تحل اليوم الذكرى الثالثة والتسعين على ميلاد الكاتب الراحل فتحى غانم، الذى يعتبر أحد رواد الرواية المصرية الحديثة، وعلى الرغم من أنه لم ينل الكثير من شهرة معاصريه، إلا أن كتابته المتميزة استطاعت أن تقف فى مواجهة كل ذلك، وتمكّن أن يقدّم لنا ما أثرى به عالم الأدب والرواية بعددٍ من الروايات التى رسم من خلالها أن بصدق صورةً لعصره، ولعل من أبرز تلك الروايات رائعته "الجبل" التى صدرت عام 1988، وجسد خلالها الحالة الاجتماعية للبيئة العمرانية، فهى تتحدث عن التأثير المدمر الذى يمكن أن تحدثه القرارات العمرانية على المجتمع، وتؤكد أن بناء مساكن جديدة للناس لا يعنى أبداً أننا سنحقق لهم السعادة.
فتحى غانم
أحداث هذه الرواية تدور حول مقاومة شرسة من قبل سكان الجبل للنزول وسكن القرية النموذجية، فبالنسبة لهم، المساكن الجديدة ستقطع "رزقهم" وستزيد من صعوبات حياتهم.
الرواية التى يعتقد البعض أنها يشير فيها للمعمارى الراحل حسن فتحى، دون تأكيد أو نفى من الروائى نفسه عن تلك المزاعم، فالكاتب إبراهيم العريس قال فى مقال له نشر فى جريدة "الحياة اللبنانية"، "عند نهاية العشرية الأولى من القرن الحادى والعشرين، كان فى إمكان اليونسكو أن تصدر بكل فخر وثيقة بالغة الأهمية والتفصيل، تتحدث فيها عن تمكّنها من أن تدخل فى مرحلة تنفيذ واحد من مشاريعها الجديدة الأكثر طموحاً، مشروع تجديد وصيانة ذلك الصرح العمرانى الذى أقامه شيخ المعماريين العرب حسن فتحى، مشتغلاً عليه مع فريق عمل متكامل بين عامى 1946 و1952، وأسفر يومها عن اكتمال مشروع قرية القرنة النموذجية التى أقامت عالم العمران ولم تقعده فى أوروبا، وإن كان صداها المصرى قد ظلّ هزيلاً بل حتى وجد من يقلل من شأنها (على سبيل المثل، وفى شكل رمزى رواية «الجبل» لفتحى غانم التى حُوّلت فيلماً).
حسن فتحى
أما الكاتبة نجوى العشرى فقالت فى مقال صحفى نشر فى جريدة الأهرام، عن حسن فتحى ومع أن أفكاره وأعماله لاقت استحسانا وتقديرا عالميا فإنها لم تلق القدر نفسه من الاهتمام داخل مصر، بل إن كاتبا كبيرا وأديبا عظيما هو فتحى غانم وصف فى روايته (الجبل) عام 1958 حسن فتحى بأنه مهندس مستغرب ومستشرق أراد أن يملى على أهل القرنة نمط حياة لا يريدونه بل إنه انتقد على لسان إحدى شخصيات الرواية استخدام القبة فى العمارة المنزلية، فهى تساوى فى نظره وفى نظر كل المصريين العاديين العمارة الجنازية، فهذا المهندس يقصد حسن فتحى الذى جاء من القاهرة لم يستطع أن يفهم عقلية مستخدمى تلك البيوت.. وهكذا ظل الربط بين تلك التجربة الرائدة فى بناء البيوت بالعمارة الجنازية.
الجبل
فيما كتب الكاتب إبراهيم عادل على مقال سابق له قال فيه "الرواية تعرض موقف سكان الجبل وموقف "المهندس" الذى أشار له بصفته، وأشار كثيرون إلى أنه يقصد المهندس (حسن فتحى) وتجربته المعمارية الرائدة التى وجهت بالتجاهل والرفض الشديدين هناك.
والرواية وإن كانت تعرض بحيادية وصدقٍ شديدين موقف أهل الجبل، وتبدو فى النهاية وكأنها تدين ذلك الموقف الرافض للتمدن والحضارة، إلا أنها من جهة أخرى تعكس سيطرة ذلك "الوهم" الكبير على أهل الجبل الذين ينتظرون حلمًا بالغنى والثراء السريع يأتيهم من بين الجبال و"الآثار" فيما تضيع أعمارهم وأعمار أبنائهم بين صخور هذا الجبل! فى الوقت نفسه تنطوى "المدينة" على العديد من المخاطر و"انقطاع الأرزاق" بالنسبة لهم، ولذلك يكون من المنطقى والطبيعى أن يرفضوا تلك الحياة الغريبة التى تحتوى كذلك، من وجهة نظرهم، على المحرمات!.