حازم حسين

مقاربة لثنائية الجشع والمقاطعة.. أثر الرقابة الشعبية على الأسواق بين الضبط والاستدامة

الأربعاء، 01 مايو 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عاشت مصر أوضاعًا صعبة كغيرها من البلدان. منذ تفجَّرت جائحة كورونا قبل أربع سنوات وعدّة أشهر، ووقع ضغطٌ هائلٌ على الإنتاج وسلاسل التوريد، ثمَّ ما إن لاحت بشائرُ التعافى؛ حتى اندلعت الأزمةُ الأُوراسيّة حاملةً معها تأثيراتٍ أكثر حِدّة. وقد تضافرت مُؤثِّرات الخارج مع ظروف الداخل؛ لتُلقى مزيدًا من الأعباء على كاهل الموازنة وموارد النقد الأجنبى، لا سيِّما مع تشديد المصارف المركزية فى الغرب لسياساتها النقدية، واستقطاب الأموال الساخنة وفوائض الاستثمارات غير المُباشرة. وبقيّة التفاصيل يعلمها الجميع وعاشوا مخاضَها وتداعياتها؛ إذ شَحَّ المعروضُ الدولارى وتضخَّمت السوقُ السوداء، ونشطت حالةٌ تداوليّة أقربُ إلى سلوك المافيا، تعاظمت فيها أنشطةُ الاكتناز والمُضاربة، وتحوَّلت بعضُ السلع والعملات إلى أدواتِ ادِّخارٍ وتحوُّط؛ بدلاً من أدوارها الأساسية فى التجارة والمُعاملات. وكان طبيعيًّا وقتَها أن تنعكسَ الاختلالاتُ الناشئةُ على السوق؛ فيختلّ ميزانُ العرض والطلب وتنفلت مستويات الأسعار. والأمر الذى بدأ عفوًا ومن رَحم الظروف والتطوُّرات الطارئة، تلاقى مع أطماعٍ سيطرت على بعض التجّار؛ فاستحدثوا قانونًا مُنفصلاً عن ديناميكيّة المجال العام، وتشبَّثوا بأرباحهم المُصطنَعة خارج حسابات التكاليف والجدوى، وظلَّ أغلبُهم على مواقفهم الحدّية؛ حتى بعدما تحسَّنت الأوضاعُ أو سارت باتجاه الانضباط.


انتقلت المسألةُ من قطاعٍ لآخر مثل كُرة الثلج، وكلَّما تدحرجت ازداد حجمُها والتحق بها جَشِعون جُدد. والواقعُ أنَّ أثر «دولار السوق السوداء» الذى كان مفهومًا فى السابق؛ لم يعُد قائمًا أو مُقنعًا بعدما أنجزت الدولةُ تحرُّكًا تصحيحيًّا قبل قُرابة الشهرين، سمح لها برَدم الفجوة بين القنوات الشرعية والخلفية، ثم الاستناد إلى الحصيلة الناتجة عن حزمةٍ من الشراكات واتِّفاقات التمويل؛ لتدبير احتياجات الصُنَّاع والمُستوردين بتكلفةٍ تزيدُ قليلاً على نصف ما كان فى زمن الأزمة. فالدولارُ الذى تجاوز سبعين جنيهًا، وكان شحيحًا ولا يُلبِّى الطلب الواسع عليه؛ صار من بعدها مُتاحًا ومُستقرًّا دون مستوى 65 % تقريبًا من تسعيره القياسى فى شهور الاختناق. والأصلُ أن تنعكسَ الوفرةُ على المعروض السِّلَعىّ وتقويمه بحسبةٍ عادلة، وللأمانة تحقَّق المطلوب فى عديد المجالات؛ إنما لم يكن عامًّا وشاملاً، وظلَّت بعضُ القطاعات على مُناوراتها القديمة، أو استحدثت أساليبَ جديدةً لمُلاعبة المستهلكين، والتجاوز على جيوبهم ومواردهم. والأجهزةُ التنفيذيّة إذ تنشطُ فى التتبُّع والمُحاسبة من ناحيةٍ، تتعذَّر عليها المهمَّة فى نواحٍ مُجاورة، ويتخفَّى المُتلاعبون وراء ستار الحجم والكثافة، وعبر إزاحة الأمر إلى الحلقات الوسيطة والنهائية؛ بما يجعلُ التصدِّى الكاملَ والحاسمَ عصيًّا وأقرب إلى الاستحالة. وفى تلك المساحة المُلتبِسة؛ ربّما يقعُ العبءُ الأكبر على المجتمع المدنى والفعاليّات الأهلية، من خلال تفعيل آليّات الرقابة والمُساءلة الشعبية، وتعديل السلوكيات اليومية، واتِّخاذ إجراءاتٍ تنظيميّة ناعمة، عبر الإحجام وخَفض الاستهلاك أو المقاطعة الكاملة، وصولاً إلى التوازن المفقود بين التاجر والمستهلك.


