"اليوم السابع" من قلب "أربيل" قبل استفتاء انفصال الأكراد.. انقسام بين الساسة والأحزاب.. مواطنون: انفصالنا محكوم عليه بالفشل.. ونخشى القطيعة مع العالم

الأحد، 17 سبتمبر 2017 11:08 ص
"اليوم السابع" من قلب "أربيل" قبل استفتاء انفصال الأكراد.. انقسام بين الساسة والأحزاب.. مواطنون: انفصالنا محكوم عليه بالفشل.. ونخشى القطيعة مع العالم رئيس إقيلم كردستان مسعود برزانى
رسالة أربيل ـ محمد محسن أبو النور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

18581726_10210516130951774_1603300295150098777_n

بهبوط طائرتك فى مطار أربيل الدولى، عاصمة إقليم كردستان العراق، تجد نفسك فى أرض عربية، هويتها الكردية ظاهرة للعيان، فكل الأشياء مكتوبة باللغتين العربية والكردية، وكل موظفى المطار بدءا من ضابط الجوازات، وحتى عمال حمل الحقائب، يتحدثون العربية، لكنهم بالرغم من ذلك يتشبثون بهويتهم الكردية ولا يتحدثون إلا الكردية فى أحاديثهم البينية.

مطار أربيل
 

مطار أربيل الدولى

فى الطريق من مطار أربيل إلى وسط المدينة ، كان اليوم السابع على موعد مع الكثير، فى زيارة هامة تعكس خطورة الاستفتاء وتداعياته على منطقة الشرق الأوسط بأكملها وليس العراق وتركيا وإيران فحسب.

 

فى أربيل ، يلاحظ كل ذى عينين أن الحشد يجرى على قدم وساق لدفع المواطنين قدما نحو التصويت بـ"نعم" فى الاستفتاء على الانفصال (تفضل الحكومة الكردية والحزب الديمقراطى الكردستانى استخدام لفظة استقلال بدلا من انفصال) المزمع عقده يوم الاثنين المقبل الموافق 25 من الشهر الجارى، وهو ما يبدو من خلال كم الدعايا الضخمة الهائلة التى تكسو جانبى كل الطرق والشوارع الرئيسة فى المدينة.

 

هذا هو الجانب الظاهر من الصورة، غير أن هناك جانبا آخر قد لا يظهر كثيرا من الوهلة الأولى، إلا بالاقتراب من المواطنين الكرد على مختلف توجهاتهم، ففى الطائرة التى امتلأت تقريبا عن آخرها بمصريين يعملون فى أربيل، مهندسين ومعلمين وموظفين، يوجد عدد كبير من الأكراد الذين كانوا فى زيارة إلى مصر ويعودون لبلدهم.

 

لا مبالاة بالاستفتاء

لا تبالى فاطمة، الفتاة ابنة السيدة الكردية التى اختار لها والدها العربى المتحدر من العاصمة العراقية بغداد اسما عربيا، بالاستحقاق التصويتى من الأساس، فمن وجهة نظرها أن الانفصال قد يجلب على الأكراد مشاكل لا حصر لها، ليس لهم قبل بها، خاصة فى هذا الظرف الإقليمى والدولى غير المواتى، لاسيما أن العراق لم ينته من حربه ضد الإرهاب.

مواطنون أكراد

مواطنون أكراد

أما خالد سائق التاكسى، الذى درس العلوم السياسية فى جامعة بغداد، والذى تحدثنا معه، فأكد أنه لن يذهب إلى الصندوق من الأساس؛ لأنه لا يؤمن أصلا بجدوى العملية السياسية برمتها، معتقدا أن المهم بالنسبة له كشاب جامعى درس أكثر العلوم الإنسانية رقيا، الحصول على فرصة عمل لائقة تتناسب مع مؤهله الجامعى، وهو ما لم يتحقق له بالرغم من أن الحكومة الكردية فى أربيل لديها حكم ذاتى مستقل تماما على الحكومة المركزية فى بغداد.

 

وردا على سؤالنا حول السبب فى رغبة بعض السياسيين الذهاب إلى الاستحقاق، وتصويت برلمان كردستان العراق على إجراء الاستفتاء فى موعده، حتى بعد المباحثات التى جرت بين مندوبى التحالف الدولى (أمريكا ـ المملكة المتحدة ـ فرنسا) ورئيس الإقليم مسعود بارزانى، وعرضهم مشروعا بديلا، اكتفى خالد بعبارة واحدة ابتسم بعدها ولم ينبس: "لله فى كرده شئون".

مسعود بارزانى

مسعود بارزانى

ثروة كردستان

فى الطريق من أربيل إلى كركوك تتشكل معالم الثروة الكردية بصورة واضحة لكل ذى أنف وعينين، فرائحة المعادن المستخرجة من المناجم الواقعة بالقرب من جادة الطريق شديدة الوضوح، وخاصة معدن الفوسفات ذى الرائحة النفاذة، لكن المشهد الأكثر دلالة على قدر الثروة التى يحظى بها الإقليم، هو النفط الطافى على سطح الأرض والذى لا يحتاج إلى حفر وتنقيب.

 

وفى هذا الموقع يخرج النفط إلى أعلى الأرض بقوة دفع الجيولوجيا فى باطنها، من دون شركات نفط عملاقة ولا بريمات حفر وغير ذلك، وهنا يبرز سبب الاختلاف على الانفصال، لأن هذه الثروة النفطية الهائلة التى كانت تذهب إلى الحكومة المركزية فى بغداد، ويتم إنفاقها على كل العراقيين، عرب وكرد وتركمان وغيرهم من مكونات الجمهورية، سوف تكون فقط من نصيب الأكراد؛ ما سيوفر لهم ثروة مهولة تمكنهم من إقامة الدولة التى يحلم جيل المؤسسين بها.

 

غير أن الحقائق الميدانية، تجسد حسابات مختلفة، من خلال الحديث مع الناس فى الشوارع، والبائعين فى المحال التجارية، وحتى الموظفين فى قطاع الفندقة، الذين انقسموا إما بين رافض تماما للاستفتاء من الأساس، معتقدا أنه سيضر الأكراد على المديين القريب والمتوسط، أو غير مبالى بالمشهد السياسى، منكفئا على ذاته فى تدبير لقمة العيش اليومية، وتكاليف الحياة التى باتت أكثر ارتفاعا مع الأزمة المالية التى يمر بها الإقليم منذ عدة أشهر.

 

بين التكريد والتتريك والتعريب

فى مغطس أحد الأندية الصحية، اقترب منا شقيقان صغيران، منصور (عشرة أعوام) وأخوه الأكبر محمد (أحد عشر عاما) اللذان يدرسان فى إحدى مدارس المعارض التركى الشهير، عبد الله جولن، تلك التى تضم نحو 13 ألف طالب كردى، والتى أخضعتها حكومة الإقليم لإشراف وزارة "التربية" فى أربيل قبل نحو عام.

عبدالله-جولن-1-660x330

المعارض التركى عبد الله جولن

 

منصور ومحمد لا يتحدثان العربية، لكنهما يجيدان الإنجليزية والتركية، فضلا عن لغتهما الأم "الكردية"، سألناهما: هل تحبان العرب؟ قالا: لا. وببراءة الأطفال واصلا حديثهما مؤكدين أن كردستان أقرب إلى تركيا من العرب، ومن الواجب أن تقيم أربيل صداقات مع تركيا لا مع العراق.

 

بلا شك هناك جيلا جديدا محتملا فى كردستان أصبح مؤهلا للتخلى عن فكرة انتمائه لمحيطه العربى وثقافته العربية، وبدلا من ذلك يحب اللغة التركية ويحب الأتراك، ويرى أنهم قدوة فى كل شىء، ولذلك عندما يذهبان (محمد ومنصور) إلى الحلاق يطلبان منه قصة تشبه قصة شعر، النجم التركى، مراد باش أوغلو.

جانب من مؤتمرات الجماهيرية قبل استفتاء الانفصال

جانب من مؤتمرات الجماهيرية قبل استفتاء الانفصال

ثقافة مصرية

ويتضح أن حكومة إقليم كردستان فى شكلها الدستورى الحالى، أو حتى فى حالة إعلان الانفصال رسميا؛ ستواجه بمشكلة المشاكل، وهى هويتها المحتملة فى محيطها الخارجى: تركية أم عربية أم كردية فحسب، بالرغم من أن كل المؤسسات لها تضع لافتتين إحداهما بالكردية والأخرى بالعربية وليس التركية، لكن من يدرى: فللتاريخ دهائه الخاص، وأحداثه حُبلى دائما بالمفاجآت.

 

مع ذلك يبدو تأثير الثقافة العربية، وخاصة المصرية، على جيل الشبان والكبار واضحا لا تخطئة عين، فـ"هوشيار" موظف الاستقبال فى الفندق، قال لنا إنه يحب عمرو دياب وعادل إمام ويسرا، ويشاهد الأفلام المصرية بانتظام، ويعرف نجيب محفوظ، ويستمع كثيرا إلى أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ومن ضمن أمانيه فى الحياة أنا يلتقط بهاتفه المحمول صورة "سيلفى" مع أبول الهوم والأهرامات.

 

الأمر نفسه تقريبا أكده، محمد، الشاب العشرينى الذى يعمل بائعا فى متجر للملابس، والذى ترك عائلته فى محافظة الأنبار (غربى العراق) وجاء إلى كردستان ليعمل مع أحد أقاربه الأكراد، الذين يرتبط معه بعلاقة مصاهرة عن طريق والدته ذات الأصول الكردية.

 

وتبدو الفجوة هائلة بين ما يدور فى أوساط السياسيين، وما يفكر فيه المواطنون البسطاء بإقليم كردستان العراق، وقبل نحو أسبوع من الذهاب إلى الصندوق، يجلس الناس هنا على حواف مقاعدهم، مترقبين ما تحمله الأيام من دراما لا يتوقعون تداعياتها، ولا يتمنون تأثيرها على علاقات المصاهرة والتجارة ببنى وطنهم العرب فى باقى أقاليم العراق.

 

حالة القلق التى انتابت الدوائر الشعبية انتقلت بدورها إلى دوائر العراق الرسمية وشبه الرسمية ، حيث أطلق الرئيس العراقى فؤاد معصوم مبادرة للحوار بين الزعماء السياسيين للتوصل إلى حلول ملموسة وعاجلة تكفل تجاوز الأزمة التى أحدثها استفتاء إقليم كردستان.

 

ومساء أمس الأول، دعا معصوم جميع الأطراف إلى الحوار، معلناً إلغاء سفره المقرر إلى نيويورك، وتكليف رئيس الوزراء حيدر العبادى بإلقاء كلمة العراق أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

كان برلمان كردستان العراق قد صوت لصالح إجراء إستفتاء الإستقلال المقرر إجراؤه فى 25 من سبتمبر الجارى، وذلك فى تحد للحكومة المركزية فى بغداد ومواقف عدد من الدول من بينها الولايات المتحدة.

 

وأصدر البيت الأبيض بيانا بعد التصويت، وطالب حكومة إقليم كردستان بإلغاء الاستفتاء والدخول فى حوار مستمر وجاد مع بغداد، وحذر من أن التصويت على الإستقلال قد يشتت الجهود الرامية إلى دحر تنظيم داعش الإرهابى.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة