"هناك عجز مائى لدى إسرائيل، بسبب مخططاتها لاستقبال المزيد من المهاجرين اليهود، وهو الذى يدفعها للاستيلاء على كميات كبيرة من مياه طل من نهرى الأردن والعوجا، ونهر الليطانى اللبنانى، وتشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى أن العجز المائى فى إسرائيل قد بلغ أكثر من 800 مليون متر مكعب فى 1978، وهو فى زيادة مستمرة بطبيعة الحال، حسب متطلبات التنمية والزيادة الطبيعية لعدد السكان، وخطط تهجير يهود إلى إسرائيل، ومنهم يهود الفلاشا المنقولين من إثيوبيا".. هذه قضية مهمة يطرحها كتاب "مصر ومشكلة مياه النيل.. أزمة سد النهضة" للدكتور زكى البحيرى، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
ويتناول الكتاب حقيقة مسألة مياه النيل التى تمثل الحياة أو الموت بالنسبة لمصر، وقد أخذت تلك المسألة أبعاداً جديدة فى العقود الأخيرة بين دول حوض النيل.
وتناقش الدراسة الظروف الطبيعية لحوض النيل واتفاقيات المياه والتغلغل الصهيونى فى هذه المنطقة، وأثره على تعقيد المسألة المائية حتى تم التوقيع المنفرد على اتفاق (عنتيبى) فى منتصف عام 2010 فى تجاهل تام لحقوق مصر والسودان فى مياه النيل.
وترى الدراسة مخاطر سد النهضة والسدود والمشروعات الأخرى على منابع النيل ومحاولات مصر فى الوقت الحاضر معالجة تلك المخاطر والدفع بالبلاد نحو مستقبل أفضل رغم المخططات والحروب المحيطة بها.
وتؤكد الدراسة أن الاستراتيجية الأنسب لحل مشكلة سد النهضة وقضايا المياه فى حوض النيل لا تقوم إلا على التفاهم والتنمية والعمل المشترك، لأن أى صراع أو صدام بين دول الحوض ضد مصالح هذه الدول وضد عمليات التنمية ولا يخدم سوى مصالح القوى الخارجية المعادية.
والكتاب دراسة موسوعية معتمدة على كم كبير من الوثائق والمصادر المصرية والأجنبية، ويتطرق إلى كثير من المسائل والموضوعات الجغرافية والمائية والتاريخية والقانونية والسياسية، ويأتى فى ثلاثة عشر فصلًا٬ يتحدث فيها المؤلف عن نهر النيل وملامحه الجغرافية٬ وطبيعته الجيولوجية ومشروعات التخزين المائى فيه٬ ويناقش حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل فى ضوء موقف القانون الدولى الحاكم لاستخدامات مياه الأنهار الدولية.
ويتساءل المؤلف عن مدى خطورة "سد النهضة" على مستقبل مصر، ويبين أن هناك اختلافا حول تأثير بناء السد ومصر تخشى من انخفاض مؤقت للمياه يؤثر على توافرها نظراً لفترة ملء الخزان والانخفاض الدائم بسبب التبخر من خزان المياه، خاصة أن حجم الخزان يبلغ حوالى ما يعادل التدفق السنوى لنهر النيل على الحدود السودانية المصرية 65.5 مليار متر مكعب.
فإذا افترضنا أن فترة ملء الخزان ستكون 5 سنوات فهذا يعنى استهلاك السد لـ 15 مليار متر مكعب من الماء سنويا على مدار 5 سنوات، تخصم من مصر والسودان بنسبة حصتيهما 3 إلى 1 بما يعنى تناقص حصة مصر السنوية بحوالى 12 مليار متر مكعب على الأقل لتصل إلى 40-43 مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما قد يمثل كارثة بالنسبة لمصر. حينها ستصبح حصة الفرد أقل من 650 متراً مكعباً من الماء سنوياً أى أقل من ثلثى المعدل العالمى 1000 متر مكعب للفرد، كما أنه فى مقابل كل مليار متر مكعب تنقص من حصة مصر المائية، فإنه من المتوقع أن تخسر مصر 200 ألف فدان زراعى..كذلك السد سيؤثر على إمدادات الكهرباء فى مصر بنسبة 25% إلى 40%، مما سيعمق من أزمة الكهرباء التى تعيشها البلاد.
وحول سؤال من وراء تمويل السد؟ والدور الخفى لإسرائيل؟ يقول المؤلف إنها تعتزم تمويل كامل التكلفة بنفسها، كما أنها أصدرت سندات تستهدف الإثيوبيين فى البلاد وبالخارج، ويقال إن التمويل سيتم من قبل البنوك الصينية، وهذا من شأنه ترك 3 مليارات دولار أميركى يجرى تمويلها من قبل الحكومة الإثيوبية ومن خلال وسائل أخرى، وهناك معلومات متداولة عن تورط إسرائيل فى تمويل هذا السد بغرض التضييق على مصر فى أزمة المياه، إلا أنه لا توجد وثائق تؤكد هذا التورط، لكن فى الوقت ذاته فإن النفوذ الإسرائيلى فى دول حوض النيل صار حقيقة لا تقبل الجدال، حيث تأكد الوجود العسكرى فى أفريقيا.
مصر ومشكلة مياه النيل