أنجحُ التجارب فى الفترة الأخيرة جاءت من بورسعيد؛ إذ أطلق الجمهورُ حملةً للتوقُّف عن شراء الأسماك عنوانها «خلّيها تعفِّن»، وجاءت بعدما قفزت الأسعارُ بنحو 200% فى بعض الأنواع. ولم يكن الأمرُ مُبرَّرًا من كلِّ الوجوه؛ فالدولار لم يعُد أزمةً ضاغطةً على مُدخلات الإنتاج، وتراجعت أسعارُ الأعلاف بنسبٍ مُعتبَرة، كما أنَّ أغلب المطروح فى المحافظات الساحلية خصوصًا من نتاج البحر لا المزارع، ما يعنى أن تكاليفه لا تتجاوز سعر الوقود والثلج وصيانة المراكب، وكلّها لم تشهد طفراتٍ تُسوِّغ مُضاعفة سعر المُنتَج فى السوق النهائية. المهمّ أنَّ الحملةَ اجتذبت قطاعاتٍ واسعةً، وانتقلت إلى مُحافظاتٍ أُخرى، وأثمرت سريعًا فى تقليص مُعدَّلات التداول أوّلاً، ثم التراجع بالأسعار تاليًا؛ حتى مع مُحاولات التحايل من كبار القطاع، بنَزح حصّة من المعروض إلى مُدن بعيدة، أو إبطاء رحلات الصيد وترشيد تدفُّقات المزارع. فى الأولى صيَّادون وعُمّال ولوجستيّات لن تتحمَّل مُغامرات المُحتكرين طويلاً، وفى الثانية هَدرٌ فى العَلَف وزيادةٌ للأوزان؛ قد تجعل التسويقَ لاحقًا أكثرَ كُلفةً وأقلَّ جدوى. أمَّا المُعضلة المفصليّة؛ فمَفادُها أنَّ التصويب السريع علامةٌ على الاصطناع والمبالغة، ولو كان التقديرُ منطقيًّا من البداية ما تيسَّر للمُمسكين بخِناق السوق أن ينزلوا عن هامش الربح، ولا أن يتكبَّدوا خسارةً لأجل استعادة حركة البيع.


ربما تتجلَّى اللعبةُ الوقحة بأكثر صُورِها فجاجةً فى سوق الأسماك. فإذا اتّفقنا على تغيُّر كُلفة الإنتاج لصالح مُلَّاك المراكب والمَزَارع والتجَّار، فالشِّقّ الآخرُ الذى يُمكن أن يُحرِّك التسعير ينحصرُ فى الطلب، والحقيقة أنه لم يشهد أيّة طفراتٍ كُبرى؛ بل كان فى أدنى مستوياته طوال الأسابيع الأخيرة، أوّلاً لأنّ استهلاك المُسلمين للمأكولات البحرية يقلُّ فى رمضان؛ بأثر المعرفة الشائعة عن تأثيرها على الصائمين، كما أنَّ الأقباط فى صَومهم الكبير منذ قرابة الشهرين، ومعامل تصنيع الفسيخ استحوذت على ما يكفيها لاحتياجات «شَمّ النسيم» قبل شهور؛ إذ تتطلَّب عملية الإعداد والتجهيز فسحةً زمنيّةً طويلة قبل الاستهلاك. والخُلاصةُ من كلِّ ما فات؛ أن السوق أُدِيرت بإرادةٍ فرديّة من رأسها، ولم تكن تحوُّلاتُها نِتاجَ تفاعُلاتٍ طبيعيّة بين جناحى العرض والطلب. والحالُ نفسُها تقريبًا كانت قائمةً فى كلِّ القطاعات؛ بل وما يزال كثيرون يتشدَّدون فى الإبقاء عليها مع مجالاتٍ وسِلَع أُخرى.


ينسحبُ المنطقُ ذاتُه على ما شهده قطاعا الذهب والسيارات سابقًا، وتتبقَّى بعض رواسبه إلى اليوم.. كان تجَّار الصاغة قد وصلوا بتسعيرهم للدولار إلى نحو 75 جنيهًا، ومُستوردو المركبات أيضًا، وانتقلت اللوثة إلى سوق المُستعمَل، وبدا أن السلعتين تحوَّلتا من الاستهلاك إلى الادِّخار والاستثمار، وتتحدَّد أسعارُهما بإرادةٍ فردية عبر «جروبات واتساب»، لا بحَسب المُتاح والمطلوب، وحتى مع مُبادراتٍ مثل إعفاء وارادات السبائك والمشغولات من الجمارك، فإنّ السوقَ المحليّة امتصَّت عدّةَ أطنانٍ إضافية؛ إمَّا عجزت عن تقويم سلوك المُنحرفين أو دارت فى متاهة انحرافهم. وإذا كانت حالُ المعدن الثمين قد انضبطت مُؤخّرًا بدرجةٍ كبيرة؛ فإنَّ تجارة السيارات ما تزال بين شَدٍّ وجَذب. بعضُ الوكلاء يُخزِّنون ما لديهم بغَرض التعطيش والضغط من جانب العرض، وآخرون أعلنوا قوائمَ تسعيرٍ جديدةً، وتركوا المعارضَ تتلاعبُ بها أو تُضيف إليها هامشًا أعلى بغير وجه حقّ. ولا يختلفُ الوضع مع كثيرٍ من الواردات، ولدى مُنتجى ومُوزِّعى الأجهزة الكهربائية والملابس والأغذية؛ بل إنَّ سلوك الفاعلين فى قطاعى الدواجن واللحوم الحمراء لم يعُد مفهومًا، وبات يستفزُّ أغلبَ المستهلكين، إلى حدِّ أنهم استلهموا خطوةَ بورسعيد مع الأسماك، وباتت تتردَّد دعواتٌ للمُقاطعة على نطاقاتٍ واسعة.


السؤالُ المهمّ: إلى أىِّ مدىً يُمكن أن يكون الاستغناءُ فعَّالاً فى مُواجهة الغلاء؟ فالمسألةُ على ما فيها من مزايا ظاهرة؛ تبدو محفوفةً بالمخاطر أيضًا. إنَّ عاملَ القوّة فى فكرة المُقاطعة هو نفسه نقطة ضعفها؛ إذ الفلسفة أن يتصدَّى العوام لانحرافات السوق بقرارهم الفردى الناشئ عن تصوُّرهم للفائدة، وقُدراتهم الشرائية، وتضحيتهم بالإشباع مُؤقّتًا لأجل الانضباط مُستقبلاً. وقد يسمح سلوكٌ مثل هذا بالتصحيح العاجل؛ لكنه يظلُّ اختياريًّا تطوُّعيًّا، ويمكن أن يعودَ عنه الشخص فى أيّة لحظة؛ لأسبابٍ اجتماعيّة أو نفسيّة، أو تحت ضغوطِ العائلة لا سيما الأطفال. فضلاً على أنَّ غياب الرأس الناظمِ للفعاليّة الاحتجاجية؛ تغيبُ معه بالضرورة الأُطرُ الناظمة لحدودها وأهدافها، والاتّفاق على نقطة التوازن المطلوبة، والمحطّة التى يُمكن عندها الاقتناع بتحقُّق الغاية واتِّخاذ قرار العودة. ولا يخلو الأمرُ من احتمالات التسرُّب من ثغرات الحشد غير المُنظَّم، واستمالة بعض الفاعلين فيه، واللعب إعلاميًّا ودعائيًّا على شَقِّ الصفوف، وتمرير اليأس، وإخفاء الآثار الإيجابية، أو تلويثها والإيحاء بانعدام قيمتها راهنًا وعلى المدى الطويل.


سمعتُ قبل يومين مُداخلةً على قناةٍ غير مصرية، كان طرفها الآخر مع المذيع شخصٌ «غريب» فى منطقه ولُغة حديثه. قُدِّم الرجلُ بوصفه واحدًا من قادة دعوات المُقاطعة؛ لكنه كان ينطقُ بألسنةِ التجَّار أكثر ممَّا يُعبِّر عن شواغل المُستهلكين، وبعدما استفاض فى الكلام عن لقاءٍ جمعهم بالغُرَف التجارية فى محافظته، بشَّر بالاتِّفاق على تخفيض الأسعار بنسبة 10 %؛ وكانوا مُعترضين أصلاً على زيادتها بمقدار الضعفين، وبعدها أخذ يلتمَّس الأعذار للصيَّادين والسمّاكين وأصحاب المَزَارِع، مُصطنِعًا حالةَ التفهُّم لأنهم يتكبَّدون أعباءً تشغيلية عالية، كما أنهم فى الأخير مُستهلكون يُعانون من الغلاء أيضًا فى إشباع حاجاتهم الأساسية. والحقيقةُ أنّه مَنطقٌ مغلوط؛ إذ الأصلُ أن تتحدَّد أسعارُ السلع على قاعدة قيمتها العادلة، وليس كما يُحبّ مُنتجوها أو يسعون لإثقالها بتكاليف أُخرى من خارجها. ولا أدَّعى الإحاطةَ بالخفايا، كما لا أُفتِّش فى نوايا الناس؛ أى لا أتّهم الشخصَ المُشار إليه بإبرام صفقةٍ، أو بالتربُّح لشخصه على حساب شُركائه فى المُقاطعة؛ إنّما المقصود من تلك الحالة إبراز ما أسلفتُ إيضاحَه، فيما يخصُّ هشاشةَ الائتلافات العفويّة على توافقاتٍ ظرفيّة عابرة، ومن دون رؤيةٍ واضحة أو بُنودٍ محلّ إجماع. لأنَّ التجّار سيكون بمقدورهم دائمًا تغييبُ الحقائق، وإشاعةُ أغاليط مُضادّة، وضَرب النسيج الجامع من داخله.


وبعيدًا من مُشاحنات الباعة والمُشترين؛ فإنَّ المُقاطعةَ كأداةِ عقابٍ وتقويم قد تستجلبُ معها آثارًا غير مقصودة. فالمطلوبُ من ورائها تحصيل التوازُن المفقود، وهذا ممَّا لا يُمكن التوافق فيه حال غياب المعلومات والأرقام. بمعنى أننا لا نعرفُ الحدَّ الذى يقبله التاجر وبعدها يصير الأمرُ مرفوضًا من جانبه، كما أنَّ المُستهلكَ لا يضعُ سقفًا للتسعير المُرضِى، وقد ينكسرُ سريعًا قبل إنجاز غايته، أو تعجبه اللعبةُ فيمضى فيها على أمل كَسر الطرف الآخر أو إطاحته بالضربة القاضية. وفى الأُفق المُغلَق على مصالح مُتنازِعةٍ، تُلقِى مُمارساتُ الإحجام ضُغوطًا على الإنتاج والتجارة والتشغيل، وإن كانت تشتغل فى نطاق تطويق التضخُّم وإبطاء عجلته؛ فإنها تُغامر بالذهاب إلى الركود وإطفاء حرارة النموّ، أو على الأقلّ رفع الطلب على البدائل المُتاحة ونَفخ أسعارها؛ فتتخلَّقُ حالةٌ أشبه بالركود التضخُّمى. صحيح أنَّ الأضرار الكُبرى تتطلَّب وقتًا أطول، وحيِّزًا أعرض فى الحجم والنوعيّة؛ إلَّا أن الخُطى اليسيرة قد تلفحُ السوقَ برياحها عن غير قَصدٍ، وتُورِدُ صاحبَ السلعة وطالبَها مواردَ الخُصومة والشِّقاق؛ حتى يصيرَ النزاعُ وُجوديًّا، ولا تتيسَّر العودةُ منه إلى مرفأٍ آمنٍ وأمين على حقوق الطرفين. ولا أقصدُ إطلاقًا أنَّ التعالى على الجشع والاحتكار خاطئٌ فى ذاته، أو خطيرٌ بالكُلِّية؛ إنما أن يُدارَ بنُضجٍ وتعقُّلٍ كاملين، وبحساسيةٍ عالية لا تنكفئُ أمامَ التجَّار ولا تندفعُ فى مُعاداتهم بمنطق الحروب الصفريّة. ويتطلَّب ذلك أن يتكاملَ سُلوكُ المُقاطعين مع إجراءات الدولة، وأن تنشطَ أدواتُ التتبُّع والمُراقبة، وتمتدّ اليقظةُ الشعبيّة لتُغذِّى قنوات السلطة التنفيذية، بإيجابيّة التنسيق والتحفيز والبلاغات؛ لحصارِ عمليّات التلاعُب والمُضاربة بالقانون والأدوات الإجرائيّة.


