قد يبدو عنوانُ المقال شعريًّا مجازيًّا، لكنه غير ذلك. قد يتبادر لذهن القارئ الكريم أننى سأتحدثُ، مثلا، عن العيش المشترك المتحضّر بين المختلفين فكريًّا أو سياسيًّا أو عَقَديًّا أو طائفيًّا، كما تدعو كثيرٌ من مقالاتى، لكن الأمر غيرُ ذلك. وقد يبدو الشطرُ الأخير من عنوان المقال: «كما أسراب الطيور»، كأنما هو عنوان قصيدة، أو قطعة أدبية، لكن الأمر غيرُ ذلك. فلستُ بصدد كتابة قصيدة، إنما أنا بصدد الكتابة عن «قصيدة» حيّة شهدتُها فى صعيد مصر. لمستُها بيدى، وعانقتُها وقبّلتُها. دُهِشَ منها عقلى عجبًا، وخفق لها قلبى، فرحًا وزهوا.
مكتوبٌ على بابِهم ما يلى:
«هل سبق وتأملت سربًا من الطيور؟ هل تساءلت لماذا تختارُ الطيور دائمًا أن تطير فى جماعات، بتناغم كامل وتآزر مُتقن؟ الطيرانُ فى سربٍ يهبُ الطيورَ قوة ويمنحها الحماية. الطيرانُ ضمن قطيع يُزيد من فرصة نجاة كل طائر من أفراد ذلك القطيع. تلك هى فلسفة «القطيع الصغير» التى بلّورت النهج الذى عليه أنشأنا عالمنا الصغير: قطيعٌ من الطيور يحلّق معًا كطائر واحد، يُقوّى أحدُهم الآخر. نحن نحبُّ عالمنا ونكافح بكل ما فى وسعنا من أجل تطويره. لهذا، نُكيّف استراتيجيات تطوّرنا وفق ثقافة كل مجموعة وحسب احتياجاتها، نؤمن أنه من أجل أن يغدو السربُ قويًّا، فلابد أن يتقوّى كلُّ فرد من أفراد تلك المجموعات المُهمّشة، حتى ينمو عفيًّا، ولكى نفعل ذلك، كان لابد أن نبدأ بمفتاح مستقبل أى مجتمع: «الأطفال والشباب.. أولئك هم القطيعُ الصغير».
دعوةٌ كريمة، جعلتنى أزورُ ذلك العالم الجميل: مركز «الحياة معًا»، فى قرية دير البرشا، مركز ملّوى محافظة المنيا، عروس النيل الجميلة. جمعنى حديثٌ مع رجل الأعمال المثقف، مهندس محفوظ نصر الله، المشغول بفكرة «النشء الطيب» و«الطفولة الصالحة» فى مصر. رجل ذو وعى رفيع، يعرف أن إصلاح مستقبل مصر يكمن فى رعاية أطفالها الحاليين الذين سوف يغدون بعد بضعة أعوام هم شعبها الذى يحبّها ويذود عنها، وحكّامها الذين يصنعون قرارها ويقرّرون مصيرها. حدّثنى عن دار أيتام يُفكر فى إنشائها بالإسكندرية، ومن أجلها سافر من محلّ إقامته فى كندا، إلى مصر الوطن حتى يضع لبِنتها، ويخطّط مراحل بنائها. ثم عرّج بنا الحديثُ عن مركز فى صعيد مصر أنشأته طبيبةٌ نفسية شابّةٌ مع مجموعة من الشباب المثقف، تقوم فلسفتُه على «دمج» الأطفال المُهمّشين ذوى الإعاقات الذهنية، ضمن نسيج المجتمع، لمحو عزلتهم. لهذا اختار القائمون عليه اسم «الحياة معًا.. القطيع الصغير»Life Together .. The Little Flock. الخميس الماضى، قمتُ بزيارة ذلك المركز مع مهندس محفوظ نصر الله، والسيد رأفت إسكندر، سفير النوايا الحسنة بالأمم المتحدة، فلمسَ قلبى الفرحُ حين رأيتُ ما يصنعه شبابُ بلادى فى صعيد بلادى. أدركتُ يومها السبب وراء بقاء مصر رغم كل صروف الزمان التى تتوالى عليها على مرّ العصور. مصرُ باقيةٌ رغم المحن والعثرات، لأن بها بشرًا رائعين يعملون فى صمت من أجل استقرارها، دون ضجيج ولا إعلام. شهدتُ بعينى الحبّ الغامر الذى تحمله قلوبُ مجموعة الشباب من المدرّبين والمعلّمين لأطفالنا الذين منحتهم السماءُ منحة الانفصال الجزئى عن واقعنا التعس الذى نحياه نحن بكامل وعينا. نُسمّيهم «ذوى إعاقة ذهنية»، وربما يُطلقون هم علينا أيضًا نفس المصطلح. فنحن من نصنع الحروب، لا هم، ونحن من نقتتل من أجل المصالح الرخيصة، لا هم، ونحن من نكره ونتآمر ونتباغض، لا هم. هم يعيشون فى عالم مسالم جميل لا يعرف سوى الحب. وربما كانت فلسفة دمجهم فى نسيج مجتمعنا، حتى نتعلّم نحن منهم الحب، قبل أن يتعلّموا هم منّا الحياة. فى عام 2006، نظرت مجموعةٌ من شباب مركز ملوى حولهم فى تلك المنطقة من صعيد مصر، فحصروا ما يزيد على 1250 طفلا يعانون من الإعاقات الذهنية المختلفة، ولم يجدوا أية مراكز تقدّم لهم الرعاية، على طول خمسين قرية شرق النيل وغربه يعيش فيها ما يقارب المليون نسمة. فقرر ذلك الشباب الواعد من فورهم إنشاء ذلك المركز المتخصص وبدأوا فى التخطيط وإعداد الكوادر المُدرّبة على أحدث أنظمة التأهيل العلمية عام 2006، وتم افتتاحه وتشغيله عام 2009.
