لم تغب أفريقيا عن اهتمام مصر، رددها من قبل الزعيم جمال عبد الناصر، وعلى النهج نفسه سار الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى خطوة تهدف فى المقام الأول لحماية أمن مصر القومى، والعودة إلى دورها الرائد على الصعيدين الإقليمى والدولى.
وما بين الانطلاقة الأولى نحو أفريقيا فى عهد ناصر، وما تلاها من سنوات جفاء واضطراب فى العصور التالية، كان الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حاجة للقيام بجهود استثنائية لتبديد ميراث الجفاء الطويل، فقبل نحو 5 سنوات من الآن بدأت الدولة المصرية تكثيف جهودها لإعادة إحياء التعاون مع القارة السمراء، لتدب الحياة فى شرايينها من جديد، وتعود أم الدنيا إلى أحضان الأشقاء فى أفريقيا، فاستأنفت مصر حضورها الواسع ونشاطها الكبير فى العمق الأفريقى، والآن بدأت حصاد ما زرعته، إذ كُلّلت جهودها الحثيثة بالفوز برئاسة الاتحاد الأفريقى فى دوراته المقبلة بالعام 2019.
وعلى مدار السنوات الماضية، حرصت الدولة على تأكيد جملة من الثوابت التاريخية والاستراتيجية، والالتزامات السياسية والعملية تجاه محيطها الأفريقى، فى مقدمتها إعلاء مبادئ التعاون الإقليمى، والمساهمات المصرية فى برامج الاتحاد الأفريقى، وعملت على تنمية دول القارة عمومًا، ودول حوض النيل خصوصًا، فضلًا عن تنوع سياسات وآليات التحرك المصرى تجاه بلدان القارة، بين تحركات سياسية واقتصادية وإعلامية وثقافية ومائية، فضلًا عن الدعم المصرى الواسع لجهود التنمية البشرية، من خلال إيفاد آلاف الخبراء والمختصين فى عشرات المجالات، واستقبال الآلاف من الأفارقة للتدريب فى المعاهد والأكاديميات المصرية، وتنوع مجالات واهتمامات الصندوق الفنى للتعاون مع أفريقيا التابع لوزارة الخارجية.
التحركات العملية للدولة المصرية تجاه القارة، واكبها خطاب سياسى جديد ومختلف من الرئيس عبدالفتاح السيسى، ما ساهم فى عودة مياه العلاقات المصرية الأفريقية إلى مجاريها، بينما يتواصل تأكيد الرئيس فى كل المحافل والمناسبات لتاريخية واستراتيجية علاقات مصر بالقارة السمراء، واعتزازها بانتمائها لها.
وإلى جانب هذا حرصت مصر على قطع أشواط أبعد فيما يخص الانفتاح على دول القارة المختلفة، وتدشين مسارات متوازية من العلاقات الثنائية والتعاون المشترك مع دولها المختلفة، لتصبح حاضرة بقوة فى عشرات من الدول والمجتمعات، مستعيدة جانبًا كبيرًا من ميراثها العميق مع الدول الأفريقية ومواطنيها.
وبالنظر إلى خريطة الجهود المصرية لمدّ أواصر الاتصال والتعاون مع دول القارة، يتجلّى الأمر واضحًا فى تحرك عدد من الوزارات والمؤسسات لإبرام بروتوكولات واتفاقات شراكة مع عدد من الدول، لكن المؤشرات الأبرز على هذا التحول فى الرؤية المصرية للقارة السمراء تكشفها خريطة زيارات الرئيس التى بلغت 21 زيارة فى مناسبات أفريقية، بما يمثل أكثر من %33 من إجمالى الزيارات الرئاسية الخارجية
بحسب تقرير للهيئة العامة للاستعلامات.
مؤشرات الاهتمام المصرى بأفريقيا جسدها تنظيم مصر عديدًا من المنتديات والفعاليات الأفريقية، إضافة إلى عقد الرئيس عبدالفتاح السيسى، 112 اجتماعًا مع قادة وزعماء ومسؤولين أفارقة زاروا مصر خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، من إجمالى 543 اجتماعًا عقدها مع زوار مصر من قادة ومسؤولى دول العالم والهيئات والمنظمات الدولية. وتنوعت خريطة زيارات الرئيس لتتضمن 7 زيارات فى العام الأول لرئاسته «من 8 يونيو 2014 حتى 7 يونيو 2015» شملت: السودان بـ3 زيارات، وإثيوبيا بزيارتين، وزيارة لكل من غينيا الاستوائية والجزائر.