علّق البورسعيديّون حملتَهم بعد أسبوعٍ من إطلاقها؛ ربّما انطلاقًا من قناعتهم بالوصول إلى ما أرادوا، أو لفواعلَ خَفيّةٍ لم تخرج إلى سطح الأحداث. وتقييمُ كفاءة الخطوة ستحكمُه تفاعلاتُ الأيام المُقبلة؛ لكن مع مُلاحظة أنَّ أدوات التجار لا تنفد، وأنَّ المُستهلكين لا يلتقون كثيرًا على كلمةٍ واحدة. والمأزقُ الأكبر أنَّ تكرار الدعوات فى مُهلةٍ زمنيّة ضَيِّقة يُفقدُها شيئًا من الجدّية والأثر وحماسة الجمهور، وقد لا يكون التأثيرُ كاملاً من دون حركةٍ قِطاعيّة واسعة؛ بمعنى أن تشملَ الحركةُ نوعيّةً كاملةً من السلع دفعةً واحدة، بحيث لا يتقلَّص الطلبُ على سلعةٍ ويزيدُ على شبيهٍ أو بديلٍ عنها.. وكلُّ هذا لا يلغى الأدوار المنوطة بالمرافق الحكومية، لا سيّما وزارة التموين وأذرعها وجهاز حماية المستهلك، كما لا يعفى الغُرَف التجارية وروابطَ التجّار والمُصنِّعين من مهامّهم التنظيمية؛ بما يُحقِّق التوازن والاستدامة، ولا يرهنُ صلابةَ الأنشطة وحيويّتها لصالح فئةٍ مُنفلتةٍ تتعجَّلُ أقصى منفعةٍ بأقلِّ جَهدٍ واستثمار. إنها مصلحةٌ مُشتركة بين الدولة والشارع ورجال الأعمال؛ فانتظامُ المجال العام يقودُ إلى اكتمال التعافى وإنعاش قدرات الإنتاج والنموِّ، وفى داخله فائدةٌ للتاجر والمُستهلك. وإذا كانت قِيَمُ اقتصاد السوق تمنعُ الجهةَ التنفيذية من وضع تسعيراتٍ جَبريّة؛ فإنها لا تسمحُ أيضًا لرؤوس الأموال بالانفلات الكامل من كلِّ القيود والمعايير، وهُنا تلعبُ المُقاطعة دورًا توجيهيًّا؛ يُضىء على حالة الرأى العام، كما يُحفِّز سياسات الإدارة ويُقوِّم سلوكيات التجّار. لكن َّالمُهمّ أن تصلَ الرسائلُ فى ميقاتها الدقيق، وعلى معانيها السليمة الواضحة؛ حتى لا يتسبَّب الجَشِعون فى تشويه السوق، أو يضطرّوا المُستهلكين إلى الذهاب الدائم والمُتقطَّع نحو كَسر حلقة التداول، والإحجام عن خلقِ طَلبٍ يُكافئ العَرضَ ويُنشِّطه؛ لأنها مُقامرةٌ خاسرة فى آخرها، وأول مَن سيكتوى بها الفئةُ الضالّة من أغنياء الحرب وسماسرة الأزمات.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة