"إنهم يكذبون علينا ونحن نكذب عليهم".. لخصت كلمات رئيس الوزراء القطرى السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثانى علاقات بلاده مع إيران خلال لقائه مساعد وزير الطاقة الأمريكى دانيال بونينان فى العاشر من ديسمبر 2009، وفقا لما سربته وثائق ويكيليكس فى نوفمبر 2010، وعلى مدار الـ 3 أشهر الماضية أصبح الكذب يحكم العلاقة المتنامية بين قطر وطهران، نكاية فى دول الرباعى العربى التى حاولت إرغام الدوحة على وقف تمويلها للإرهاب عبر حزمة عقوبات.
ولأن الكذب والمراوغة ليست جديدة على الدوحة التى تتخذه منهجا لها فى سياساتها، فقد سعت لتعزيز علاقاتها بطهران متخذة من الاتفاقيات الموقعة مع الحرس الثورى فى 2015 أرضية لتوثيق تلك العلاقات، وهو ما تماشى مع سياسات طهران الرامية لتنفيذ أجندتها الخاصة فى الخليج، وتلاقت أهداف الطرفين الخبيثة فى العمل على استفزاز أطراف الأزمة.
تجلت علاقات الكذب بين الدوحة وطهران خلال الـ100 يوم الماضية التى مرت على الأزمة، فى العديد من مواقف وتصريحات الطرفين، كان أبرزها تسريب السفير الإيرانى السابق لدى قطر، عبد الله سهرابى معلومات من داخل النظام القطرى، وكشف عن نية أمير قطر تميم بن حمد آل ثانى للانسحاب من مجلس التعاون الخليجى. وفى مقابلة لصحيفة "جام جم"، قال سهرابى "وفقا للأنباء الواردة من قطر، الأمير تميم كان يعتزم الانسحاب من عضوية مجلس التعاون الخليجى منذ بداية الأزمة وتوقيع عقوبات على بلاده وخفض الرباعى العربى العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة لكن مستشاريه نصحوه بالتريث".
الكذب المتبادل من الطرفين، جعل طهران تدافع عن تميم وفى نفس الوقت تعترف بدعمه للإرهاب وتفضح دوره المشبوه فى إيواء التنظيمات المسلحة وتمويلها فى سوريا والعراق، على نحو ما قالته صحيفة "كيهان" المتشددة عن تميم فى مقال لرئيس تحريرها حسين شريعتمدارى العام الماضى، والذى عارض تمويل شركة تملكها أخت تميم لفيلم إيرانى شهير، وقال حينها إنها "دولارات دعم الإرهاب".
دافعت طهران عن تميم لأنها وجدت فى الأسواق القطرية ضالتها، بعد أن فتحت الدوحة أبوابها أمام التجار والبضائع الإيرانية والتى أغرقت بها أسواقها، وبدافع تحقيق انتعاش اقتصادى لاقتصادها المتدهور، واتخاذتها مدخلا لغزو منطقة الخليج العربى، والتوسع وزيادة النفوذ على حساب القوى الكبرى فى المنطقة وأمنها القومى، حيث تم تصدير 200 طن من البضائع الإيرانية خلال الأيام الأولى للأزمة الخليجية شملت الفاكهة والخضروات من مدينة شيراز إلى الدوحة، كذلك تم تصدير أولى شحنات الألبان، بحسب تصريح لصادقيان رئيس اللجنة الزراعية بغرفة التجارة الإيرانية.
تكثيف المساعى الإيرانية لاختراق الدوحة
كل هذه العلاقات القائمة على الكذب والخيانة والاستغلال، تدفع للتفكير فى السيناريوهات المستقبلة لهذه العلاقات فى ظل استمرار الأزمة الخليجية، أولى هذه السيناريوهات تتمثل فى بقاء المساعى الإيرانية لاختراق الدوحة، لتنفيذ أجندة الحرس الثورى المشبوهة فى الخليج، وتوثيق علاقاتها بالإمارة نكاية فى المملكة العربية السعودية فى ظل العلاقات المتوترة معها.
تكثيف الزيارات واللقاءات المتبادلة
تكثيف طهران من الزيارات واللقاءات المتبادلة بين البلدين سيناريو آخر، حيث كانت آخرها زيارة وزير الطرق وبناء المدن الإيرانى عباس آخوندى على رأس وفد كبير، التقى خلالها بأمير قطر فى 5 أغسطس الجارى وشارك فى افتتاح ميناء حمد، وجاءت بعد زيارة أخرى لرئيس الأمن القومى والسياسة الخارجية علاء الدين بروجردى، وزيارة أخرى لمساعد وزير الخارجية حسين جابرى أنصارى، ومن المتوقع أن تكثف إيران من زيارة مسئوليها.
استغلال إطالة أمد الأزمة
إطالة أمد الأزمة، سيناريو جديد لطهران، تهدف من ورائه انشغال البيت العربى والخليجى الذى يتصدى لسياساتها بالخلافات، من أجل تنفيذ أجندتها فى المنطقة، واستثمار ذلك لرفع مستوى العلاقات مع الدوحة، وهو ما تحقق بالفعل بعد أن أعادت قطر سفيرها أغسطس الماضى إلى إيران.
التضحية بتميم فى الوقت المناسب
وأبرز السيناريوهات التى قد تلجأ إليها طهران بعدما ينتهى دور تميم معها وتتمكن من تحقيق أهدافها، هى التضحية به والمساعدة على إسقاطه، إذا حاول تميم التراجع عن دعم إيران فى مواجهة الويلات المتحدة الأمريكية أو الدول العربية الكبرى، مع ظهور رغبة إيرانية لفتح الباب أمام دعم أى بديل لتميم وإقامة علاقات متوازنة مع الدوحة تضمن إخلاء الميدان السورى من العناصر الإرهابية التى يدعمها تميم، والتى تقاتل ميليشا طهران ضدها.