واهم من يظن أن أمير قطر تميم بن حمد، أو المعاونين له سيعدلون عن سياستهم الداعمة للإرهاب فى المنطقة، لأن القضية بالنسبة لهم لا تمثل فقط إستراتيجية، وإنما هى اقتناع مترسخ فى عقول غالبية أعضاء أسرة آل ثانى، خاصة أن جزءا من أفراد الأسرة الحاكمة فى قطر يعتنقون أفكار جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية الأخرى، ومن هنا يدعمون التنظيمات التكفيرية الإرهابية والإخوانية ووسائل الإعلام المتعددة التابعة لهم.
الاقتناع الفكرى لم يكن السبب الوحيد الذى دفع تميم ومن قبله والده لدعم الجماعات الإرهابية، بل هناك سبب آخر، وهو أن عددا من المسؤولين القطريين ثبت تورطهم فعلاً وليس قولاً فقط فى دعم الجماعات الإرهابية، فهناك شبكات كاملة وأفراد فى الأسرة الحاكمة متورطين فى قضايا إرهاب منظورة أمام القضاء الدولى ومتهمين بدعم وممارسة أعمال إرهابية، أبرزهم تورط عبدالعزيز بن خليفة العطية، نجل عم وزير دفاع قطر خالد العطية، فى تمويل تنظيم القاعدة الإرهابى فى سوريا، وجبهة النصرة، وتنظيم داعش، وهو ما تسبب فى إدانته غيابياً أمام محكمة لبنانية بالسجن لسبع سنوات، قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد ضغوط قوية مارستها الدوحة على السلطات اللبنانية، بالإضافة إلى عبدالعزيز بن خليفة العطية، هناك أيضاً عبد الرحمن النعيمى، المصنف من قبل وزارة الخزانة الأمريكية بأنه إرهابى خاص، حيث مول جماعة عصبة الأنصار فى عام 2001، ودعم تنظيم القاعدة بفروعه فى العراق وسوريا والصومال واليمن بملايين الدولارات خلال 10 سنوات، وقدم 250 ألف دولار لقادة حركة الشباب الصومالية الإرهابية، ودعم تنظيم القاعدة فى العراق بمليونى دولار شهريا.
وهناك أيضاً شخصيات قطرية أخرى، مرتبطة بالأسرة الحاكمة القطرية، ومتورطين فى قضايا دعم جماعات وتنظيمات إرهابية، وأسمائهم مدرجة فى قوائم الإرهاب الأمريكية وقوائم أخرى، منهم على سبيل المثال خليفة السبيعى الذى أدانته البحرين غيابيا بتهمة تمويل الإرهاب وكونه عضوا فى منظمة إرهابية، واتهمته واشنطن بتمويل الإرهاب نظير تقديمه دعما ماليا لقيادة القاعدة فى باكستان وفى الشرق الأوسط ومساعدته فى نقل التنظيم إلى جنوب آسيا، وكذلك سالم الكوارى وعبد الله خوار اللذين اتهمتهما وزارة الخزانة الأمريكية بأنهما وجها أموالا إلى إيران، وعملا على تقديم الدعم المادى لعناصر القاعدة فى إيران، أيضا «إبراهيم عيسى البكر» المواطن القطرى المعروف باسم «أبو خليل»، الذى تتهمه الولايات المتحدة بجمع أموال للقاعدة وطالبان، ومعه سعد الكعبيى وعبد اللطيف الكوارى القطريان المفروض عليهما عقوبات مكافحة الإرهاب فى أغسطس 2015 من جانب وزارة الخزانة الأمريكية بتهمة دعم جبهة النصرة وتنظيم القاعدة.
