رأى الشاعر والناقد محمود قرنى، أن رؤية الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل، بشأن غياب الدور الإعلامى للشعر، منذ القرن العشرين، تنطوى على بعض القدامة، لأن الوظيفة الاجتماعية المباشرة عبر العصور أساءت كثيرا لمفهوم الشعر كمنتج جمالى.
وقال الشاعر محمود قرنى، خلال تصريحات صحفية لـ"اليوم السابع" لم أفهم حديث الدكتور صلاح فضل عن غياب الدور الإعلامى للشعر، ويبدو أنه يقصد وظيفته الاجتماعية، وفى ظنى أن تصوره هذا ينطوى على بعض القدامة، لأن الوظيفة الاجتماعية المباشرة عبر العصور أساءت كثيرا لمفهوم الشعر كمنتج جمالى، بحيث أصبح موظفا وخادما لدى أغراض شعرية محدودة لم تنتج على الأرجح فرادة معتبرة أو تميزا يمكن أن يغنى الذاكرة، ويعيد تنسيق الذائقة العامة، ويوجهها إلى ما هو أجمل وأكثر فعالية فى مجتمع متغير، وثقافة تؤثر فى محيطها الإنسانى، ومحيطها الاجتماعى.
الشاعر محمود قرنى
كما رأى محمود قرنى أن تعريف الدكتور محمد مندور للشعر كان ناجعا رغم أنه اعتبر الشعر خادما للواقع، إلا أنه كان يرى أن الواقع الذى يخدمه الشعر هو الواقع النابع من تصورات الشاعر وليس الواقع الذى تفرضه المؤسسة أو المؤرخين، مضيفا: باختصار الشعر لا يجب أن يكون خادما إلا لنفسه.
وقال محمود قرنى، بشكل عام، ليس هناك فن بلا وظيفة، والشعر من أوائل الفنون التى عرفتها البشرية، وكان دائما صاحب وظيفة مجتمعية، وجمالية، تغيرت طبيعتها طبقا لمعايير ومعطيات التطور الإنسانى، فالشعر بدأ فى أحضان الدين، وكان يقدس ذاتا واحدة عليا، منفصلة عن الأرض، ثم فى العصور الحديثة أصبح يقترب من قضايا الناس، وأصبح إنسانيا أكثر من ذى قبل.
المدرسة الرومانسية فى الشعر
وتابع محمود قرنى: ثم جاءت مدارس شعرية عديدة، كانت تجليا لتغير طبيعة الشعر ووظيفته لكن أخطرها على الإطلاق الرومانسية، لأنها بالفعل احتفت عكس الكلاسيكية بالنزوع الفردى، ومفهوم الحرية الفردية، تمدين النص الشعرية ولغته، وابتعاد الشعر عن مفهوم الرعوية، أو الفطرة غير المهذبة، لكن هذا فى حد ذاته رغم أنه مثل جدارا بين النص وبين فكرة الوظيفة بمعناها المباشر إلا أنه أعاد الاعتبار للإنسان، وكان ذلك، مرتبطا بثورة علمية ووجدانية كبيرة فى العالم مثل اكتشافات فرويد الذى تحدث لأول مرة عن فكرة ومحورية اللاشعور، باعتباره المحرك الأساسى للإنسان، كان ذلك يعنى طعنا فى فكرة أن الإنسان خلق من روح الله، وأنه ممثله على الأرض، لكن الشعر كان بعيدا عن أن يكون تمثيلا مباشرا للصراع مع الدين، لكنه تقبل فكرة أن يكون الفن نوع من اللعب، فيما تمثل ذلك فى مفهوم واسع وعميق فى الثقافة الغربية، وهو فكرة مفهوم الفن للفن.
وأضاف محمود قرنى: وفى الشعرية العربية سنجد تأثرا كبيرا بهذه التطور الذى حدث لمفهوم الشعر لدى الكلاسيكيين فى مدرسة الإحياء وعلى رأسهم محمود سامى البارودى وأحمد شوقى، ثم الرومانسية لدى جيل من الرومانسيين من الكبار أمثال على محمود طه، وفهيم ناجى، ومحمود حسن إسماعيل، ثم انتقل الشعر إلى الواقعية، مع مدرسة الحداثة الشعرية لدى صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى ومحمد عفيفى مطر، وهو فى كل ذلك، لم يتخل عن دوره الاجتماعى ووظيفته التبشيرية التى لعبت السياسة دورا كبيرا فيها، غير أن الأمر اختلف بعد ذلك، وتبدت فكرة الفردية بشكل جلي فى التجارب التالية لهذا الجيل، لكنها كانت تجارب أقرب للهرطقات اللغوية منها إلى الشعر، وكانت صراعا مع فكرة تشظى اللغة بحيث لن تؤدى اللغة الشعرية إلا إلى نفسها.
ورأى محمود قرنى أن قصيدة نثر، استطاعت أن تعيد الاعتبار لفكرة الوظيفة الجمالية أولا ثم الوظيفية الاجتماعية ثانيا، لأنها أتت انعاكسا لتحولات فكرية جذرية، شككت فى مركزية الثقافة، ومركزية القوميات، ومفهوم العقل المطلق، وأصبحت تشظى سمة للعصر كله، وإن ظل وعى بعض الشعراء بعيد تماما عن ما تم ترويجه من مفاهيم مكذوبة حول العولمة، وتفتيت المركزيات، وإعادة الاعتبار لثقافات الهامش، فكل هذا كان محض أكاذيب، لم تؤد إلا نتائج مرجوة من قصيدة النثر، لدى كثرة من شعرائها وأظن أن قليلين نجوا من تلك الفخاخ، وتقديرى أن نصهم سيعيش طويلا إلى جوار مدارس كبرى فى الشعرية العربية.
الدكتور صلاح فضل
كان الدكتور صلاح فضل، رئيس مجمع اللغة العربية، قد صرح خلال الندوة التى عقدت ضمن البرنامج الثقافي لمجمع اللغة العربية بعنوان "الأغنية العربية: كلمة راقية، وصوت معبر، ولحن رائق"، وقال بإن الشعر فقد دوره على المستوى الإعلامى منذ نهاية القرن العشرين، وأن الحال كان مغايرا فى بدايات هذا القرن حين كان الشعر والأغنية يؤديان دورا أكبر.