لست أزعم معرفة كاملة بما حدث، ولا أبغى إلاّ سرد بعض ما حصل فعلا ورأيته بعينى وسمعته عن كثيرين , ولا أسعى لفرض تصور ذهنى محدد لدى القارئ، وربما يؤيدنى البعض فيما أذكر وقد يُنكر آخرون , لكنها الرغبة الملّحة فى تدوين التجربة كما خضتها , وكما عايشتها وقد تقصّيت بعضها , فوقر فى نفسى وعقلى ضرورة توثيق ما سبق .
حديث عن باب، والأصدق أن القصة عن باب تراه كباقى الأبواب لكنه قائم بذاته مستقلا عّما يحيط به من موجودات , منفصلا عن المكان , باب مادى بالمعنى الحرفى فلا يجوز الإبحار فى الخيال وتصور ما لم أقصد , لكنه أيضا يختلف كما ذكرت عن أى باب آخر لذلك وجب الحديث عنه بشيء من التفصيل لإجلاء بعض ما اعترى الحكاية من غموض .
" باب خشبى " قديم لا تخطئه العين , كتلك الأبواب التى نراها فى بيوت الأحياء القديمة بصورته وشكله التقليدى , لا شيء يميّزه عن باقى الأبواب سوى أننا وجدناه .
كان قائما فى بيت قديم يقع فى مكان مهجور , وقد علاه التراب وتغّير لونه كثيرا حتى ضاعت معالمه وتاه لونه الأصلى , ومع ذلك لا يزال يحتفظ بصلابته وقوته , كما لو كان صُنع بالأمس القريب . لا نعرف تاريخ صنعه أو بداية وجوده بالمكان أو من أين أتى أو من جاء به ولماذا فى هذا المكان ؟! جميعها أسئلة دارت فى أذهان من سبقونا كما تدور فى عقولنا ولا نجد لها إجابة شافية .!
وجدناه أو وجده من كان قبلنا قائما يتوسط مسافة بين جدارين بقاعة فسيحة شبه مظلمة ببيت قديم , قيل أن أصحابه هجروه منذ زمن بعيد, ولم نتوقف نحن أو السابقين لمعرفة من هؤلاء ولماذا رحلوا ؟!
وللباب , مزلاج أو مقبض كباقى الأبواب , وإن كان ليّن سهل الحركة , تديره بيدك بسهولة رغم الصدأ البادى عليه وقدم الباب نفسه هو شيء يدعو للعجب ! .
وقد حدثّنى البعض ممّن فتحوا الباب وولجوا خلاله بدافع من تطفل أو مغامرة , عن شعور غريب سيطر عليهم , وعن حالات من مشاعر متناقضة تبعث على القلق , فمنهم من قال : فتحت الباب , وعبرت خلاله وكان بى شيء من حزن وهم فوجدت نفسى أرقص طربا وفرحا وقد ذهب حزنى وهمى , ولا أدرى لذلك سببا .
بينما عبّر آخر عن حالة من الحزن والأسى قد سيطرت عليه عقب دخوله من الباب وتراءت أمام عينيه أشباح لأشخاص رحلوا للعالم الآخر , وتواترت عليه ذكريات مريرة جاهد كثيرا فى نسيانها . ولم تعد حياته كما كانت .
وقد سألت كل من عبر خلال الباب عن شعوره وكيف تبدّلت أحوالهم , سمعت كثيرا منهم , جميعهم تغّيروا بعد عبورهم الباب , وجميعهم أكدّوا أن المرور خلاله قد أحدث فيهم تحولا لا يدرون له سببا. ثم أن جميعهم حذرونى حينما وجدوا شغفا واستعداد لدى للتجربة , فلما رأوا إصرارى وعزمى انتابتهم شفقة غريبة انهمرت من عيونهم ومضوا صامتين .
وأخيرا وبعد عناء من التفكير , وصلت للبيت القديم , ووقفت أمام الباب والذى ينتصب بباحة واسعة ويتوسط جدارين عظيمين , وقفت فترة غير قصيرة مترددا وجلا , يتنازعنى صراع ما بين المرور والوقوف على عتبته وشعرت وكأن عيون تتلصص على وترقبنى من بعيد .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة