-
المحاكم التأديبية والإدارية العليا تصدر أحكاما مختلفة حول الإضراب.. وشوقي السيد: الفراغ التشريعي تسبب في اضطراب الأحكام وعلى مجلس النواب التدخل
-
الإدارية العليا: إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية.. وتنظيم الإضراب مرتبط بقواعد الشريعة الإسلامية ومنها "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع"
-
حكم قضائي: الإضراب في مرفق الصحة انتهاك لحقوق المواطنين في الحياة والعلاج والمستشفيات
يناقش مجلس النواب، قانون العمل الجديد، بعد مراجعته من مجلس الدولة، تمهيداً لإقراره، ومن بين الملاحظات التي وضعها المجلس ما يتعلق بحق الإضراب المنصوص عليه في الدستور الحالي والذي ترك للقانون تنظيمه، سواء لموظفي الدولة أو العمال والعاملين بالقطاع الخاص، وذلك في الوقت الذي هدد فيه الصيادلة بالإضراب الجزئي.
جاء دستور 2014 لينص في مادته الـ 15 على أن "الإضراب السلمي حق ينظمه القانون"، وينظم قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 المعمول به حالياً الإضراب بالنسبة للخاضعين لأحكامه، وهو أيضاً ما يتم دراسته حاليا في القانون الجديد، في حين خلا قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 "الملغي" خلال سنوات العمل به، من تنظيم الإضراب بالنسبة للموظفين العموميين، مما تسبب في حالة فراغ تشريعي نتج عنها أحكام قضائية متناقضة في تفسير حق الإضراب ومن يحق له وما هي الفئات المحظور لها الإضراب خاصة هؤلاء الذين يتعلق عملهم بالأمن والصحة والعاملين في المنشآت الاستراتيجية والحيوية.
حالة الفراغ التشريعي هذه مستمرة حتى الآن مع إصدار قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، والذي جاء خالياً من تنظيم الإضراب، مما جعل قسم التشريع بمجلس الدولة يناشد المشرع بضرورة التدخل لتنظيم الحق فى الإضراب بالنسبة للموظفين العموميين، في ظل خلو قانون الخدمة المدنية من أي أحكام تتعلق بتنظيمه. وهي حالة الفراغ التي قد تذهب بالقانون الجديد إلى المحكمة الدستورية العليا، نتيجة ما يسمى بـ"الإغفال التشريعي".
التطور التشريعي للإضراب وعقوبات وصلت للمؤبد
والإضراب يختلف عن التظاهرات، فهو امتناع العاملين عن أداء عملهم، وذلك بقصد الإعلان عن احتجاجهم على أوضاع معينة أو عن مطالب بقصد إظهار السخط والاستنكار.
مر حق الإضراب في مصر بمراحل تشريعية عديدة، وتراوحت العقوبات ما بين الاكتفاء بالعقوبة التأديبية والحبس مدد لا تتجاوز 6 أشهر فقط، وفي أحيان أخرى صدرت قوانين أكثر تشدداً وصلت فيها العقوبات للمؤبد، منها القانون رقم 2 لسنة 1977 والذي تم إلغاؤه بسبب الانتقادات الشديدة التي تعرض لها، إلى أن أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المرسوم رقم 34 لسنة 2011 بتجريم الاعتداء على حرية العمل ونص في المادة الأولى منه على أنه مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام أثناء سريان حالة الطوارئ بعمل وقفة أو نشاط ترتب عليه منع أو تعطيل أو إعاقة إحدى مؤسسات الدولة، أو إحدى جهات العمل العامة أو الخاصة عن أداء عملها.
الاتفاقية الدولية و"الشريعة الإسلامية"
وافقت مصر على اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك إبان حكم الرئيس الراحل أنور السادات بتاريخ 1 أكتوبر 1981، واشترطت مصر الأخذ في الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معها، ومن بين ما تضمنته المادة 8 "الحق في الإضراب على أن يمارس طبقاً لقوانين القطر المختص..". وهنا ثارت الخلافات.
الحكومة اشترطت عند توقيع الاتفاقية بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، وهذه الشريعة لا تجيز الإضراب إذا كان القصد منه الإضرار بالغير أو إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها لا تتناسب مع ما يصيب المصلحة العامة ومصلحة المواطنين من ضرر، إعمالا لقاعدة الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام وقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وذلك وفقا لتفسير أحد الأحكام القضائية الصادرة من المحكمة الإدارية العليا.
جاء الدستور الجديد ونص ولأول مرة على حق الإضراب، لكن المحكمة الإدارية العليا أكدت على أن المقصود هنا هو الإضراب السلمي، كما أن المشرع استوجب لاستعمال هذا الحق إصدار قانون ينظمه. وقد نصت المادة الثانية من الدستور على أن الإسلام دين الدولة ومبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، فإن السلطة التشريعية مقيدة عند تنظيم هذا الحق بمبادىء هذه الشريعة التي لا تجيز التعسف في استعمال الحقوق، وهو ما أكده أيضاً المستشار عبدالفتاح أبو الليل، الرئيس السابق للدائرة الأولى فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا.
تناقض الأحكام حول إلغاء العقوبات من عدمه
في حكم أصدرته الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا، في الطعن رقم 24587، عاقبت فيه عدد من العاملين بالوحدة المحلية بقورص بمحافظة المنوفية، وأكدت على أن إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية، وإن كانت الحكومة تعهدت في الاتفاقية بكفالة حق الإضراب في حدود ما تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية فإن السلطة التشريعية ملزمة بأن تنظم حق الإضراب بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية وباعتباره من الحقوق المقيدة التي يجب ممارستها في إطار ضوابط معينة ولا يجوز التعسف في استعمالها.
واعتبرت أن الموظف العام قد اختير لأداء مهمة معينة وفقا لقاعدة التخصص وتقسيم العمل، ومن ثم فهو ملزم بأداء العمل المنوط به في الوقت المخصص له وفي المكان المخصص له وأن يطيع رؤساءه لأن طاعة الرؤساء تعتبر العمود الفقري في كل نظام إداري.وأنه إذا كان من حقه إبداء الرأي في الأمور العامة ولكن عليه وهو يمارس هذا الحق أن يتذكر دائما أنه موظف عام، وأنه يجب أن يلتزم في جميع تصرفاته بمقتضيات الوظيفة العامة، فهو ملتزم أيضا بأن يكون مسلكه كاشفا عن ولائه للدولة ولنظام الحكم القائم، والقدر الأدنى في هذا الأمر يتمثل في عدم مهاجمة نظام الدولة وفلسفتها الاجتماعية في الاجتماعات العامة أو الجلسات الخاصة وعدم القيام بأي تصرف يسيء إلى سمعة الدولة، أو أي تصرف يكون من شأنه النيل من سلامة النظام أو تجريحه، وعلى هذا الأساس فإن كل موظف يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة، وكل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في قانون الوظيفة العامة، فإنه يرتكب جريمة تأديبية تستوجب المؤاخذة وتستحق العقاب.
وتتناقض الأحكام القضائية، وتختلف حول تفسير ما إذا كان التصديق على الاتفاقية قد ألغى العقوبات على الإضراب والمواد المعاقبة له من عدمه، ففي حين يرى الحكم السابق ذكره أنه هذه الاتفاقية لم تلغ ضمنا النصوص المجرمة لحق الإضراب في قانون العقوبات لأن الإلغاء الضمني لا يكون إلا حيث يرد كل من النص القديم والنص الحديث على محمل واحد، جاء حكم آخر أصدرته المحكمة التأديبية في الدعوى رقم 220، والمتعلقة بإضراب قام به ما يقرب من 25 من أطباء وممرضات وأخصائيين وفنيين مستشفى الدعاة التابعة لوزارة الأوقاف، حيث رأت المحكمة أن الاتفاقية جاءت لاحقة على قانون العقوبات ولائحة الجزاءات للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وبالتالي فإن ما ورد من نصوص تحظر الإضراب وتحرمه على الموظفين العموميين بالدولة ملغاة ضمنياً.
قانون العمل وقانون الخدمة المدنية
وبالتمييز بين إضراب العمال أو العاملين بالقطاع الخاص الذين يحكمهم قانون العمل، وبين الإضراب الذي يقوم به الموظف العام الخاضع لقانون الخدمة المدنية الحالي وسابقه "قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة" قبل إلغائه، نجد أنه في قانون العمل الحالي رقم 12 لسنة 2003 نظم الإضراب في المواد 192 و193 و194 و195 ومنح العمال حق الإضراب السلمي على أن يكون إعلانه وتنظيمه من خلال منظماتهم النقابية دفاعا عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية في الحدود وطبقا للضوابط والإجراءات المقررة قانونا، إلا أنه حظر في المادة 194 الإضراب أو الدعوة إليه في المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي تترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي أو الخدمة الأساسية التي تقدمها للمواطنين، وهي المبادىء والأسس ذاتها التي نصت عليه مواد قانون العمل الجديد الجاري مناقشته بمجلس النواب والذي نظمها في المواد من 200 وحتى 204 منه.
أما موظفو الدولة أو العاملون في الخدمة العامة، فخلا قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 "الملغي" وقانون الخدمة المدنية الجديد من تنظيم الإضراب بالنسبة لهم، وهنا يظهر خلاف جديد وتناقض بين الأحكام القضائية.
ففي حين أن بعض الأحكام أكدت على أحقيتهم في الإضراب في حدود معينة وبضوابط وإجراءات محددة وصارمة، أكدت أحكام أخرى أن هذا الحق لم يمنح للموظف العام ولا يجوز الالتجاء إليه في المرافق العامة، لأن كل شخص يتحرك في سير هذه المرافق يجب عليه أن يضع الصالح العام فوق أي اعتبار آخر وفي الاشتراك في الإضراب تفضيل لصالح المضربين على الصالح العام وحسن سير المرافق العامة، لذلك لا يقبل من العاملين في المرافق العامة الادعاء بأن لهم الحق في الإضراب أسوة بالعمال في المشروعات الخاصة.
تقول المحكمة الإدارية العليا في حكمها في الطعون أرقام في الطعون أرقام 48967 و5221 و 54130، أن الموظف بقبوله للوظيفة العامة التي اسندت إليه قد أخضع نفسه لكل الالتزامات المترتبة على ضرورة سير المرافق العامة التي أنشئت لكي تشبع حاجات الجمهور التي لا غنى عنها، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بضمان سيرها بانتظام فأي تعطيل في سير هذه المرافق ينجم عنه أضرار بالغة الأهمية بمصالح الجمهور من ناحية واضطراب في النظام العام من ناحية أخرى. وعلى الأفراد أن يمتنعوا عن كل ما من شأنه إعاقة أو تعطيل هذه المرافق عن مواصلة رسالتها.
الإضراب محظور على الأطباء والصيادلة والعاملون في المطارات والموانئ
وتعددت الاجتهادات من قبل المحاكم في تحديد الضوابط التي يمكن الاهتداء بها في ظل غياب أي معايير تشريعية خاصة بالعاملين المدنيين بالدولة، ففي الحكم رقم 19485 لسنة 59 قضائية عليا، وضعت المحكمة 5 ضوابط أولها أن يكون الإضراب معلنا وبإخطار سابق إلى جهة الإدارة بعد استنفاد جهد معقول في التفاوض لحل أسبابه قبل اللجوء إليه، وأن يكون مؤقتا لمدة معلنة سلفا، وثالثهما أن يستهدف الإضراب الصالح العام وأن يكون جزئياً وألا يترتب عليه أي تعطيل للخدمات العامة الأساسية التي تقدمها الدولة وتتعلق بأمور حيوية وحقوق أساسية تسمو على أية حقوق أخرى مثل الصحة والأمن والدفاع.
ويكشف "اليوم السابع" عن قرار صدر عام 2003 إبان تولي الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق، أصدر قراره رقم 1185 لسنة 2003 بشأن تحديد المنشآت الحيوية أو الإستراتيجية التي يحظر فيها الإضراب عن العمل -وهو القرار المعمول به حتى الآن ولم يصدر ما يفيد إلغاءه- حيث تنص المادة الأولى منه على أن يحظر الإضراب عن العمل أو الدعوة إليه في المنشآت الحيوية أو الإستراتيجية التي يؤدي توقف العمل بها إلى اضطراب في الحياة اليومية لجمهور المواطنين أو الإخلال بالأمن القومي والخدمات الأساسية التي تقدم للمواطنين.
وحصر القرار هذه المنشآت في منشآت الأمن القومي والإنتاج الحربي، والمستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات والمخابز، ووسائل النقل الجماعي للركاب "النقل البري والبحري والجوي" ووسائل نقل البضائع، ومنشآت الدفاع المدني، ومنشآت مياه الشرب والكهرباء والغاز والصرف الصحي، ومنشآت الاتصالات، ومنشآت المواني والمنائر والمطارات والعاملين في المؤسسات التعليمية.
الإضراب في مرفق الصحة وانتهاك حقوق المواطنين
وفي فتوى قضائية أصدرتها الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، حول مدى مشروعية قيام الأطباء بالإضراب، أشارت الجمعية العمومية إلى وجود فارق في خصوص تقييد ممارسة الحق في الإضراب بين المرافق العامة التي تقدم خدمات حيوية للمواطنين وغيرها من المرافق، فالأولى هي المرافق التي تهدف إلى توفير خدمات للأفراد مما يترتب عليه حرمانهم منها خطورة على الحياة أو الأمن أو الصحة أو المقومات الأساسية للحياة، وهذه المرافق تفرض على ممارسة الإضراب فيها قيودا أكثر صرامة من تلك التي تفرض على غيرها من المرافق قد تصل أحياناً إلى حد الحظر التام.
صدرت الفتوى ردا على وزير الصحة حينما قررت الجمعية العمومية لنقابة الأطباء دعوة الأطباء للإضراب الجزئي المفتوح للأطباء العاملين بالمنشآت التابعة لوزارة الصحة.
وقالت الجمعية العمومية إن الإضراب في مرفق الصحة، يجب ألا يشكل اعتداء أو انتهاكا لحقوق أساسية أجمع عليها المجتمع الدولي وتمت حمايتها بالمواثيق الدولية والقوانين الداخلية وهي الحق في الحياة والحق في العلاج والحق في الكرامة الإنسانية وألا يتألم المريض وألا يشكل الإضراب جريمة عدم مساعدة شخص في خطر.
ويجوز لمجلس النواب فرض قيود عامة على ممارسة الحق في الإضراب ويجوز له فرض قيود خاصة على ممارسة هذا الحق لطوائف بذاتها وفقا لما يجريه من موازنة بين كفالة ممارسة الحقوق والحريات واعتبارات المصلحة العليا للمجتمع، ويجوز أن يحظر أنواعا معينة منه متى قدر أنها تخل إخلالا جسيما بحقوق الغير أو كان الضرر الناجم عنها غير متناسب مع المصلحة التي تقرر الحق من أجل تحقيقها، كما يجوز أن يفرض قيودا خاصة أكثر صرامة على ممارسة هذا الحق بالنسبة للطوائف المذكورة فيحرمهم جميعا أو بعض الفئات منهم من ممارسة هذا الحق دائما أو من خلال أوقات معينة.
وفي حكم أصدرته المحكمة الإدارية العليا وقضت فيه بفصل عدد من موظفي مجلس الدولة فصلا نهائيا عن عملهم، وذلك بسبب، إضرابهم عن العمل وقيامهم بقطع التيار الكهربائي عن بعض قاعات المحاكم، مما تسبب في إعاقة العمل، أكدت المحكمة على أن الإضراب غير السلمي لا يعد إضراب والعامل المضرب عن العمل إذا حمل أداة من الأدوات التي تعرض الأفراد أو المنشات أو الممتلكات للضرر أو الخطر لا يعد مضرباً، بل مرتكباً لعمل غير مشروع، والمضرب الذي يخل بالأمن أو النظام العام، أو الذي يعطل مصالح المواطنين أو إيذائهم أو يعرضهم للخطر أو يؤثر على سير العدالة أو المرافق العامة أو يقطع الطرق أو المواصلات أو النقل أو يعطل حركة المرور أو يقطع المياة أو الكهرباء بقصد تعطيل المرافق العامة، لا يرتكب عملا مباحا، إنما يرتكب عملاً إجرامياً يستوجب المؤاخذة.
مطالب لمجلس النواب بالتدخل وتنظيم "الإضراب"
ورغم كل هذه الاختلافات فإن كافة الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم التأديبية والمحكمة الإدارية العليا، والجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع اتفقت على مناشدة المشرع – المتمثل في مجلس النواب- بسرعة التدخل لتنظيم ممارسة هذا الحق لما له من آثار خطيرة على انتظام سير المرافق العامة بالدولة، ومع تهديد بعض الفئات كالصيادلة بالإضراب، لا سيما وأن الفقرة الثانية من المادة 8 من الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أجازت للدول التي صادقت على الاتفاقية، فرض قيود على ممارسة الحقوق المنصوص عليها ومن بينها الحق في الإضراب بالنسبة لطوائف معينة من العاملين، ويجمع بين هذه الطوائف قاسم مشترك هو تبعيتهم لمرفق عام يتعين استمرارها وانتظامها لارتباطها بخدمات حيوية وحاجات أساسية للجماعة.
يقول الدكتور شوقي السيد، الفقيه القانوني والدستوري:" طالما أن الدستور أقر حق الإضراب، وبالتالي أصبح من الواجب على مجلس النواب أن يبادر بتنظيم هذا الحق، وأن يوازن بين ممارسته وبين المصلحة العامة والنظام العام، بحيث لا يطغى أحدهم على الآخر".
ويضيف السيد:" أن الفراغ التشريعي في هذه الحالة هو السبب لاختلاف التفسير والرؤى في الأحكام القضائية، ويسبب اضطراب عند إصدارها لأن كل محكمة تجتهد في تفسير النصوص، وعلى المشرع أن يتدخل لحسم الأمر بنصوص واضخة ولغة لا تحتمل الخلاف".
سوابق قضائية بسبب "الإغفال التشريعي"
والمحكمة الدستورية العليا سبق وأن تعرضت لعدد من القوانين بسبب ما يسمى بـ"الإغفال التشريعي"، منها الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري في يوليو 2015 بإحالة قانون التأمين الاجتماعي، للنظر في مدى دستورية ما لم تتضمنه مواده بتحديد حد أدنى للمعاشات.
وقالت محكمة القضاء الإداري أن المحكمة الدستورية العليا في سبيل أداء رسالتها في حماية الدستور وممارسة اختصاص الرقابة على دستورية القوانين واللوائح لم تقصر هذه الرقابة على النصوص التشريعية الصريحة التي تصدر من المشرع، وإنما بسطت رقابتها ومدتها إلى حالات الإغفال التشريعي التي تقع من المشرع عند تنظيمه الحقوق التي كفلها الدستور حين يحجم المشرع ولا يتدخل لتنظيم ما كان من الواجب عليه أن يشمله بنص صريح ويترتب على هذا الإغفال التشريعي قصور في التنظيم التشريعي للحقوق يؤدي إلى الحرمان أو الانتقاص منها على خلاف أحكام الدستور.
وأصدرت المحكمة الدستورية العليا مؤخراً حكما آخر بسبب "الإغفال التشريعي" حيث جاء القانون قاصرا على تطبيق أحكامه على أداء فريضة الحج بالنسبة للمسلمين، دون زيارة بيت المقدس بالنسبة للعامل المسيحي الديانة.
بينما يرى الدكتور شوقي السيد أنه يمكن تنظيم حق الإضراب في قانون منفرد، ومجلس النواب لم يكن ملزماً بوضعه في قانون الخدمة المدنية، مؤكداً على ضرورة عمل دراسة فقهية وقضائية وسياسية دقيقة للتوازن لعدم تعارض الإضراب مع المصالح العامة للمواطنين، فلابد من وضع الضوابط اللازمة لأن المصلحة العامة تعلو على المصلحة الخاصة، ولا يجوز أن يتسبب الإضراب في الإضرار بالمصلحة العامة أو تعطيل مصالح الجماهير.