قبل سنوات كانت فتاة صغيرة تتأمل السماء، تتمنى الطيران إلى الأعلى مثل والدها الذى يجوب العالم، رسمت حدود حلمها بوضوح، وبعد تخرجها من المدرسة مباشرة، وقفت أمام أبيها المتأنق فى ملابس الكابتن لتطلب منه الالتحاق بمعهد الطيران لتصبح مثله، إلا أنه رفض ذلك بشدة، وأصر على دخولها أى جامعة تقليدية، وبالفعل اختارت دراسة إدارة الأعمال، لتتمكن من إنهاء دراستها سريعًا وتتجه بعدها لتعلم الطيران.. هكذا بدأت قصة ماجدة مالك وحبها للطيران، لتصبح أول سيدة تضع يدها على مقبض طائرة ضخمة من طراز 777-300، أكبر طائرات أسطول مصر للطيران، لتكون أول سيدة تعبر المحيطات وتحلق لأبعد بلدان العالم.
طاقم الطائرة 777
لم تقف ماجدة مالك مكتوفة الأيدى بعد حفل تخرجها من كليتها وهى رغبة والدها، لأنها لم تنس هدفها الأول، وعادت لتلتحق بدراسة بمعهد الطيران، لتتخرج ثانيةً عام 2005 لكن هذه المرة "كابتن طيار"، وتبدأ أولى رحلاتها من داخل قمرة القيادة بعد حصولها على عمل فى إحدى شركات الطيران الخاصة، وبعدها تستقبلها شركة "مصر للطيران" فى سنة 2008 وتظل تتولى قيادة الطائرات بها حتى الآن.
وقالت ماجدة، لـ"اليوم السابع"، إنه على الرغم من أن المصرية عزيزة محرم هى ثانى امرأة تقود طائرة فى العالم، وأول سيدة تدرب الطيارين المصريين، لتصبح رئيسة معهد مصر للطيران فى الخمسينيات، ويتخرج من تحت يدها كبار الطياريين، إلا أنه حاليًا يوجد فقط ما يقرب من 15 إلى 20 سيدة من بين 2000 طيار فى مصر، بينهم هى فقط المصرح لها بقيادة الطائرات الضخمة التى تعبر المحيطات وتصل لأبعد بلادا لعالم منه طراز 777.
وأوضحت ماجدة مالك، أن تولى قيادة طائرة تحمل على متنها 355 شخصًا، وتحلق بها فى السماء لمدة 55 ساعة فى خلال 3 رحلات كل شهر، ليس أمرا سهلا، مشيرة إلى أن أى عمل لا يخلو من المشقة وكثيرًا ما يتطلب السفر ليلاً مما يسبب قلة النوم أحيانًا، ولكنه فى نفس الوقت مهمة تحمل الكثير من الروعة وتتطلب المزيد من الانتباه والدقة، بالإضافة الحفاظ على حلم الطفولة لم يكن سهلا كما تروى، مضيفة: "فالأحلام تحتاج إلى العمل الدائم لتحقيقها والحفاظ عليها.. فكما يحتاج الطبيب إلى المذاكرة والإطلاع طوال حياته، يحتاج من يتولى قيادة الطائرة للمذاكرة بنفس القدر، لكافة العلوم من الكيمياء للفيزياء وغيرها من العلوم التى يجب أن يكون قائد الطائرة ملما بها وبكل جديد فيها طوال الوقت."
"مثل الساحر فى السيرك تطير فى السماء بجسد محاط بكرتى نار".. هكذا تصف ماجدة لحظات عملها أثناء قيادة الطائرة، مضيفة: "نستخدم كل العلوم كالفيزياء والكيمياء وغيرهما من أجل حساب المسافات وإمكانيات الطائرات وغيرها، و"علم الجو"، وعلم السحاب بأنواعه والتضاريس، لأن مهمتنا دائمًا تتطلب أن نسبق الحدث بـ10 خطوات لتفادى المشكلات والمخاطر فى الجو، ومطبات الهواء، فيجب على الطيار أن يكون مستعدًا طوال الوقت فالصعوبة تكمن فى أن ترى الصورة كاملة بوضوح"، مستطردة ضاحكة: "لو لقيت حد بيدى إشارة بعربية فى مصر بيكون طيار، لأنه بيعمل حساب لكل حاجة، وما بيسبش حاجة للصدفة".
ماجدة مالك داخل الطائرة
تجاوزت ماجدة طيار إسبانى بعد بقطعها 3 آلاف و400 ساعة خلال رحلاتها فى قيادة الطائرة حتى الآن وما زالت تحلق لتنقل مزيدًا من المسافرين فى أمان، لتعطى مثالًا مشرفًا للمرأة المصرية وقدرتها على تولى القيادة، ولكن هذه المرة فى قيادة الطائرات.