"تمرض ولا تموت".. هذا هو أفضل وصف للمعارك التى تحدث بين السلفيين والإخوان، فرغم اعتبار بعض الباحثين بالحركات الإسلامية، أن التيار الإسلامى كله وحدة واحدة لا تتجزأ ، ويستندون فى تفسيرهم لذلك بأن الإسلاميين يستقون مرجعيتهم الفكرية من نبع واحد، إلا أن المعارك بينهما تجدد على فترات.
فمؤخرا اشتعل الخلاف بين الدعوة السلفية وعلى رأسها الرجل الأبرز ياسر برهامى وبين جماعة الإخوان، لتتجدد المعارك بينهما وتتزايد سلسلة "الخناقات" بينهما، مكتسبة حلقة جديدة.
"التجربة المريرة التي وقعت بعد الثورة مِن خلال نموذج "الإخوان المسلمين" أدت إلى انحسار الدعوة الإسلامية، و"التحوصل" ضد المجتمع لدى الكثيرين مِن شباب الحركة الإسلامية، وكذلك "التحوصل" خارج المجتمع عند مَن لا يقبل الصدام، لكن كلاهما خطر كبير".. هكذا انتقد ياسر برهامى نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية جماعة الإخوان، حيث اعتبر أنهم تسببوا فى جعل التيار الإسلامى يظهر وكأنه ضد المجتمع والدولة؛ على حد وصفه.
ولم يكتف "برهامى" بالهجوم على الإخوان بل مدح وأثنى على الجماعة التى ينتمى إليها قائلا: "الدعوة السلفية" تمثـِّل السلفية العاقلة ، فهي تحافظ على الثوابت، وعندها مِن المرونة في المواقف ما يجعلها لا تصطدم بالمجتمع، وهم لا يريدون ذلك، وأعداء الأمة -ومَن يوالونهم في الداخل- يرون أن المحاربة الحقيقية للإسلام لن تؤت ثمارها مع وجود السلفية العاقلة ، هم يريدون مَن ينتسب للسلفية أن يكون صداميا مع مجتمعه، متحوصلاً ضده، أو -على الأقل- متحوصلاً خارج المجتمع؛ لينعدم أثره
وعضد "برهامى" حديثه قائلا : "الدعوة السلفية تحافظ على الثوابت في قضية الشريعة، وتـُحقق قضية الولاء والبراء بتوازن مهم جدًّا؛ فنحن نتمسك بأن الإسلام له الحق دون ما سواه، ومع ذلك نرعى حقوق المعاهدين مِن غير المسلمين، ولا نعتدى عليهم؛ وهو أمر لا يريده "الأعداء"، فهم يريدون مَن يذبح الناس، ومَن يقتلهم ممن يتصدر باسم السلفية لكي يمكن القضاء عليه.
"ادراج اسم برهامى فى القوائم السوداء لأنه من الأخسرين أعمالا".. هكذا ردت جماعة الإخوان على هجوم السلفيين لهم، كما أن "المجلس الثورى" التابع للإخوان فى تركيا شن هجومًا على نائب الدعوة السلفية قائلا :"برهامى مليء بالتناقضات، وله مواقف فى عهد الإخوان تتناقض مع مواقفه الآن، متابعًا: "ياسر برهامى، وما أدراك من هو ياسر برهامى، فقد باع جماعة الإخوان، وتواطأ ضد محمد مرسى، ويجب فضحه لأنه فاسد داخل التيار السلفى حرض على الكراهية والعنف".
لم يتوقف هجوم المجلس التابع للإخوان عند هذا الحد، بل قال: "برهامى لديه كثير من التناقضات قبل عزل محمد مرسى، وبعد عزله، وسنواصل فضحه خلال الفترة المقبلة"، مشيرًا إلى أن برهامى روج شائعات ضد الإخوان لذلك وأنه لا بد من محاسبته.
"كلاهما وجهان لعملة الإرهاب".. هكذا لخص باحثون وأزهريون التلاسن المشتعل بين الإخوان والسلفيين، وبدوره قال الشيخ أحمد البهى الداعية الأزهرى، إن كلاهما – أى الإخوان والسلفيين – سيئان، والهجوم المتبادل بينهما مجرد حرب مصالح.
وأضاف الداعية الأزهرى : النموذجان الإخوانى والسلفي كلاهما سيئان، واختلاف المصالح بينهما هو ما دفع السلفيين لمهاجمتهم.
وفى السياق ذاته قال هشام النجار، الباحث الإسلامى، إن الإخوان والسلفيين كلاهما أسهموا فى أزمة التيار الاسلامى الحالية بشكل أو بآخر، مضيفًا :"إذا كان أداء الاخوان المزرى في السلطة قد كشف زيف أسطورة أنهم والإسلام شيء واحد، وكشف محدوديتهم وقلة خبراتهم السياسية والاقتصادية، فإن ممارسات السلفيين المجتمعية وتعاطيهم مع الواقع الثقافي والاجتماعي خاصة في ملفات المرأة والأقباط والفنون والثقافة، كشفت وجها آخر لخطورة هذا التصعيد المفاجئ على التنوع المصرى وعلى الحالة المصرية التى تميزها خصائص تاريخية وحضارية من الصعب تغييرها او انتهاكها".
وقال أحمد عطا، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن كل من الاخوان والسلفيين، وجهان لعملة واحدة ألا وهى الإرهاب - إذا كان لجماعة الاخوان تنظيم خاص "سرى" ارتكب مذابح في الأربعينات من القرن الماضى وتنظيمهم المسلح خرجت من تحت عبائته جميع التنظيمات المسلحة، فإن بعض الفتاوى السلفية كفيلة بأن تشوه صورة الإسلام السمحة، والتى كانت محل جدل فى الفترة الأخيرة، والتي تبعث علي الانقسام بين أبناء الوطن الواحد.
وأوضح أن برهامي يهاجم الآخوان لأسباب مختلفة، أولها أن الجماعة كمشروع انتهت من الشارع المصرى، بعدما حمل تنظيمها السري المسلح المعروف بحسم ولواء الثورة السلاح في وجه الشعب المصر، والتيار السلفي يريد تقديم نفسه كبديل، وهو يعلم جيداً أن ادبيات الإسلام السياسي من خلال تنظيماته أصبحت غير موجودة في المشهد السياسي، واقتصر المشروع الديني علي مرجعية الأزهر ودار الافتاء فقط، ولهذا يحاول برهامي إنقاذ المشروع السلفي ليكون بديل عن جماعة الاخوان ليس في مصر ولكن في المنطقة العربية.