قاضى محاكمة صدام حسين يفتح خزائن أسراره لـ"اليوم السابع": محاكمة الرئيس العراقى الأسبق شابها تدخلات خارجية فقررت الانسحاب.. رزكار أمين: وزير العدل الأسبق حاول التأثير فى القضية.. ولم أكن أستطيع الاستمرار

الجمعة، 29 سبتمبر 2017 09:17 ص
قاضى محاكمة صدام حسين يفتح خزائن أسراره لـ"اليوم السابع": محاكمة الرئيس العراقى الأسبق شابها تدخلات خارجية فقررت الانسحاب.. رزكار أمين: وزير العدل الأسبق حاول التأثير فى القضية.. ولم أكن أستطيع الاستمرار رزكار محمد أمين
حاوره بالسليمانية: محمد محسن أبو النور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ـ المحاكمة شابتها تأثيرات خارجية ومن بينها وزير العدل العراقى الأسبق

ـ لم أكن أستطيع الاستمرار فى محكمة تحيط بها مخاطر التدخلات الخارجية

ـ لم تتوفر ظروف محاكمة عادلة للرئيس صدام والمتهمين وفقا للمعايير الدولية

ـ لا أؤيد عقوبة الإعدام وتقدمت لبرلمان كردستان بمشروع وقف العمل بها

ـ بموجب المادة 290 من القانون العراقى لا يجوز إعدام شخص فى أيام العيد

ـ قرار إعدام "صدام" كان خاطئا وفيه خرق للقانون

ـ أطالب حكومة إقليم كردستان بمحاربة الفساد وحماية استقلال القضاء

ـ على الحكومة أن تحمي حقوق الإنسان وإدارة السجون والمعتقلين وتمنع التعذيب

 

على ارتفاع أكثر من ألفى متر، فوق جبل كويزة بمدينة السليمانية، العاصمة الثقافية لإقليم كردستان العراق، وبالتزامن مع زخم إجراء الاستفتاء على الانفصال عن بغداد، التقينا بقاضى قضاة إقليم كردستان العراق، رزكار محمد أمين، رجل العدالة والقانون الذى قال للظلم: لا؛ إذ تنحى عن محاكمة الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين فى العام 2005م، حين رأى أن العدالة لن تأخذ مجراها وأن الرئيس المكبل بالقيود، والقابع بين جدران الحديد وخلف قضبان الفولاذ، لا تتوفر له فرص محاكمة عادلة تمكنه من الدفاع عن نفسه، وتحرير قضيته من أسرها، وطرحها أمام العالم على مرأى ومسمع من الكاميرات.
 
رزكار محمد أمين (1)

القاضى 

رزكار محمد أمين
 
كان رزكار محمد أمين، يحاكم صدام حسين، وهو كردى، ليس عربيا؛ غير أنه أبى أن يحكم بالظلم أو أن تملى عليه أمور لا يقبلها ضمير الإنسان بداخله، وكثيرا ما كان يتدبر قول الحق الموضوع فوق كرسيه: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) فقرر أن يطبق الأمر الإلهى على الرجل الذى فعل بالكرد الأفاعيل، والذى تنسب له جرائم تطهير عرقى بحقهم فى «حلبجة والأنفال ودُهوك» وغيرها. شاهد العالمُ القاضىَ العادلَ رزكار (تنطق بالكردية رزجار) من خلال المحاكمات العلنية التى جرت للرجل، الذى كان ذات يوم أحد أقوى حكام العالم، ورئيس أغنى دول الشرق الأوسط، والقائد الأعلى لأحد أقوى الجيوش فى النصف الشرقى من الكوكب.
 
التقينا القاضى رزكار ونقبنا فى ذاكرته وخرجنا منها بدرر التاريخ الخاص به، كما كان بطله وفاعله، وكما صنعه ورواه، وسألناه عن موقفه من مسألة الاستفتاء الذى يجرى فى كردستان على قدم وساق، وتجولنا فى عقليته الاستراتيجية التى لا تبتغى لبنى وطنه سوى وجه الخير والباحثة دائما عن الكمال.
 

وقبل الذهاب إلى نص الحوار نسجل عدة ملاحظات استرشادية يمكن أن تقودنا إلى فهم حالة رجل عادل في أمة متطلعة، وحالة أمة لها تاريخ وحضارة أنجبت قاضٍ نحَّى مشاعره جانبا أمام كلمة الحق وأمام كلمة القانون.

الزميل-محمد-محسن-أبو-النور-طرح-علامات-استفهام-على-القاضى

الزميل محمد محسن أبو النور طرح علامات استفهام على القاضى

أولا: عندما قابلنا القاضي رزكار محمد أمين، بدا لنا مرتديا رابطة عنقه الزرقاء المموهة بالبياض تلك التي كان يرتديها ـ أو تشبهها إلى حد كبير ـ بينما يجلس على منصة العدالة في قضية القرن بالعراق.

ثانيا: كان هدفنا من الحوار ليس العودة إلى التاريخ؛ بل الذهاب إلى المستقبل، من خلال استقرائه عبر التفاصيل الماضية والأحداث الفائتة والحكايات المستقرة في ضمائر أصحابها، خاصة أن مصدرنا كان ـ ولا يزال ـ فاعلا جوهريا في سيرورة السياسة العراقية المعاصرة.

ثالثا: انصب تركيزنا من خلال الأسئلة الرئيسة والفرعية، على أن يكون الحوار بمثابة محاولة منا للفهم، وليس محاولة منا للحكم، ليس حكما من جانبنا على الرئيس الأسبق صدام حسين وليس حكما على الحالة الكردية الراهنة، بكل ما فيها من تعقيد وغموض.

وفى محاولة منا للفهم، وليس محاولة منا للحكم، إذا ما كان ذلك الحكم على الرئيس الأسبق صدام حسين أو حكما على الحالة الكردية الراهنة.. كان لنا هذا الحوار: 
 

كنت قاضى محاكمة الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين.. لماذا تنحيت عن الحكم فى القضية؟

 
- بداية، من حق القاضى أن يتنحى عن نظر أية قضية أو يستقيل من منصبه متى شاء وفقا للقانون، ولكن لابد من أسباب تدفع القاضى إلى ذلك، فلا يخفى عليكم أن استقلال القاضى وحياده ونزاهته أهم ركائز أى محاكمة، جنبا إلى جنب مع مبدأ استقلال القضاء كمبدأ دستورى وطنى ودولى منصوص عليه فى المواثيق والعهود الدولية والإقليمية ومن بينها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.
 
وكان إيمانى راسخا بكلا المبدأين وهما استقلال وحياد القاضى واستقلال القضاء، وبضرورة حمايتهما من أى خرق أو تدخل، وهى من واجبات الحكومة والسلطات كافة والسلطة القضائية نفسها على وجه الخصوص، فعندما أرى أن استقلالية القضاء يشوبها الغبار، وأن حياد القاضى قد يهتز، فمن الطبيعى أن أرفض ذلك، ولم أكن أستطيع الاستمرار فى محكمة تحيطها مخاطر التدخلات بما يؤثر على إرادة القضاة، وعلى حياد القاضى فى نظر القضية، وسواء كان التدخل من خارج القضاء أو من القضاء نفسه.
 

ما هى الجهات التى تدخلت وحاولت التأثير على قرارك فى تلك المحاكمة؟

 
- بعض الجهات الرسمية وثمة أحزاب وكتل وأشخاص بألقاب سياسية وبعض القنوات الإعلامية كانت تتدخل وتحاول التأثير علينا، والتدخلات الخارجية كانت نابعة من عدم فهم للقضاء ومهامه وحرمته، ومن منظورهم الخاطئ للعملية القضائية ونظرتهم إلى المحكمة وكأنها أداة قمع وانتقام أكثر من كونها وسيلة قانونية لتحقيق العدالة.
 
وكنت أومن أن العدالة هى للجميع لا يستثنى منها أحد أيا كانت هويته وعنوانه أو منصبه فى الدولة، مستمرا بالخدمة أو معزولا عنها ومهما كان نوع الجرائم وخطورتها وبواعثها، فعندما تختار طريق المحاكمة يجب إجراؤها وفقا لمبادئ قضائية صحيحة وبمعايير دولية للمحاكمة العادلة وضرورة إدارة الحلبة بمهنية واحترام وأخلاق بما يليق باحترام وهيبة القضاء الراسخة تاريخيا لدى معظم شعوب العالم، وبلاد الرافدين لها شرف ميلاد أولى الشرائع المكتوبة قبل آلاف السنين فحقا علىّ احترامه.
 
والقاضى بيده الميزان وهو خليفة الله فى الأرض، وعليه ألا يخشى فى الحق لومة لائم وهذه نظرتنا لأية محاكمة أيا كانت أشخاصها، فلا أبالى بالصخب السياسى أو الرأى العام عن النظر فى دعوى قضائية.
 
رزكار محمد أمين (2)

رزكار محمد أمين مع الزميل محمد محسن أبو النور 

 

من الشخصيات التى حاولت التدخل والتأثير فى قرار المحكمة؟

 
- لا أحبذ ذكر الأسماء الآن، ولكننى أتذكر من المصرحين بالتدخلات الناطق باسم الحكومة ووزير العدل العراقى فى نهاية عام 2005 علاوة على بعض المقالات وتصريحات من أناس لا يفقهون شيئا فى القضاء أو طبيعة عمل القاضى، وكان من بينهم من يفتقر حتى إلى أبسط قواعد الأخلاق أو آداب الكلام الموزون وبما ينم عن سلوك غير متزن وثقافة متخلفة للكاتب أو القائل أو ربما التدنى وسوء التربية، والغريب فى الأمر أن البعض من هؤلاء كانوا يوما ما أو ربما حتى سقوط الحكم العراقى فى عام 2003 فى خدمة ذلك النظام بطريقة ما، أو أصحاب مناصب وامتيازات مادية، فانقلبوا رأسا على عقب بتغير النظام كنهجهم الانتهازى فى الاستفادة من جميع الظروف والأنظمة بأساليبهم الماكرة وقابليتهم للتلون السريع بلون الحكم القادم والسلطة الجديدة، ومنهم شخصيات لعبت على أكثر من حبل سياسى للمال والمنصب، ومن بينهم قيادى فى حزب سياسى اعترف على رفاقه فى السجن متحولا من حزبه إلى حزب معادٍ له ولحزبه، وطبيعى أن لا خير فى هؤلاء، وهم لم ولن يخدموا العراق وشعبه، بل أخذوا يزرعون بذور النفاق والفتنة فيه خدمة لهم أو لسيدهم الأجنبى.
 
القاضى-رزكار-فى-أثناء-الحوار

القاضى رزكار فى أثناء الحوار

 
 

من وجهة نظرك، هل كان صدام حسين يستحق قرار الإعدام؟ وهل كان الحكم عادلا فى ضوء تلك المعطيات؟

 
- أنا مع المدرسة التى لا تؤيد عقوبة الإعدام وكقاضٍ حتى فى إقليم كردستان لا أؤيد عقوبة الإعدام وفى فترة كنت عضوا بالبرلمان تقدمت بمشروع قانون لإيقاف العمل بالمواد والفقرات التى تنص على تلك العقوبة، أما موضوع الإجراءات والمحاكمات التى جرت فإن المحكمة هى المسؤولة عن إدارتها وعن تطبيق القانون فيها وعن تكييف القانون وموضوع الأدلة ووجود الأدلة من عدمه، وأنا لا أعلق على ما صدر من أحكام وقرارات لأن المحكمة الأخرى التى تولت العمل فيها هى المسؤولة عن مصداقية الحكم، ولكنى أستطيع أن أجزم أننى فى الفترة التى توليت العمل كرئيس للهيئة الأولى للجنايات حاولت أن أطبق القانون بحذافيره، بعيدا عن كل شوائب التدخلات وغير ذلك بما لا يؤثر على سير العدالة.
 
القاضي-رزكار-محمد-أمين

القاضي رزكار محمد أمين

 
 

هل ارتكب الرئيس الأسبق صدام حسين ارتكب جرائم ضد الإنسانية؟

 
- هذا الموضوع يتعلق بالملفات التى كانت منظورة وصدرت أحكام فى أكثر من ملف وبخصوص شخص صدام حسين أدينه فقط فى قضية واحدة، وهى قضية الدجيل، وأغلقت بحقه كل القضايا الأخرى بعد تطبيق عقوبة الإعدام، ومنها قضية الأنفال وحلبجة والأغوار وغيرها لأنه بموجب المادتين 300 و304 فى قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقى رقم 23 لسنة 1971م، تنقضى الدعوى الجزائية بوفاة المتهم وتوقف الإجراءات القانونية بحقه إذا توفى فى أثناء التحقيق أو المحاكمة وهذا ما حصل بإعدامه، لأن المتوفى لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
 
جانب-من-الحوار

جانب من الحوار

 

باعتباركم رجل قانون هل ترى أن توقيت إعدام صدام فى نهار عيد الأضحى، باعتباره ضحية يتم ذبحها، كان مناسبا على المستوى القانونى والإنسانى والدينى والسياسى؟

 
- أفرد قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقى بابا خاصا بتنفيذ عقوبة الإعدام المواد من (285 إلى 293)، وبموجب المادة 290 منه «لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام فى أيام العطلات الرسمية والأعياد الخاصة بديانة المحكوم عليه، وبالتالى فإن تنفيذ حكم الإعدام بحقه فى يوم عيد وعطلة كان خاطئا وفيه خرق للقانون».
 
رزكار-محمد-أمين-(2)

رزكار محمد أمين قاضى قضاة كردستان

 

ما هى النصيحة التى توجهها إلى حكومة إقليم كردستان العراق وأنت رجل قانون وفى الوقت نفسه تنتمى إلى الإقليم؟

 
- من المهم جدا للحكومة محاربة الفساد وحماية استقلال القضاء، فالمفترض على الحكومة أن تقوى وتدعم القضاء ليكون له الحكم الفصل والكلمة الأخيرة فى المنازعات، وموضوع الفساد يجب أن تبتعد عنه الحكومة والمؤسسات وتهتم بتقديم الخدمات للمواطنين وتعمير الشوارع ورصفها وفتح قنوات للمواصلات بالإقليم، فضلا عن الحاجة إلى مد سكك الحديد، هذه الشوارع الآن تؤدى إلى كثير من حوادث المرور التى تحدث بسبب سوء الشوارع، هذه من الأمور المهمة فضلا بالتأكيد عن حماية حقوق الإنسان وإدارة السجون والمعتقلين ومنع التعذيب فى أى مجال من مجالات التوقيف، وأن نقيم معاملة إنسانية داخل المحاكم لأى شخص أيا كان وضعه ومركزه الاجتماعى ونبنى دولة المواطنة ونجعل المواطن يشعر بكرامته وبحقوقه، وأن يكون أمام العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة بشكل عادل ومنصف وحماية المال العام، هذه مسائل مهمة لإدارة رشيدة لتحقيق الحوكمة.
 
 
غلاف العدد

غلاف العدد


 

نص الحوار

نص الحوار







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة