لن يغفل التاريخ بالتأكيد عن اسم دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكى الأسبق الذى توفى الأربعاء عن عمر يناهز 89 عاما، ليس بسبب إنجازاته ولكن لكونه أحد الرجال الذين صاغوا واحدة من أكبر الخدع السياسية تمهيدا لغزو العراق بترويج مزاعم امتلاك نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل.
فى هدوء رحل رامسفيلد داخل منزله فى بلدة تاوس بولاية نيومكسيكو، لكن هذا الهدوء كان غائبا طوال أغلب مسيرته، لاسيما الفترة التى شغل فيها منصب وزير الدفاع فى إدارة جورج بوش الأب والتى شهدت أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، ثم غزو أفغانستان والعراق.
وتقول صحيفة واشنطن بوست إن دور رامسفيلد فى الإشراف على الغزو الأمريكى لأفغانستان والعراق وجهوده لإحداث "تحول" فى الجيش الأمريكى جعله أحد قادة البنتاجون الأكثر أهمية فى التاريخ والأكثر إثارة للجدل.
وبدأت شهرة رامسفيلد السياسية منذ ستينيات القرن الماضى عندما كان عضوا شابا متمردا بالحزب الجمهورى، سرعان ما أصبح مستشارا مفضلا للرئيس ريتشارد نيكسون، وكان مقربا من الرئيس جيرالد فورد ومبعوث الشرق الأوسط للرئيس رونالد ريجان. وتولى وزارة الدفاع لأول مرة فى إدراة جيرالد فورد بين عامى 1975 و1977، وابتعد لفترة عن السياسة، استطاع خلالها أن أن يجنى ملايين الدولارات من إنقاذ الشركات الكبيرة المتعثرة.
رامسفيلد
لكن تأثيره الأكبر وسمعته السيئة كانت خلال فترة توليه وزارة الدفاع إبان حكم جورج دبليو بوش، والتى استمر فيها لست سنوات.
وتقول واشنطن بوست إن رامسفيلد لاقى ترحيبا فى البداية لقيادة للجيش الأمريكى إلى الحرب فى أفغانستان فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر. لكن أسلوب تعامله مع حرب العراق أدى فى النهاية إلى سقوطه.
عندما تولى رامسفيلد قيادة البنتاجون عام 2001، أوكل إليه بوش مهمة إصلاح البيروقراطية العسكرية لإنشاء قوات مسلحة أكثر مرونة وقابلية للتكيف، وأعلن أن التحول هو شعاره الرئيسى، وأصر على تحدى الافتراضات التقليدية وأكد ضرورة وجود مبادئ جديدة للحرب وأسلحة جديدة لمواجهة الإرهاب والتهديدات الناشئة الأخرى.
فى غزو أفغانستان أكتوبر 2001، اعتمد رامسفيلد بشدة على القوة الجوية مع عدد محدود من القوات الخاصة للجيش، فيما بدا مؤكدا لرؤيته، مما جعله يحظى بشعبية داخل أمريكا.
وأراد رامسفيلد نهجا مماثلا فى العراق، الذى جعل مبرره الرئيسى امتلاك الرئيس العراقى صدام حسين أسلحة دمار شامل، لكن لم يعثر على هذه الأسلحة. وقال رامسفيلد بعد عدة أشهر من الغزو "إن أسلحة الدمار الشامل العراقية تشكل خطرا على العالم، لكن لم يعثر على هذه الأسلحة".
بعد غزو العراق، توقع رامسفيلد أن تظل القوات الأمريكية لفترة قصيرة ويتم بعدها تسليم الحكم لسلطة مؤقتة عراقية، لكن تبين خطأ عدد من افتراضاته الرئيسية وأحكامه الأولية. فقلل رامسفيلد من حجم عمليات النهب الواسعة التى تلت الغزو، وخلال العام الأول من الاحتلال، ترك قيادة القوات الأمريكية فى يد مجموعة من الجنرالات غير المجهزين، وتسرع فى حل الجيش العراقى وبناء مجموعة جديدة من قوات الأمن العراقية من الصفر.
لم تكن تلك السقطة الوحيدة لوزير الدفاع الأمريكى فى هذا الوقت، بل كانت فضائح قواته فى العراق صفعة على وجه بلاده لاسيما ما حدث فى سجن أبو غريب بالقرب من بغداد من إهانة للسجناء وتعذيبهم. كما كان رامسفيلد مسئولا عن السماح باستخدام أساليب وحشية فى استجواب المحتجزين فى قضايا الإرهاب وتعذيب السجناء فى معتقل جوانتانامو، الأمر الذى أدى إلى انتقادات واسعة داخل أمريكا وخارجها.
دونالد رامسفيلد 2
ورغم أخطائه الكارثية، ظل بوش مدافعا عنه، وأكد مرارا أن سيظل فى منصبه حتى نهاية فترته الثانية، لكن تحت ضغط الانتقادات، اضطر الرئيس الأمريكى لإقالة أحد صقوره المفضلين فى عام 2006.
وولد رامسفيلد فى مدينة شيكاغو فى التاسع من يوليو عام 1932، وكان والده وكيلا عقاريا، بينما عملت والدته مدرسة لنصف الوقت. وباستثناء سنوات قليلة أثناء الحرب العالمية الثانية عندما كان والده فى البحرية، أمضى رامسفيلد معظم طفولته فى شيكاعو، وخلال دراسته أجاد المصارعة، عرف باسم "رامى" وكان طالبا مشهورا، وكان يتحدث علنا عن احتمال أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة. التحق بجامعة برنستون يمنحة دراسية، ودرس بها السياسة.