عقوبات أمريكية جديدة يتم إعدادها داخل قاعات الكونجرس الأمريكى لفرضها على طهران، وتهديدات إيرانية مستمرة باللجوء للجانب العسكرى وتقوية أنظمتها الصاروخية للرد على العقوبات، وبين هذا وذاك تواجه "الاتفاقية النووية" المبرمة بين طهران والقوى العالمية (مجموعة 5+1) فى 15 يوليو 2015 والتى تضمنت رفع العقوبات التدريجى عن إيران مقابل مراقبة أنشطتها النووية، مصيرًا مجهولا بين الصمود أمام موجات التصعيد العاتية بين البلدين أو أن يتم نسفها فى قرارات الطرفين.
وفى أحدث حلقات التصعيد بين الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب وطهران، أقر مجلس النواب الأمريكى، بشبه إجماع، مشروع قانون يفرض عقوبات جديدة على كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، كما هدد الرئيس الأمريكى إيران بأنها ستواجه مشاكل كبيرة كبيرة، إذا لم تلتزم بالاتفاق النووى، وقال "إذا لم يؤد هذا الاتفاق إلى ما يفترض به أن يؤدى إليه، سيجلبون (الإيرانيون) لأنفسهم مشاكل كبيرة كبيرة".
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
تهديدات الرئيس الأمريكى، دفعت الرئيس الإيرانى المعتدل للخروج عن صمته المعتاد، وتخلى مؤخرا عن نبرة "الخطاب المعتدل" الذى لطالما أكد عليه فى إدارة ملف العلاقات الخارجية، وهدد بالرد على قرارات الكونجرس الأمريكى الجديدة، بتعزيز قدرة بلاده الدفاعية، قائلا "يجب أن نعمل علي تعزيز قدراتنا الدفاعية وسنقوم بتطوير وتعزيز جميع أسلحتنا الدفاعية دون الالتفاف إلى مطالب الأخرين، وسنواصل مسيرة دعم قدراتنا الدفاعية"، ما جعل المراقبون يرون أن العقوبات الجديد الأمريكية باتت تلعب بمصير الاتفاق التى توصلت إليه القوى الكبرى مع طهران بصعوبة، وفى 19 يوليو الجارى قال روحاني أيضا، "إن الإجراءات الأمريكية ضد بلاده تتناقض مع روح ونص الاتفاق النووي، مضيفا: "لن نتساهل مع انتهاك أمريكا للاتفاق وسنصمد أمام العقوبات".
عقوبات تحجيم نفوذ وتحركات الدولة الشيعية
لكن المراقبون يرون أن العقوبات الأمريكية التى تفرضها الإدارة الرافضة لإرث سابقتها (إدارة أوباما) التى وقعت الاتفاق النووى، فأن الهدف منها بغض النظر إن كانت عقوبات غير نووية أى لا تتصل بالبرنامج النووى وترتبط بملفات أخرى كحقوق الانسان ودعم منظمات إرهابية، هو تقويض تحركات الدولة الشيعية، التى باتت تهدد حلفاء واشنطن فى المنطقة، وأكدوا على أن الرئيس الأمريكى عازم على تحجيم نفوذ طهران فى المنطقة، والذى يرى أن إدارة أوباما منحت لهذا النظام قبلة الحياة بتوقيع هذه الاتفاقية وإمداده بأمواله المجمدة بالخارج.
الرئيس الإيرانى حسن روحانى
روحانى يتخلى عن النبرة المعتدلة
غير أن الرئيس المعتدل بدت نبرة خطابه تعلو تجاه الولايات المتحدة الأمريكية منذ تصويت مجلس الشيوخ الأمريكى فى يونيو الماضى بأغلبية ساحقة على مشروع قرار يفرض 4 حزم من العقوبات غير النووية على إيران، كما تحدى الولايات المتحدة بعد فرض عقوبات أخرى فى يوليو الجارى فى المجال الاقتصادى على 10 مؤسسات و8 مسئولين، بتهمة دعم برنامج إيران الصاروخى الباليستى والمشاركة فى أنشطة إجرامية دولية، بتسريع قرار قُدم فى يونيو لزيادة المخصصات المالية للبرنامج البالستى الإيرانى والحرس الثوري وصوت البرلمان الإيرانى فى وقت سابق.