هذه الأسماء جزء من قائمة طويلة لشخصيات قطرية، بعضها ينتمون للأسرة الحاكمة، وآخرين مرتبطين بها، ومهمتهم الأساسية تقديم الدعم المالى للجماعات الإرهابية، ولا ننسى أن على رأس هؤلاء يجلس يوسف القرضاوى، مفتى التيارات الإرهابية، الذى يتم التعامل معه فى الدوحة باعتباره المستشار الدينى والفقهى للديوان الأميرى، وهذا الرجل معروف بتوجهاته المتطرفة والداعمة لكل السياسات التى تنتهجها الحكومة القطرية، ومنها على سبيل المثال حينما أفتى بجواز التعاون مع قوات الناتو للتخلص من العقيد الليبى الراحل معمر القذافى.
من خلال هذا الرصد للشخصيات القطرية المتورطة فى الإرهاب، سنصل إلى قناعة بأن أى حديث عن إمكانية تخلى تميم عن سياساته الحالية هو نوع من العبث، خاصة أن أمير قطر يحيط نفسه بدوائر نفوذ قوية، تفرض سيطرتها على مجريات الأمور، وعلى رأسهم أحمد بن ناصر بن جاسم آل ثان، رئيس المخابرات القطرية الذى وضع ونفذ كل خطط تمويل التنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح، وهذا الرجل يملك خزائن أسرار تميم وبقية أعضاء الأسرة الحاكمة، ومن الصعب أن يفكر تميم فى التخلى عن دعم الإرهاب دون موافقة من مدير مخابراته، المستفيد الأول من هذا الدعم.
فى مقابل عدم قدرة تميم على إحداث تغيير فى سياساته الخارجية تعيد الوائام مرة أخرى بين الدوحة وجيرانها الخليجيين، فإن الحديث يتصاعد الآن فى الشارع القطرى عن المستقبل، خاصة بعدما وضع تميم بلاده فى مهب رياح الغضب العالمى، لأن القضية لم تعد مقتصرة على غضب خليجى أو عربى، بل هناك رصد دولى الآن يجرى لكل تصرفات قطر وعلاقاتها بالجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وسبق أن تابعنا تحذيرات أمريكية للدوجة فى هذا الشأن، وسبقتها أيضاً تلميحات بريطانية وفرنسية تسير فى نفس الاتجاه، وهو ما أحدث نوعا من الارتباك داخل الديوان الأميرى القطرى، وظهور تكهنات باحتمالية حدوث عملية انقلاب داخل الأسرة الحاكمة على شاكلة الانقلابات التى عاشتها قطر طيلة الأعوام الماضية، وهناك أسماء لشيوخ من الأسرة بدءوا فى ترتيب أوضاعهم، لكنهم فى انتظار الوقت المناسب فضلاً عن حصولهم على أكبر تأييد من العائلات القطرية، خاصة مع قناعة ترسخت لدى الكثير من أعضاء الأسرة، ومن بينهم أشقاء لتميم بأنه حال استمرار الغضب الخليجى على الدوحة ستكون نتائجه كارثية، وربما يهدد وظيفة قطر ومبرر وجود نظامها السياسى، أخذاً فى الاعتبار أن القاعدتين الأمريكتين «العيديد والسيلية» لن يتدخل مرة أخرى لحماية تميم كما حدث فى 2014، حينما شهدت الدوحة محاولة خفية للانقلاب على تميم، كادت أن تنجح لولا تدخل العسكريين الأمريكيين ليعود تميم إلى كرسيه مرة أخرى دون أن يشعر أحد بحدوث محاولة للانقلاب عليه من أحد أشقائه.
ما يؤكد هذا التوجه حالة التخبط التى يعشيها الديوان الأميرى فى الوقت الحالى، وعدم ظهور تميم فى أى مناسبة عامة منذ إطلاق تصريحاته المسيئة التى أحدثت الغضب الخليجى والعربى عليه وعلى سياساته، والاكتفاء بظهور وزير خارجيته وعدد من الإعلاميين المحسوبين على الديوان الأميرى، وهو ما يلقى بظلال من الشك حول مصير تميم، وهل بالفعل قررت الأسرة أجراء عملية انتقال هادئ للسلطة كما حدث فى 2013، حينما تم إجبار الأمير السابق حمد بن خليفة للتنازل عن الحكم لنجله تميم.