فى تحول جديد لسياسات الدولة الإيرانية فى الداخل، أمر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئى المؤسسات العسكرية المتمثلة فى القوات المسلحة والحرس الثورى، بتخفيف قبضتها عن الاقتصاد، حيث تمتلك حصة تبلغ بحسب البيانات الرسمية ثلث اقتصاد البلاد، وذلك بعد سنوات تشعبت فيها جذور تلك المؤسسات وأصبحت ضاربة فى عمق الاقتصاد ومفاصل الجهاز الإدارى، أو ما اصطلح عليه الاقتصاد الموازى.
ووفقًا لتصريحات وزير الدفاع الإيرانى الجنرال أمير حاتمى، أمر المرشد على خامنئي ، الحرس الثورى بتخفيف قبضته على الاقتصاد، الأمر الذى فتح باب الجدل أمام احتمالية خصخصة مؤسسات ضخمة تابعة للحرس الثورى والقوات المسلحة، وأثارت بالتبعية تساؤلا حول ما إذا كانت تلك المؤسسات العسكرية ستوافق عن التنازل عن أكثر من نصف نفوذها فى الداخل، وامبراطوريتها الاقتصادية المتشعبة فى مفاصل الدولة، والتى تؤثر عن طريقها فى اللعبة السياسية أيضًا.
الجنرال أمير حاتمى
وأضاف حاتمى فى مقابلة مع صحيفة "إيران" التابعة لحكومة روحانى، إن خامنئى أمر الجيش الإيرانى والحرس الثورى بالنأى عن النشاطات الاقتصادية غير المرتبطة مباشرة بعملهما، مضيفًا: "نجاحنا يعتمد على شروط السوق"، وأشار إلى مؤسسة خاتم الأنبياء للتشييد والتى تضمّ 135 ألف موظف، ينشطون فى التنمية المدنية وقطاعَى النفط والدفاع.
تصريحات وزير الدفاع الإيرانى اعتبرتها بعض المواقع الإلكترونية الإخبارية فى إيران بالون اختبار، جاءت بعد احتجاجات عارمة فى مختلف المدن الإيرانية أواخر ديسمبر العام الماضى، احتجاجًا على الوضع المعيشى، وحصدت نحو 25 قتيلاً، وشهدت أيضاً ترديد شعارات مناهضة للنظام.
قرار المرشد الجديدة، لم يأتى فى سياق بيانات عن مكتبه أو تصريحات فى خطاباته، بل جاء ضمن تصريحات لوزير الدفاع، السلوك ذاته الذى يتبعه ولاية الفقيه منذ 2009 العام، الذى شهد انتفاضة كبرى ضد نتائج الانتخابات الرئاسية، وأصبح أسلوب متبع عند إطلاق قرارات هامة قد تؤدى إلى انقلاب الحرس الثورى المسيطر على مفاصل الدولة ضد الولى الفقيه نفسه، وبحسب تقارير إيرانية أن مؤسسة الحرس الثورى تمتعض من مساعى الحكومة لخلع أيديها من الاقتصاد، ففى عام 2006 ألمح خامنئى بضرورة تنفيذ المادة 44 من الدستور، وخصخصة 80% من القطاع العام والتنازل عن الشركات الإيرانية إلى القطاع الخاص، إلا أن ذلك لم يحقق على أرض الواقع.
المرشد والحرس الثورى
روحانى يخوض معركة لخلع يد الحرس من الاقتصاد
ويخوض الرئيس حسن روحانى معركة كبرى ضد الحرس الإيرانى الثورى منذ صعوده فى 2013، من أجل إبعاده عن الاقتصاد، وكانت إحدى أهدافه خلع يد الحرس الثورى والمؤسسة العسكرية المهيمنة على الاقتصاد، وندد فى السابق بتدخله ليس فى الاقتصاد فحسب بل فى السياسية أيضًا، وفى حوار تلفزيونى فى أغسطس الماضى، قال: "هدف حكومتى هو تسليم المؤسسات الاقتصادية إلى الشعب، واعتقد أنه بخلاف الحكومة ينبغى على القوات المسلحة أن تسلم المؤسسات الاقتصادية، تحدثت فى هذا الصدد مع المرشد الأعلى وهو يوافقنى الرأى تمامًا، على أن تسلم جميعها إلى الشعب، الأمر سوف يؤدى إلى ازدهار اقتصادى، وسيخلق تطور فى اقتصاد بلادنا".
لكن يواجه طموح الرئيس الإيرانى عنف من قادته وإساءة من أنصاره، حيث تأجج يونيو العام الماضى، سجال بين الحرس الثورى وروحانى، بعد سلسلة تصريحات جريئة للرئيس تجاه المؤسسة العسكرية، كانت آخرها تصريحات أطلقها على مائدة إفطار فى رمضان عام 2017، مع نشطاء اقتصاديين شبه فيها الحرس الثورى بدولة تحمل البندقية تهيمن على الاقتصاد والسياسة والإعلام فى البلاد.
واعتبر روحانى أن جزء من الاقتصاد تم تسليمه إلى الحرس الثورى بذريعة الخصخصة، وقال: "خامنئى أكد على أن الهدف من تنفيذ المادة 44 من الدستور هو تسليم الاقتصاد الى المواطنين، مضيفًا "فماذا عسانا أن نفعل بعد أن سلمنا جزء من الاقتصاد الذى كان فى يد دولة بلا بندقية إلى دولة تحمل البنادق، هذا ليس اقتصاد أو خصخصة"، وقال أيضًا إن "تلك الحكومة التى تمتلك البندقية تمتلك أيضا وسائل إعلام وكل شىء، ولا يجرؤ أحد على منافستها".
كيف ساعدت الخصخصة على هيمنة الحرس الثورى على الاقتصاد
فى عام 2006 عندما تحدث المرشد عن تطبيق المادة 44 من الدستور، تم خصخصة 80% من القطاع العام الأمر الذى فتح الباب أمام الحرس والشركات التابعة له للاستحواذ على نصيب الأسد من شركات هذا القطاع، حيث تشير التقديرات إلى أن 13.5% فقط من الشركات المملوكة للدولة انضمت فعلياً للقطاع الخاص، فيما استحوذ الحرس على النسبة المتبقية، والتى تبلغ إجمالى قيمة أصولها 70 مليار دولار، ويقدر الدخل السنوى للحرس الثورى من مجمل أنشطته التجارية بما بين 10 و12 مليار دولار، وفى عهد الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، حصلت شركة "خاتم الأنبياء" للإعمار التابعة للحرس على عدد غير مسبوق من العقود التى تم منحها دون مناقصات وفازت بعشرة آلاف مشروع فى الفترة من 2006 لـ 2013، وبحسب تقارير يسيطر الحرس يسيطر على 20-40% من الاقتصاد الإيراني، من خلال نفوذه فى 229 شركة.
وتعود هيمنة المؤسسات العسكرية على الاقتصاد الإيرانى إلى تسعينيات القرن الماضى، حين أسند الرئيس الإيرانى الأسبق هاشمى رفسنجانى آنذاك مهام إعادة إعمار البلاد بعد الحرب الإيرانية ـ العراقية (1980-1988)، إلى شركات خاتم الأنبياء تابعة للحرس، ومنذ ذلك الحين تشعبت النشاطات وتعددت المجالات التى دخلها الحرس ما بين الإنشاءات وقطاع النفط والتعدين والزراعة والنقل، وحتى الاتصالات وشركات الإنترنت.
الرئيس السابق أحمدى نجاد وقادة الحرس الثورى
إمبراطورية الحرس الثورى الاقتصادية تقدر بمليارات الدولارات
أشرف الحرس الثورى على امبراطورية اقتصادية ضخمة، وسيطر هذا الجهاز على الاقتصاد الإيرانى عبر جناحه الاقتصادى المعروف باسم "مقر خاتم الأنبياء"، مما دفع الكثيرين لأن يصفونه بـ"المافيا العملاقة" ويحملونه مسئولية تردى الوضع الاقتصاى، ويرتبط 12 بنكاً ومؤسسة مالية كبرى داخل إيران بعلاقات مباشرة وغير مباشرة مع الحرس الثورى، وتفتح تلك البنوك بدورها ما يزيد على 30 مليون حساباً وهمياً على الأقل يتم استخدامها فى صفقات التسليح والتمويل المشبوهة التى يتم إبرامها مع مليشيات العنف والإرهاب فى الدول العربية وفى مقدمتها سوريا والعراق ولبنان، ومؤخراً المملكة العربية السعودية واليمن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة