فى عام 2006 نشرت الصحفية البريطانية، ميلانى فيليبس، كتاب بعنوان "لندنستان: كيف خلقت بريطانيا دولة إرهاب فى الداخل"، وثقت فيه نشأة ونمو الجماعات الإسلامية المتطرفة داخل المملكة المتحدة، وكيف سمحت الحكومات البريطانية باستضافة أصحاب الفكر المتطرف الفارين من بلادهم فى الشرق الأوسط، وانتقد بشدة ما وصفته الكاتبة بـ"التقبل المزعوم للآخر".
وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على الطبعة الأولى للكتاب، الذى نفذت جميع طبعاته بمجرد نزولها الأسواق، تظل بريطانيا البلد الأوروبى الأول فى إيواء آلالاف من العناصر الإرهابية التى شكلت تهديدا لأوروبا بل وللشرق الأوسط، مع ظهور تنظيم داعش فى العراق وسوريا وانضمام مئات البريطانيين له، وهو ما تنبأت به ميلانى قبل 11 عاما عندما ذكرت أنها تكاد ترى صورة كاملة لتحديد لندن كمركز لعقد المؤامرات اﻹرهابية على مناطق شاسعة ومتعددة فى جميع أنحاء العالم.
وبحسب وسائل الإعلام البريطانية فإن نحو 1000 متطرف يحملون الجنسية البريطانية، انضموا إلى الجماعات الإرهابية فى العراق وسوريا، وحتى عائلات أولئك الشباب، من أصل عربى مسلم ممن وقعوا فى شبكات غسيل العقول وتم تحويلهم إلى التطرف، يتهمون لندن بدفع أبنائهم للتطرف عبر رعاية المئات من الدعاة المتطرفين الذين ينتشرون فى المساجد البريطانية ويتمتعون بحق اللجوء بدعوى تعرضهم للاضطهاد من قبل حكوماتهم.
وتمثل أسماء بارزة لدعاة متطرفين تورطوا فى التخطيط لهجمات إرهابية فى الشرق الأوسط، مثل أبو حمزة المصرى وأبو قتادة الأردنى وأنجيم تشودرى، مثالًا قويًا على توفير بريطانيا خلال العقود السابقة ملجأ للكثير من الإرهابيين فى العالم، وإن كانت قامت بترحيل بعضهم فيما بعد نتيجة لضغوط من الولايات المتحدة وغيرها لمحاكمتهم.
وفى مايو الماضى، قال شقيق سليمان العبيدى، الذى فجر نفسه فى حفل غنائى فى مانشستر وقتل 22 شخصا، لمحققين من قوة مكافحة الإرهاب الليبية فى طرابلس، أن أخاه سلك منحى متشددا فى 2015، حينما كان يقيم فى بريطانيا، ما يؤكد خطورة الوضع فى واحدة من أهم عواصم العالم.
واليوم الجمعة، كشف جيلز دى كريشوف، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب فى الاتحاد الأوروبى، أن بريطانيا تأوى نحو 35 ألف إسلامى متطرف، وهو ما يزيد عن أى بلد آخر فى أوروبا، داعيًا إلى وضع من هم أكثر خطرًا تحت المراقبة 24 ساعة فى اليوم و7 أيام فى الأسبوع.
وبحسب صحيفة الديلى تليجراف البريطانية، فإن دى كريشوف حذر من 3000 شخص متطرف يمثلون قلقًا كبيرًا للاستخبارات البريطانية الداخلية MI5، كما حذر من محاولة تنظيم داعش شن هجوم إلكترونى على محطات الطاقة النووية أو نظم مراقبة الحركة الجوية خلال السنوات الخمس الماضية.
وأوضح أن المملكة المتحدة تعرفت على ما بين 20 و35 ألف شخص متطرف بينهم 3000 يمثلون قلق خاص، وبينهم 500 يخضعون للمراقبة الخاصة المستمرة، مضيفًا أن فرنسا لديها 17 ألف متطرف وإسبانيا أقل كثيرًا، لكن أكثر من 5 آلاف، وهناك 500 شخص فى بلجيكا انضموا للجماعات الإرهابية فى سوريا لكن البلاد تضم أكثر من 200 متطرف، وقال كريشوف :"لا أود أن أفترض أرقام مؤكدة، لكن أوروبا لديها عشرات آلاف المتطرفين الإسلاميين، الذين قد يزيدوا عن 50 ألفا".
وطالما ما نشرت الصحافة البريطانية حوادث مجتمعية تشير إلى تمدد نفوذ هذه الجماعات الإرهابية داخل المجتمع البريطانى، ومن بينها قضية مثيرة للجدل، كشفت عنها صحيفة تايمز البريطانية، هذا الأسبوع، بعدما نشرت تقريراً مطولاً عن مأساة طفلة إنجليزية مسيحية أسند دار رعاية بريطانى حضانتها لأسرة مسلمة متطرفة، مشيرة إلى أن الطفلة تعانى من الممارسات المتشددة، فى ظل حياتها مع تلك الأسرة المقيمة بمقاطعة تاور هامليتس، والتى يدير شئونها العمدة لوتفور رحمان، المرتبط بجماعات إرهابية تدعو لتأسيس دولة خلافة إسلامية فى أوروبا.
وبحسب الصحيفة البريطانية ، كشف تقرير مسرب عام 2014 أن رحمان، عمدة مقاطعة هامليس تاور الواقعة شرق لندن والتى يتواجد بها دار الرعاية الذى سلم الطفلة لسيدة منتقبة لرعايتها، يرتبط بالعديد من الكيانات الإسلامية المتطرفة والجمعيات غير واضحة النشاط، والتى يدعوا بعضها إلى تأسيس دولة خلافة فى أوروبا.