محمد عبد النبى يكتب: بهجة العثور على العشيقة المثالية

الخميس، 23 ديسمبر 2021 03:30 م
محمد عبد النبى يكتب: بهجة العثور على العشيقة المثالية الكاتب محمد عبد النبى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا شك أن مفردات مثل البهجة واللذة وما شابهها ليست بالغريبة على عالَم عزت القمحاوى سواء السردى أو على كتاباته الحُرَّة والحافلة بالاستطرادات والتأمّلات وإنتاج العلاقات بين ما يبدو لأوّل وهلة بعيد الصِلة. 
 
هذه الكتابة الخارجة على التصنيف، ولو بدرجة ما، يقارنها القمحاوى فى مقدمة كتاب الأيك بالعشيقة المثالية فى مقابل الزَوجة؛ أى الأنواع الأدبية الأخرى المتعارَف عليها، وبالتحديد هُنا الرواية التى كان يكتبها آنذاك فى طمأنينة العلاقة الزوجية ورتابتها، مُلمحًا إلى أنه اكتشف مع هذه العشيقة حلاوة الحرية وبهجة المفاجآت ولذة اتباع الهوى، عبر الكتابة (من غير باترون) على حد تعبيره أيضًا. 
 
فى اللغة العربية، لم نستقر بعد على ترجمة دقيقة وسَهلة للتعبير الإنجليزى Nonfiction Writing والذى يضم بين جناحيه طيفًا واسعًا مثل المذكّرات أو سرد التجارب الشخصية أو الكتابة حول الأدب والفن والثقافة بأسلوب أدبى غير أكاديمى وهو النمط الأقرب لكتابات القمحاوى هذه، تجدُ هذه الكتابة رواجًا وانتشارًا فى الوقت الراهن بين الكُتّاب والقرّاء على السواء، فى مصر على الأقل، واتخذت أشكالًا متنوعة للغاية، بعضها أقرب إلى التحقيق الصحفى الاستقصائى الطويل، وبعضها أقرب إلى النقد الأدبى والثقافى، وبعضها يركن إلى سرد تجارب شخصية حميمة ونجدها هذه فى كتابات الشباب على الخصوص، لكنها تكتسب أرضًا جديدة لها كل يوم، وأظن أنَّ حضورها سوف يتأكد ويزداد مع السنوات القادمة. 
 
الكتابة الأدبية غير الخيالية إذن هى العشيقة السرية المثالية التى عثر عليها القمحاوى، بضربة حظ سعيد له ولنا، وكان من أوائل مَن انتبهوا إلى إمكانيات هذا الشكل المطواع، ربما لأنه كان يضع قدمًا فى عالَم الأدب وأخرى فى عالَم الصحافة، ولم يرَ ضرورة أن يكون بينهما عداوةً وبغضاء عكس ما يروّج بعض الصحافيين والأدباء، بل انتبه إلى تلك الأرض المشتركة أو بالأحرى الحدود الغامضة، فأنتجَ تلك النصوص التى تقف أيضًا على الحدود بين ثنائيات كثيرة؛ الخيال والواقع، الخاص والعام، الذاتى والموضوعى، التأمُّل واللعب.
 
مِن بين مزايا هذا الشَكل التى أحسنَ القمحاوى استغلالها هى الحُرية وخِفة الحركة وسرعة تنقّل قلم الكاتب، وخياله وذاكرته، بين أزهار وثمار حدائق وحقول وبساتين وغابات، لا يكاد يجمعها شىء، أقصد ثمار الفن والثقافة، منتجات التاريخ والتراث الرسمى والأسطورة والمخيلة الشعبية، من الشرق والغرب ومن الشمال والجنوب، بحيث يجدلها جميعًا فى ضفيرة تخص ثيمة أساسية يختارها وفق هواه، الروائح مثلًا أو تأثير العِمارة على العواطف الحسية والجنسية ونفسية مَن يعيشون فيها وبجانبها عمومًا. وقد كان كتابه (غرفة المسافرين)، نموذجًا واضحًا على هذا التنقّل الرشيق البارع الذى يلغى المسافات ويبرز الاختلافات والتشابهات فى أنماط بعينها، فى إطار ثيمة السَفر فى الأدب وفى الحياة. 
 
تحرّك العقل والخيال بحرية الفَرَاش بين الأزهار قيمة وفضيلة لا تكترث كثيرًا للتريث الأكاديمى أو الحَفر رأسيًا وبعمق وراء أطروحة واحدة محددة حتى نهاياتها القصوى، ولهذا قد تُلقى كتابة القمحاوى هذه فى طريقها العديد من بذور اللقاح والأفكار النيرة من غير أن تتعهدها بالرعاية والعناية والصَبر حتَّى تنبت وتزهر، إذ تبقى فى نهاية المطاف مثل علاقة عابرة، ينبع سحرها من كونها سريعة وخاطفة وغير مبالية بشروط الإقامة وتأسيس البيوت، كما هو الأمر، إلى حدٍ ما، فى العلاقات الأدبية المستقرة مع الأنواع الأدبية ذات التأصيل والقواعد، أى مع الزوجات ربّات البيوت. 
 
قصص وروايات القمحاوى مُنجَز آخَر كبير لا مجالَ لتناوله فى هذه الكلمة الموجَزة ولعلَّ آخرين أقدر منى على ذلك، لكنى وددتُ أن أشير فى مناسبة بلوغه الستين ربيعًا، إلى ريادته وإسهامه شديد الخصوصية فى شكل من الكتابة لم يكن قبل ذلك يلقى التوقير الكافي، واتُهمَّ مرارًا بأنه أقرب لشُغْل الصحافة، وأثبتت التجارب والأيام غير ذلك، وربما أسهمت كُتبه هذه، بجانب ظروف أخرى، فى تشجيع كتابًا آخرين من أجيال أحدث، على مقاومة إغواء الأنواع المستقرة، ولو لبعض الوقت، أو بالتحديد مقاومة الرواية، وهى الملكة المتوّجة التى يتنافس الكل فى حيازتها وإرضائها، من أجل اختلاس متعة عابرة، قد لا تلفت انتباه عموم الجماهير، مُتعة مع غريبة فى رحلة سفر قصيرة، هذه هى العشيقة النموذجية، الكتابة الحُرّة التى لا تفرض شروطًا ولا تطلب منا أن غير ننبسط ونستمتع معها. 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة