصيلنا التاريخية، لتحقيق مصادر كبيرة للدخل مع مواجهة مخاطر نقص المياه فى الوقت نفسه؟ هذا هو السؤال.