كانت فكرة المركز هى تأهيل ودمج، ليس فقط الأطفال المأزومين، بل وأُسرهم أيضًا. يبلغ عدد العاملين بذلك المركز الرائع حوالى ٦٠ شابًّا وشابّة، منهم أربعون مدّربًا من خريجى الجامعات، وعشرون إداريًّا. يرعى المركز ما يزيد على 200 فرد من ذوى الإعاقة، من عمر يوم واحد، إلى عمر 20 عامًا، سواء بتقديم خدمات مباشرة داخل المركز، أو من خلال تدريب وتمكين الجمعيات الأهلية المحيطة بالقرى، من إنفاذ فلسفتهم المتحضرة: «التأهيل المرتكز على المجتمع». تلك الفلسفة التى تعمل على توعية المجتمع ليُطوّع إمكاناته المختلفة لخدمة الأشخاص من ذوى الإعاقة، التى تتدرج من الإعاقة الذهنية البسيطة إلى المتوسطة إلى الإعاقات البالغة. هذا المركز هو أحد روافد مؤسسة «القطيع الصغير» المُشهرة بالقاهرة عام 2009، وتعمل بالتعاون مع الجهات الحكومية والمؤسسات الاجتماعية والتنموية فى مصر، تحت فلسفة: «تنمية إمكانيات الأشخاص المهمشين ليصبحوا ذوى فاعلية فى أسرهم ومجتمعاتهم». وهذا يقترب من النهج الغربى الذى تنهجه الدول المتحضّرة. أولئك الأطفال لا يتم عزلهم فى دول العالم الأول بمدارس منعزلة، بل يذهبون مع أقرانهم إلى المدارس العادية، مع وجود مدرس ظل، Shadow Teacher مرافق لكل طفل، يساعده على التعلّم والاندماج مع بقية الأقران. لأن عزل أولئك الأطفال يُزيد من تعثّرهم، ويخلق بينهم وبين أقرانهم سورًا عاليًّا لا يستطيع الواقفون على جانبيه، من الطرفين، هدمه ولا تخطّيه فى مقبل الأيام، تحية احترام وفخر بذلك المركز والقائمين عليه.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
كل من طلب من الله اباده العدو او ازلاله فهو غير مؤمن بالله بل بالشيطان
المؤمن الحقيقي يدعوا للغير بالهدايه وقلبه ممتلئ بالحب للجميع ولا يقاتل الناس ويحرقهم ويفتكهم فهذا لا يعدوا عن كونه سفاحا او مجنونا
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
كل من دعي الله لاهلاك العدو غير متأكد من الدعاء لانه لو كان كذلك لدعي لهم بالهدايه
فاعقاده بالاستجابه يجعله يدعوا لهم لا عليهم
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
لا يوجد ما يسمي بعدو ديني و لا عدو الله فهذه مسميات ادرجت للشر بين الناس
لا يخصنا اعداء الدين واعداء الله فان كان الايمان حقيقيا فالله اولي بهم
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
اخترع الناس مسميات الكافر والمرتد والذنديق لنشر الفوضي والشر بين الناس
وكلها مسميات لا شأن لنا بها لانها من اختصاص المعبود وليس للعبد سلطان عليها فكان الله اولي واعلم يهم
عدد الردود 0
بواسطة:
الأسكندراني
الأنسان
.....مساء الخير ........أأتى على الأنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا .... نعم ياربي ...كان ..............قتل الأنسان ......ما أكفره .........من أى شيئ خلقه ...............لاحول ولاقوة الابالله ........معا ...معا ....معا ........حتى لو قولا من حمير ....!!!!!!!!!! يارب تكونوا ليه فاهمين ..و...مساء الياسمين .......ومساااااااء الفل .