فور إعلان نبأ وفاة سيدة الغناء العربى أم كلثوم يوم 3 فبراير 1975، كثر الحديث عن مبادرات لتكريم اسمهما، وكان من بينها فيلم روائى عنها، كشف الكاتب سعد الدين وهبة أنه سجل قصته معها، وفقا لما يذكره فى الأهرام، 6 فبراير، مثل هذا اليوم، 1975.
كتب «وهبة» فى الأهرام، أن فيلم «ثومة»، يحكى تاريخ مصر فى نصف قرن من خلال حياة قطعة نابضة من شخصية مصر وهى أم كلثوم التى بدأت تغنى مع حادثة دنشواى عام 1906، وانفعلت وقتها بموال زهران الفلاح الذى قتله الإنجليز، وعندما اشتد عودها وبدأت تخرج من نطاق قريتها رأت السلطة الإنجليزية وهى تحمل شباب مصر فى اللوريات لتدفع بهم فى آتون الحرب العالمية الأولى 1914، وبعد وصولها إلى القاهرة عاشت المراحل الأخيرة من ثورة 1919، وغنت لعودة سعد زغلول من المنفى، وتفاعلت مع كل الحركات الوطنية ضد الإنجليز، إلى أن كانت وقفاتها الخالدة بعد عدوان 5 يونيو 1967.
يضيف وهبة: «عاشت أم كلثوم فى ثورة الوطنية وقلب النضال وأى فيلم روائى عنها لا بد أن يتابع هذا الجانب، أما الجانب الإنسانى فقد كررت فى لقاءاتى العديدة معها وأنا أسجل ذكرياتها أن أركز عليه كثيرا فى المعالجة، لقد استمعت إلى فيض من أورع الحكايات والمواقف الإنسانية، فضلا عن الوقائع التى تفسر أمورا عديدة، منها مثلا تاريخ بدء المرض عندها، ولعل كثيرين لايعلمون أن معاناتها من المرض بدأت سنة 1948 أيام حرب فلسطين.نزلت مرة فى الفجر إلى الشارع لكى تنتظر عودة ضابط قريب لها اشترك فى الحرب، وأصيبت بأول التهاب رئوى فى حياتها، وظل المرض من يومها يعاودها، وأيضا ربما لا يعرف كثيرون أن أول أجر تقاضته لم يكن عشرة قروش فقط، وإنما طبق مهلبية، وكانت تعتز بذلك وطلبت منى تضمينه فى الفيلم، ومن المواقف التى طلبت أن لا يغفلها الفيلم ما حدث لها عندما وصلت إلى القاهرة أول مرة، وكانت تحمل مبلغا ادخرته وهو أحد عشر جنيها، وسرق منها فور وصولها ومن بعدها قاطعت زيارة القاهرة طويلا.
لم يخرج هذا الفيلم إلى النور، ويذكر «وهبة» الأسباب فى كتاب له بعنوان «أم كلثوم»، طبعه مهرجان الإسكندرية السينمائى «سبتمبر 1999» تكريما له بعد رحيله فى 11 نوفمبر 1997، ويقول فيه: «فكرة الفيلم بدأت فى ربيع 1968 عندما زارنى المخرج الكبير يوسف شاهين، وعرض عليِ فكرة فيلم عن «أم كلثوم»، أكتب له السيناريو، وبعد مناقشة قصيرة اتصلنا بزميلنا بمؤسسة السينما المهندس محمد دسوقى (ابن شقيقتها) ليحصل لنا على موعد معها، وحدث، وجلسنا أمامها نعرض عليها فكرة الفيلم، ورغم ترحيبها إلا أنها لم تخفى قلقها، وواجهتنا بعشرات الأسئلة، وفى نهاية الجلسة اتفقنا على أن أحضر لها وحدى فى المرة القادمة لتبدأ فى حكاية قصة حياتها من وجهة نظرها هى.
يضيف «وهبة»، أن الموعد التالى كان فى الرابعة عصرا، وكان معه جهاز تسجيل فى حجم حقيبة الأوراق، ولما رأته سألت بلهجة حادة: عاوزنى أكلم الحديدة دى؟ فوضع التسجيل ولم يستخدمه، وأخرج أوراقا وقلما ليكتب فقالت: ومش حتكتب كمان، يذكر وهبة :»وضعت الورق والقلم ونظرت إليها متسائلا، فردت: «أنا أحكى لك، أبص فى عينك كده وأحكى، وانت تحفظ، وبعد ما تروح تكتب اللى انت فاكره واللى تنساه تيجى المرة الجاية وتسألنى عنه»، وتوالت الجلسات.
يتذكر «وهبة» أن الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة طلبه، وسأله:»ماهى حكاية فيلم أم كلثوم؟، رويت له ماحدث، فقال: الرئيس جمال عبدالناصر طلب منى أن تنتجه وزارة الثقافة، ونضع جميع الإمكانيات فى خدمته، ويشير وهبة إلى أن الجلسات طالت مع أم كلثوم، وخلالها طلب منه مراسل جريدة «برافدا» السوفيتية التوسط لديها لإجراء مقابلة معها، ووافقت وحضر هو لترجمة الحوار الذى أجرى باللغة الإنجليزية التى لاتجيدها بينما تجيد الفرنسية إجادة تامة، ويتذكر أن المراسل سألها: ماذا تفعلين إذا حققت الانتصار على إسرائيل بالسلاح السوفيتى؟ أجابت بتلقائة غريبة: «أغنى للشعب السوفيتى فى شوارع موسكو».
يذكر «وهبة» أن نشر الحوار أدى إلى دعوتها لإحياء حفلات فى الاتحاد السوفيتى، وقبل سفرها التقى بها مرتين أو ثلاثة ليعرض عليها ما كتبه فى الفيلم، ثم سافرت إلى موسكو يوم الجمعة، واستعدت لحفلتها يوم الاثنين لكن عبدالناصر مات الثلاثاء، فألغت حفلاتها وعادت ترتدى السواد، وقضت أشهرا حزينة توقف العمل فيها فى مشروع الفيلم، يؤكد: «عندما استعادت نفسها كان الحماس فتر، وبعد سنوات توقفت الدولة عن الإنتاج فوضعت فى بيتى الأوراق التى وافقت عليها قبل سفرها إلى موسكو، ولم يتحمس أحد لانتاج الفيلم».