انطلاقًا من دور الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى العمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى، انطلقت فكرة مشروع "حكاية شارع"، الذى يهدف إلى التعريف بالشخصيات المهمة التى أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع، وذلك من خلال وضع لافتات باسم وتاريخ الأعلام الذين أطلقت أسماؤهم على الشوارع، والذين يشكلون قيمة تاريخية وقومية ومجتمعية لمختلف فئات الشعب المصرى، ولهذا نستعرض يوميًا شخصية من الشخصيات التى لهم شوارع تحمل أسماءهم، حسب ما جاء فى حكاية شارع للتنسيق الحضارى، واليوم نستعرض شخصية "عبد الحميد أبو هيف" ، والذى له شارع يحمل اسمها بالإسكندرية.
ولد عبد الحميد أبو هيف بمدينة الإسكندرية في 3 فبراير سنة 1888، والده هو إبراهيم بك أبو هيف بن السيد خليل أبو هيف، وهو من السادة الأشراف من سلالة النبي ﷺ، ووالدته ابنة السيد محمد عبد الحي البطاشي، الذي كان من أعيان مدينة الإسكندرية.
التحق عبد الحميد في بداية نشأته التعليمية بـمدرسة الأقباط بالإسكندرية، ومنها إلى مدرسة جمعية العروة الوثقى، التي حصل منها الشهادة الابتدائية بتفوق، ثم التحق بـمدرسة رأس التين الأميرية الثانوية متنقلًا من سنة إلى سنة إلى أن نال شهادتها الثانوية عام 1905، ثم رغب في دراسة القانون، فالتحق بمدرسة الحقوق الخديوية، وحصل على شهادة الليسانس عام 4909، فكان ترتيبه الثاني على دفعته، فدعاه وزير المعارف آنذاك، وهو سعد زغلول باشا، وطلب إليه أن يسافر إلى فرنسا ليعد نفسه لأن يكون مدرسًا في مدرسة الحقوق نفسها، فصادفت هذه الدعوى هوى في نفسه فسافر إلى "تولوز"، فدرس في جامعتها الكبرى القانون وتعلم اللغة اللاتينية، ثم سافر إلى الكثير من الدول الأوروبية، وبعد أن حصل على الدكتوراه رجع إلى مصر.
عين الدكتور عبد الحميد أبو هيف عقب عودته من فرنسا مدرسًا بمدرسة الحقوق، وعهد إليه بتدريس مادة "المرافعات المدنية والتجارية"، فأخرج فيها باللغة العربية أول كتاب من عمله، فكان مرجع رجال القضاء والمحاكم في كشف ما استعصى من مسائل المرافعات، وقد حل في تدريسه هذا محل أكبر عالم أجنبي عرف في المرافعات وهو "أوجد لوزينا بك" المحامي الشهير آنذاك، فما مضت بضعة أشهر على تدريسه إلا وقد ظهر أثر علمه فكان موضع الفخر بين الطلبة والزملاء.
وفي سنة 1917 حدث عجز في المدرسين بمدرسة الحقوق، نظرًا لسفر الأساتذة الإنجليز والفرنسيين إلى وطنهم أثناء الحرب العالمية الأولى، فطلب إليه تدريس القانون الدولي بقسميه العام والخاص، فلبى الطلب وأظهر فيه براعة كبيرة جدًا، وقام بتأليف كتاب في "القانون الدولي الخاص" باللغة الإنجليزية تفوق به على المؤلفين الأجانب، وشهد له بذلك كبار العارفين في مصر حينئذ، مثل "أرمانجون"، الذي كان مدرسًا لهذا العلم نفسه في المدرسة، والسير موريس إيموس المستشار القضائي السابق الذي كان ناظرًا لمدرسة الحقوق، والمستر "والتون" الذي تولى نظارتها بعده.
وفي شهر أكتوبر سنة 1922أصبح عبد الحميد أول مصري يتولى مقاليد إدارة مدرسة الحقوق الملكية على أثر استقالة ناظرها الأجنبي، فكان أول همه جعل التدريس فيها باللغة العربية، وقد نجح في ذلك وأصبح كل العلوم يدرس بها ما عدا "القانون الروماني".
ولما رأى أن المدرسة لم تكن لتقبل غير عدد محدود من الحاصلين على شهادة الدراسة الثانوية، يؤخذ بالترتيب كما يقبل عدد آخر يؤخذ بالاستثناء بناءً على رغبة الوزير المختص عمل على إبداله، وفتح أبواب المدرسة على مصراعيها لطلاب الحقوق على السواء، ما دامت تتوافر فيهم الشروط القانونية، ثم أنشأ القسم الليلي فيها ليتلقى فيه الطلبة من خارج المدرسة، أي المنتسبون، دروسهم على نفس أساتذة المدرسة بعد العصر من كل يوم، وأغلب طلبة هذا القسم هم من الموظفين الناجحين في أعمالهم والطامحين إلى الرقي العلمي والمادي، فكانت التجربة ناجحة من أول يوم أنشئ فيه أي من يوم 18نوفمبر سنة 1922.
ومن أعماله الجليلة التي تخلد له قبوله وظيفة سكرتير بلجنة التعويضات، التي أنشئت في سنة 1919 لتخفيف مصائب من حلت بهم الخسائر من جراء اضطرابات تلك السنة وما بعدها، فكان خير معين للعاجز والفقير، وكان عنوان العدل والقانون في اللجنة وسطر له الثناء العاطر في تقريرها النهائي.
ومنها أيضًا أنه في شهر سبتمبر سنة 1920 عرض على الأمة المصرية مشروع الاتفاق بين بريطانيا العظمى ومصر، وهو المسمى بمشروع ملنر، فحارت فيه الأفهام وظنه العدد الأكبر من الناس استقلالًا، فكتب عبد الحميد بك رسالة بعنوان: “التكييف القانوني لمشروع قواعد الاتفاق بين بريطانيا العظمى ومصر”، فند فيه هذا الاتفاق وأوضح فيه رأيه، وقد أثبتت الأيام صحة رأيه.
ونظرًا لأعماله الكبيرة التي حظيت بالثناء من الجميع، ونشاطه العلمي الكبير انتدب مديرًا لدار الكتب عام 1925، وظل مديرًا لها حتى وفاته.
ورحل الدكتور عبد الحميد أبو هيف في عام 1926 عن يناهز 38 عامًا، وهو لا يزال في ريعان شبابه، وله الكثير من المؤلفات التي لا تزال مرجعًا للمهتمين بدراسة القانون، نذكر منها: "المرافعات المدنية والتجارية والنظام القضائي في مصر، طرق التنفيذ والتحفظ في المواد المدنية والتجارية في مصر، القانون الدولي الخاص باللغة الإنجليزية، القانون الدولي الخاص في أوربا وفي مصر".
أبو هيف