صدر مؤخّرا عن معهد المخطوطات العربية كتاب "النصيحتين للأطباء والحكماء" تأليف موفق الدين أبى محمد عبد اللطيف بن يوسف البغدادى (ت629ه)، حقق الكتاب ودرسه الدكتور محمد كامل جاد، مدير مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث وهو الكتاب الأول ضمن مشروع يتبنَّاه المعهد لنشر "مكتبة الموفق البغدادى".
اشتهر الموفق البغدادى بكتاب "الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر" وقد أثار كثيرا من اللغط حوله، بسبب تجريحه عددًا من علماء عصره، والسابقين عليه والطعن فيهم، وخروجه فى كثير من الأحيان عن حدود التهذيب، مما يعكس حِدَّة فى الطبع، وبادله الذين انتقدهم، فعابوه، على أن ذلك لا يُقلِّل من قدره العلمى ومكانته، فقد ذهب ما قال فيهم وما قالوه فيه، وبقى لنا تراثه وتراثهم.
وأثار الموفق فى الكتاب الكثير من المسائل الطبية والحِكمية، لكن الملمح الأهم هو صدوره فيه عن نزعة نقدية جامحة للأطباء والحكماء فى زمانه. ويبدو من كلامه الإعجاب الكبير بطب الأوائل وحكمتهم من مثل جالينوس وبقراط، وانتقاده العنيف لطب المتأخرين –بحسب عبارته- من مثل ابن المجوسى والمسيحى.
ومما يلفت كلامه فى آخر النصيحة الثانية عن سيرته وطلبته العلم، والشيوخ الذين أخذ عنهم، والكتب التى قرأها وحفظها، حتى إننا واجدون شبه مشيخة أو برنامج علمى له.
يقول الدكتور فيصل الحفيان فى تقديمه "نحن أمام نص ماتع فى لغته ومادته ورؤيته التى صدر عنها، لا يكتسب قيمته من صاحبه فحسب، وإنما من كونه شاهدا، سواء اتفقت معه أو اختلفتَ، على حقبة تاريخية بالغة الأهمية، وعلى موقف لعالم بارز متمكِّن فى عدد من علوم عصره ومعارفه".