"تبلورت مساحة جديدة لتعزيز التعاون العسكرى الأمنى بين إيران وتركيا".. بهذه الكلمات لوح الرئيس الإيرانى حسن روحانى عقب لقاء جمع بنظيره التركى رجب طيب أردوغان فى كازاخستان، على هامش قمة منظمة التعاون الإسلامى للعلوم والتكنولوجيا، لتحالف بدأ يظهر فى الأفق بين البلدين، حيث جمعهما الاستفتاء الكردى لأكراد العراق المقرر إجراؤه فى 25 سبتمبر المقبل على طاولة حوار واحدة، ما أثار أيضا تساؤلا حول جدوى التحالف فى إيجاد آلية لمنع استفتاء تقسيم العراق؟.
رسم استفتاء الاستقلال الكردى منعطفا جديدا فى تاريخ العلاقات الإيرانية التركية، التى دخلت مرحلة جديدة من التنسيق بين البلدين، وأصبحت على أعتاب تحالفا جديدا مدفوعا بمخاوف تداعيات ونتائج الاستفتاء على أكراد كلا البلدين، وفتح الباب أمام زيارات متبادلة ولقاءات مكثفة بين مسئولى البلدين.
انسجام فى المواقف ضد الاستفتاء
ورغم التوترات التى شهدتها العلاقات التركية الايرانية الفترات الماضية وصلت إلى حد السجال الإعلامى والتراشق الحاد، إلا أن العلاقات الاقتصادية والجوار الجغرافى سيظل دائما العامل على التهدئة بين البلدين، الذين يتلاقيان فى ملفات ويفترقان فى أخرى، وتأتى فى مقدمة الملفات، التى تلاقت فيها رؤى وأهداف البلدين هو رفض تقسيم العراق عبر استفتاء الانفصال الكردستانى.
تداعيات الاستفتاء خطيرة على البلدين
أصبح استفتاء الأكراد العراقى، يشكل مصدر إزعاج لكلا البلدين، وشكل منعطفا خطيرا ستكون له تداعياته داخل البلدين المجاورتين للعراق، واختفت حدود الخلافات السياسية والتنافس التاريخى وتعارضهما فى ملفات عديدة فى المنطقة على رأسها الملف السورى والعراقى، وجمعتهما مخاطر الاستفتاء على بلادهم، التى يشكل العنصر الكردى داخلها إحدى القوميات، ففى إيران يوجد نحو 10% من السكان أكراد بحسب احصائيات غير رسمية، ويراودهم طموح الانفصال قبل الثورة الإيرانية، نتيجة لسياسات النظام ضدهم وحرمانهم من التعلم بلغتهم الام، وهو ما شجعهم على القيام بعمليات مسلحة ضد قوات الأمن الإيرانية فى الفترات الأخيرة، وفى تركيا يمثل الأكراد حوالى 15 إلى 20% من السكان، عاشوا صراعًا متأصلًا مع الدولة التركية.
وجاء أيضا رفض إيران للاستفتاء على نحو ما قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمى، الأسبوع الجارى، أن مواقفنا تجاه العراق وسيادته ووحدة أراضيه وقضية الاستفتاء قد أعلنا عنها ولا نكررها، آمل بان تساعد العقلانية والحكمة فى المنطقة بأن لا تزداد تعقيدا الأوضاع المعقدة أساسا والسائدة اليوم فى هذه النقطة الحساسة من العالم، وحول طلب مسعود البارزانى من إيران للتوسط بين بغداد وإقليم كردستان العراق قال إننا نرغب بمواصلة المفاوضات التى كانت قد بدأت سابقا بين بغداد وأربيل، وأن تثمر عن نتائج إيجابية.
وتابع المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن بلاده وفى ضوء علاقاتها الجيدة مع الأكراد والحكومة المركزية وسائر الفئات والشخصيات العراقية تسعى قدر الإمكان للحيلولة دون بروز بعض الأزمات، التى يمكنها أن تكون خطيرة ومدمرة إلى حد بعيد.
القلق المتنامى من الاستفتاء الكردى، فتح الطريق أمام كبار رجال الأمن الإيرانيين للقيام بزيارة تاريخية لتركيا، ففى زيارة نادرة منذ الثورة الإيرانية 1979، قام رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقرى، أغسطس الماضى بزيارة إلى تركيا يرافقه قائد قوات الحرس الثورى الإيرانى الجهاز الأمنى الأقوى فى إيران، وطرحت توقيت الزيارة العديد من التساؤلات وأثار الكثير من علامات استفهام على الساحة السياسية.
ومن خلال السيرة الذاتية لأكبر مسئول أمنى رفيع بإيران وربطها بالأزمات التى تعصف بالمنطقة، يمكن فهم أسباب الزيارة والإجابة على تساؤلات المراقبين، فاللواء باقرى فى إيران قبل توليه منصب قيادة القوات المسلحة، كانت له تجربة طويلة فى التعامل الأمنى مع المنظمات الكردية المسلحة من خلال عمله فى أجهزة المخابرات، وانضم للحرس الثورى بعد اندلاع التمرد العسكرى الكردى شمال غربى البلاد عقب قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وكان ممن درسوا ووافقوا على عمليات الحرس الثورى الذى نفذها على عمق 10 كلم داخل الأراضى العراقية فى التسعينيات ضد قواعد الحزب الديمقراطى الكردستانى الإيرانى وحزب كوملة الكردى الواقعة على الجبال بين إيران والعراق، بحكم عمله فى الاستخبارات.
طموحات الانفصال ستكون المحرك للنزعة الانفصالية فى إيران وتركيا
الطموح الكردى بالانفصال فى المنطقة أثار قلق الدوائر السياسية فى البلدين، ورفضا الاستفتاء، لأن هذا الطموح سيكون المحرك والدافع فى عودة النزعة الانفصالية لدى أكراد إيران ويشجع أكراد سوريا وتركيا على إقامة كيان على الحدود السورية التركية، على نحو ما صرح اللواء باقرى، عقب عودته من تركيا، "أن وجهات نظر البلدان مشتركة حيال استفتاء الاستقلال فى إقليم كردستان العراق، وأن تركيا وإيران تؤكدان أن الاستفتاء غير ممكن ويجب أن لا يحدث.. وأن هذا الاستفتاء لو جرى سيشكل اساسا لبدء التوتر والصراع فى داخل العراق، التى ستطال تداعياته دول الجوار".
وبخلاف زيارة باقرى، التقى منذ يومان الرئيس الإيرانى حسن روحانى نظيره التركى رجب طيب اردوغان فى العاصمة الكازاخية أستانا، نوقش فى هذا اللقاء موضوع الاستفتاء بشأن انفصال إقليم كردستان العراق عن الدولة العراقية، وشدد الطرفين على ضرورة منع خلق أزمة جديدة فى العالم الإسلامى قد يؤدى إليها تنفيذ مبادرة الاستفتاء هذه، وعقب اللقاء أعلن روحانى، عن تبلور ما وصفه بـ"مساحة جديدة" لتعزيز التعاون العسكرى الأمنى بين إيران وتركيا، مشيرا إلى أن العلاقات بين البلدين متطورة جدا فى الوقت الراهن.
موافقة إيرانية على الجدار التركى
الانسجام فى الموقف التركى الإيرانى لم يقف فقط عند حدود استفتاء الأكراد، بل امتد لموافقة سريعة من قبل القيادة الإيرانية على جدار قررت تركيا إنشاؤه على الحدود مع إيران، على الخط الحدودى بين محافظتى آجرى وايجدير التركيتين، لمنع تسلل عناصر حزب العمال الكردستانى الذى تصفه أنقرة بالارهابى إلى أراضيها، ووافقت طهران لإبعاد تهم توفير الملاذ الأمن للحزب الكردستانى، وحول الجدار، قال الناطق الرسمى باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمى أن بلاده ترحب بكافة المبادرات التى تجعل الحدود بين البلدين أكثر أمنا وأشار إلى أن السلطات التركية أبلغتهم حول خطة بناء الجدار الحدودى ولفت إلى أن الجدار سيتم بناؤه داخل الأراضى التركية، وليس على الخط الحدودى مباشرة.
لكن يستبعد المراقبون أن يجد هذا التحالف آلية لمنع الاستفتاء الكردى فى ظل الوتيرة السريعة التى يسير نحوها الاقليم العراقى، ورغم رفض مجلس النواب العراقى والتصويت بالرفض عليه.
اكراد العراق
اردوغان وروحانى
جدار تركيا
اللواء باقرى فى تركيا
باقری يلتقى اردوغان