وتزامن فرض العقوبات هذه المرة مع مساعى الدولة العميقة فى إيران إلى تصدير صورة مغايرة للواقع، عن التوافق والانسجام بين الرئيس ومؤسسة الحرس الثورى، عقب موجة من التراشقات بين قادة تلك المؤسسة والسلطة التنفيذية (الرئيس) خلال الفترة الماضية، وتعمدت وسائل إعلام طهران نشر صورًا للقاء جمع لأول مرة بين قادة الحرس الثورى البارزين يرافقهم قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليمانى مع روحانى، وهنأ القادة روحانى خلال اللقاء بالفوز بولاية ثانية، فى مشهد تعمدت فيه الدولة العميقة تصديره للخارج من أجل مواجهة التهديدات الخارجية بعد التقارير التى انتشرت حول الانقسام والاقتتال الداخلى بين الحرس الثورى والرئيس.
روحانى وقادة الحرس الثورى
أما على صعيد التهديدات الإيرانية والإجراءات التى سترد بها على العقوبات، لم تحددها، ونقلت وسائل إعلام عن نائب وزير الخارجية وكبير المفاوضين النوويين عباس عراقجى، أمس الأربعاء، الذى قال إن إيران سترد إذا ما أقرت الحكومة الأمريكية فرض عقوبات جديدة عليها، مضيفا إن العقوبات التي يجرى بحثها في الكونجرس الأمريكى "تمثل عملا عدائيا واضحا تماما"، وأكد على أن العقوبات الجديدة يمكن أن تقلص المزايا التي تحصل عليها إيران بموجب الاتفاق النووى، كما أعلنت لجنة الأمن القومى والشئون الخارجية فى البرلمان الإيرانى عقد جلسة طارئة السبت لمناقشة الرد الإيرانى.
وسبق وأن هدد الحرس الثورى الإيرانى، القواعد العسكرية الأمريكية فى المنطقة، وقال قائد الحرس الثورى محمد على جعفرى، 19 يوليو الجارى على الولايات المتحدة أن تنقل قواعدها على بعد 1000 كلم من إيران إذا كانت تريد فرض عقوبات على طهران، ولم يكن التهديد الأول للقواعد الأمريكية، حيث هدد قائد القوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقرى، قواعد الولايات المتحدة حال إدارج واشنطن الحرس الثورى على قوائم الإرهاب أو فرض عقوبات عليه، قائلا "فرض عقوبات أو إدراج الحرس الثورى على قوائم الإرهاب، يعد مجازفة كبيرة للولايات المتحدة وقواعدها وقواتها المنتشرة فى المنطقة".
قائد الحري الثورى وقاسم سليمانى
وبخلاف العقوبات والتهديدات التى تطلقها طهران ، تسعى الأخيرة لاستغلال التضارب الحاصل فى المواقف من إيران بين الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته بشأن الاتفاق النووى لصالحها، لتكون ورقتها الرابحة فى حدوث انقسام داخل أروقة البيت الأبيض ما سيعطل تقنين العقوبات الجديدة والتعامل معها، بعد أن كشفت تقارير فى مجلة "فورين بوليسي" عن سعى ترامب إلى استبعاد "تيلرسون" وجهاز الخارجية عن اتخاذ أى قرار في هذا المجال، أثر عدم استجابة الخارجية لطلب تزويد الرئيس الأمريكى بمواد تمكنه من اتهام طهران بعدم الالتزام بالاتفاق النووى.
من جانبها كشفت المعارضة الإيرانية بالخارج عن تفاصيل العقوبات، وقالت إن لائحة «قانون 2017 لمواجهة نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار» تضع قوات الحرس في قائمة الإرهاب العالمى Specially Designated Global Terrorists طبقا لأمر رئاسة الجمهورية رقم 13224. وتنص هذه اللائحة القانونية على أن «الإدارة الأمريكية يجب عليها أن تفرض بعد تحويل اللائحة إلى القانون أن العقوبات خلال 90 يوما على كل الأفراد والكيانات الإيرانية والخارجية من مسؤولين وعناصر موالين لقوات الحرس»، ويتم تجميد أرصدة الأفراد المشمولين المدرجة أسمائهم فى القائمة فى أمريكا ويمنع المواطنون الأمريكيون من الصفقات المالية معهم، ولا يحق لأى فرد أو شركة أمريكية أن يقيم علاقات مالية وتجارية وخدمية مع أى من الكيانات والأفراد المرتبطين لقوات الحرس مباشرة أو غير مباشرة وأن يخرق هذه العقوبات.