خاسر من يظن ولو للحظة أن غزل وعروض المتآمرين السخية ستغنيه عن أحضان أشقاءهم، تلك الأخيرة التى ابتعد عنها أمير دولة قطر تميم بن حمد رغم حدوده الملاصقة لهم، ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية فى يونيو الماضى عبر الضفة الشرقية من الخليج العربى ليرتمى فى حضن الغريب، ويستقوى به على اشقاءه، بل ويمعن فى استفزازهم، والمساعدة على تنفيذ الدولة الشيعية لأجندتها السياسية العبثية فى الخليج لإثارة القلاقل هذه المنطقة التى تعج بالأزمات.
أفرزت الأزمة الخليجية علاقات أكثر وثوقا من أى وقت مضى بين الجمهورية الاسلامية فى إيران ودولة قطر، تلك العلاقات لم يكن وليد اللحظة بل كانت نتاج سنوات من علاقات متجذرة مشبوهة جمعت البلدين، ففى تسعينيات القرن الماضى اغمضت الدوحة أعينها عن سياسات طهران العبثية، بينما كان يرتفع حجم التوجس الخليجى من سياسات الملالى، وقلق من أنشطتها النووية، وتحركاتها المريبة فى الإقليم، إلا أن والد تميم حمد بن خليفة آل ثانى، بدا واضحا انحياز الدوحة نحو بناء علاقات مع طهران، وتعمد تتويج وتوثيقها بعلاقات خفية مع هرم السلطة والحرس الثورى.
تاريخ العلاقات المشبوهة لتنظيم الحمدين وملالى إيران
وصلت العلاقات المشبوهة بين البلدين إلى ذروتها فى عام 2015، حيث شهد هذا العام تعزيز التعاون الأمنى لأول مرة بين "الحرس الثورى وما يسمى بالجيش القطرى"، عبر بتوقيع اتفاقية أمنية وعسكرية تحت مسمى "مكافحة الإرهاب والتصدى للعناصر المخلة بالأمن فى المنطقة"، كانت إحدى بنودها السرية، "منح حق تدريب قوات قطر البحرية للقوات البحرية التابعة للحرس الثورى الإيرانى فى المنطقة الحرة بجزيرة قشم جنوب إيران"، وقبلها بعامين لجأت الدوحة عام 2013 إلى القوات الإيرانية، لتدريب خفر السواحل القطرية فى مجال مكافحة المخدرات، كما زار أمير قطر السابق فى 2010 طهران والتقى بالمرشد خامنئى، ووقعت قطر مع خلال الزيارة اتفاقية أمنية وشهد هذا العام زيارت متبادلة، و رفعت من تعاونها العسكرى مع الحرس الثورى.
كما استقبل ميناء الدوحة لأول مرة سفناً عسكرية للحرس الثورى الإيرانى، حاملة قيادات عسكرية إيرانية لإجراء لقاءات من أجل التوصل إلى تفاهمات أمنيّة بين الطرفين، وشمل الأسطول 3 بوارج حربية كانت سفينة سهرابى، سفينة دارا وسفينة مهدوى وسفينتان للإسناد هما ناصر 111 وناصر 112، وحضر الاجتماع سفير إيران فى قطر آنذاك عبدالله سهرابى والممثل العسكرى فى السفارة ما شاء الله پورشه، وأفضى إلى توقيع اتفاقية أمنيّة أخرى بين البلدين لم تعلن بنودها، ورغم الاختلافات فى الرؤى السياسية بين البلدين فى العديد من الملفات إلا أن طهران نظرت إلى الدوحة كموطئ قدم لها فى الخليج، والصيد الثمين الذى سيقربها خطوة نحو حدود السعودية الحصينة آنذاك، رغم أن صراعها مع الأخيرة لم يكن وصل ذروته قبل 2015 إلا أن التوتر كان قائم.
ونرصد فى السطور التالية تسلسل زمنى لبئر الخيانة القطرية ولجوءها إلى إيران منذ اشتعال الأزمة الخليجية يونيو الماضى:
1- فى أوائل يونيو الماضى أثار تحول المسئولين الإيرانيين إلى النقيض من قطر بعد اندلاع الأزمة دهشة المراقبين، فبعد أن كان يصف إعلام طهران تميم بعراب الارهاب، دافع المسئولون عن سياسات تميم. كما استقوت قطر بعناصر الحرس الثورى وقدرتهم تقارير إعلامية خليجية بما يقرب من 10 آلاف جندى وضابط إيرانى، بالإضافة إلى تحركاتها المشبوهة داخل الدوحة للسيطرة على مفاصل الإمارة وصنع القرار، فضلا عن سماح الدوحة لطهران بانشاء قاعدة عسكرية داخلها لحمايتها.
2- ولأن إطالة أمد الأزمة الخليجية كان أحدى أهداف طهران، فرغم الدعوات الداخلية والخارجية التى نادتها بالابتعاد عن الأزمة الخليجية والنأى بنفسها بعيدا عن خلاف الأشقاء فى الخليج العربى، والانتقادات التى طالت الدور القطرى، إلا أن طهران مارست سياسة من شأنها تعميق الأزمة وأمعنت فى اقحام نفسها داخلها، وسارت على هذا النهج حتى كتابة هذه السطور، وبخلاف تصريحات مسئوليها لاستفزار أطراف الأزمة، ومساندتها لدولة الارهاب، اوفدت طهران مبعوثها "حسين جابرى أنصارى" مساعد وزير الخارجية الإيرانى للشئون العربية والأفريقية الذى يعد رجلها الأول فى الملفات الشائكة فى المنطقة خاصة الملف السورى، إلى دولة قطر للقاء وزير الخارجية القطرى الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثانى وتسليم رسالة شفهية من روحانى إلى تميم، أفصح عن مضمونها فى مقابلة له مع صيحفة شرق الاصلاحية، وقال إن طهران أبلغت الدوحة موقفها من الأزمة وحاولت تبرئة نفسها من اتهامات "سكب البنزين على النار" فى الأزمة.
3- حاولت طهران فى 6 يونيو استثمار القطيعة ومنع هبوط الطيران القطرى فى المطارات الخليجية والعبور من أجواءها، لملء جيوبها بدولارات الإرهاب القطرية، واعتبرت أن المجال الجوى الإيرانى سيكون المنفذ الوحيد أمام الدوحة للهروب من القرارات العربية والخليجية، وقالت أن "سماء إيران أنقذت طائرات قطر". وأكد مسئول إيرانى أن خطوط الطيران القطرية ستعبر من الآن وصاعدا الأجواء الإيرانية نحو أوروبا وأفريقيا، وأنه سيتم فتح المجال الجوى الإيرانى أمام الطائرات القطرية.وبحسب وكالة مهر، قال المسئول في شركة المطارات الإيرانية إن الطريق الوحيد لعبور الطيران القطرى هو سماء إيران، ما سيرفع دخل البلاد من رسوم الطائرات القطرية التى سوف تعبر الأجواء الإيرانية.
4- وفى 12 من يونيو الماضى، دعا رئيس اتحاد المصدرين الإيرانى، محمد لاهوتى، بلاده لاستغلال الفرصة وفتح شركات إيرانية لمنافسة الشركات التركية فى الدوحة، مشيرا إلى أن الأزمة فى الخليج أظهرت أن هناك تراجعا لبلاده فى الأسواق القطرية أمام تركيا، ورفع مشكلة إصدار التأشيرة لرجال الأعمال الإيرانيين.
5- وفى 27 يوليو الماضى، استجابت قطر وأصدر مدير إدارة الشئون القنصلية بالخارجية القطرية، تعليمات بتسهيلات لإصدار تأشيرة لرجال أعمال فورية خاصة برعايا إيران، بصفة عاجلة لمدة شهر قابلة للتمديد لمدة 5 أشهر أخرى، وفضحت وثيقة تم تسريبها العلاقات المتنامية بين البلدين والتى لديها أهداف خبيثة، حيث عبر المراقبون عن قلقهم واصفين ذلك بأنه احتلال للدوحة، محذرين من تغلغل التجار الإيرانيين داخل الدوحة سيفتح الباب أمام تجنيسهم فى هذا البلد الذى يعتمد فى تركيبته السكانية على المجنسين، لمنح تواجدهم داخل قطر غطاء قانونيا وإقامة شرعية داخل البلاد.
6- وفى أوائل شهر اغسطس الجارى استغلت دولة الملالى حالة التراجع التى تعيشها الإمارة للتغلغل داخلها، واتخاذتها مدخلا لغزو منطقة الخليج العربى، والتوسع وزيادة النفوذ على حساب القوى الكبرى فى المنطقة وأمنها القومى، وزيادة حجم التبادل التجارى معها، وكشف صادقيان رئيس اللجنة الزراعية بغرفة التجارة الإيرانية أنه خلال الأيام الأولى للأزمة الخليجية، تم تصدير 200 طن من البضائع الإيرانية تشمل الفاكهة والخضروات من مدينة شيراز إلى الدوحة، كذلك تم تصدير أولى شحنات الألبان. كما كشف رئيس الدائرة التعاونية لمنتجى المواد الغذائية في إيران، مهدى كريمى تفرشى، ارتفاع صادرت إيران من من المواد الغذائية إلى قطر بعد الأزمة الخليجية من 200 إلى 300 مليون دولار فى عام 2017، بعد أن كان حجم الصادرات الإيرانية لقطر فى عام 2016 لا يتجاوز 18 إلى 20 مليون دولار.