وفى الفترة نفسها عقد الرئيس اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين خلال زياراتهم لمصر، أو خلال المشاركة فى مؤتمرات ومنتديات استضافتها مصر، بلغت 213 اجتماعًا، كان نصيب القارة الأفريقية 45 اجتماعًا منها، شملت دول: إثيوبيا، والسودان، وجنوب السودان، والمغرب، والجزائر، وليبيا، ومالى، وبوركينافسو، والصومال، والسنغال، وجزر القمر، وغينيا الاستوائية، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وتونس، وبوروندى، ورواندا، وجنوب أفريقيا، وغيرها، كما شملت هذه اللقاءات اجتماعات مع وفود من وزراء البيئة الأفارقة، ورؤساء تحرير الصحف الأفريقية، ووفد التليفزيون الإثيوبى، ووفد السوق المشتركة لشرق وجنوبى أفريقيا «كوميسا».
وخلال العام الثانى من رئاسته «8 يونيو 2015 حتى 7 يونيو 2016»، زار الرئيس السيسى إثيوبيا، إضافة إلى مشاركته فى قمة الهند أفريقيا. وفى تلك الفترة عقد اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين خلال زيارات لمصر، أو خلال المشاركة فى مؤتمرات ومنتديات استضافتها مصر، بلغت 175 اجتماعًا، كان نصيب القارة الأفريقية منها 42 اجتماعًا، شملت دول: إريتريا، وزيمبابوى، ومالاوى، وموزمبيق، وأوغندا، والجابون، والنيجر، وموريتانيا، ونيجيريا، وتوجو، وإثيوبيا، والسودان، وجنوب السودان، والجزائر، وليبيا، وجزر القمر، وغينيا الاستوائية، وتشاد، وبوروندى، وجنوب أفريقيا، والمغرب والكونغو الديمقراطية وغيرها. كما شملت هذه اللقاءات اجتماعات مع وفود رؤساء تحرير الصحف الأفريقية، والدبلوماسية الشعبية الإثيوبية، وبنك التنمية الأفريقى، وسكرتير عام تجمع الكوميسا، ورئيس برلمان عموم أفريقيا، ووزراء دفاع دول الساحل والصحراء، وغيرها. وفى 28 يناير من العام نفسه فازت مصر بعضوية مجلس السلم والأمن الأفريقى، والعضوية غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى عن القارة لعامين 2016/2017.
وفى السنة الثالثة للرئيس عبدالفتاح السيسى، 8 يونيو 2016 حتى 7 يونيو 2017 أنجز 6 زيارات لأفريقيا، تضمنت المشاركة فى القمة الأفريقية فى العاصمة الرواندية كيجالى، والقمة العربية الأفريقية فى مالابو، والقمة الأفريقية فى أديس أبابا، إضافة إلى زيارات ثنائية لكل من السودان وأوغندا وكينيا. كما زار الرئيس أوغندا فى 22 يونيو 2017 لحضور قمة دول حوض النيل، والقمة الألمانية الأفريقية فى 3 يوليو 2017، إلى جانب جولة رئاسية شملت 4 دول: تنزانيا ورواندا والجابون وتشاد، كما استضافت مصر نحو 25 اجتماعًا أفريقيًا.
أما أحدث اللقاءات والزيارات المتبادلة، فتضمنت عقد الرئيس اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين خلال زياراتهم لمصر مؤخرًا، كان أبرزها زيارة الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى للقاهرة فى 8 مايو 2018، إذ استقبله الرئيس السيسى فى قصر الاتحادية، وأثمر اللقاء عن إعلان خطة تعاون ثنائية فى مجالات الزراعة والتجارة والمناطق الصناعية والكهرباء والطاقة المتجددة، إضافة إلى توقيع عدد من الاتفاقات بين البلدين، ليتوج الرئيس ومؤسسات الدولة جهود 4 سنوات من العمل المتواصل، باكتمال العودة إلى أحضان الأشقاء فى القارة السمراء.