تواجه أوروبا عاما آخر من الجفاف بسبب نقص الأمطار والثلوج فى فصل الشتاء، وهو ما يعمق أزمة المياه فى الفترات المقبلة، وهو ما جعل بعض الحكومات تتجه لاتخاذ إجراءات وقائية فى ظل تحذيرات من الاستهلاك المفرط للمياه.
وحذر تقرير الفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة مؤخرًا من أن الخطر على إمدادات المياه فى العالم آخذ فى الازدياد بسبب "الاستهلاك المفرط"، حيث وواجهت الدول الأوروبية صعوبات فيما يتعلق بالمياه خلال فصل الشتاء، حيث أن قلة هطول الأمطار والثلوج ادى إلى نقص كبير فى المياه والاحتياطى، وسيتعقد الامر بشكل أكبر إذا لم يتم استعادتها خلال موسم الامطار المعتاد.
ووفقا لدراسة حديثة أجرتها جامعة جراتس للتكنولوجيا فى النمسا، فإن أوروبا تعانى من الجفاف منذ عام 2018، وفقا، حيث يؤكد الباحثون أن الوضع المائى الآن محفوف بالمخاطر، وفى شمال إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، فإن الوضع "يثير القلق بشأن إمدادات المياه للاستخدام البشرى والزراعة وإنتاج الطاقة"، وفقًا لآخر تقرير صادر عن مركز الأبحاث المشتركة بالاتحاد الأوروبى (JRC) حول الجفاف فى أوروبا.
وتقول المفوضية الأوروبية أن هذا العام سيكون اكثر جفاف مما كان عليه فى السنوات المقبلة، كما أن هطول الامطار فى الأسابيع المقبلة سيكون حاسما فى تحديد ما سيحدث، حيث فى 20 فبراير، حطمت فرنسا رقماً قياسياً بعد مرور 32 يوما متتاليًا بدون مطر. شهدت البلاد شتاءً أكثر جفافاً منذ أكثر من 60 عاماً، حسبما أكدت صحيفة لابانجورديا الإسبانية.
وأشارت الصحيفة فى تقرير لها عن أزمة المياه فى أوروبا، إلى أن تساقط الثلوج فى جبال الألب وجبال البرانس وسلاسل الجبال الأخرى كانت أقل بكثير من المعتاد، فى الوقت الذى تعتبر هذه الترسبات ضرورية لملء الأنهار والخزانات، مما يثير مخاوف بشأن الإمدادات خلال بقية العام.
وتواجه إسبانيا جفافاً طويل الأمد، حيث فى شمال شرق البلاد، وصل الجفاف إلى أبعاد "غير عادية"، بحسب خدمة الأرصاد الجوية فى البلاد Aemet. أدى ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار فى السنوات الثلاث الماضية إلى هذا الوضع.
قد يكون توفير مياه الشرب لستة ملايين من سكان منطقة برشلونة الحضرية فى خطر، حيث أصبح خزان سو بنسبة 9 ٪ من سعته، تمت إزالة الأسماك منه لمنع الاختناق.
ولكن يعتبر الوضع فى كتالونيا أكثر خطورة، حيث مستويات المياه فى خزانات المنطقة أصبحت أقل بكثير من المتوسط، وتم وضع قيود على استخدام المياه فى الزراعة والصناعة، مع حظر استخدام مياه الشرب لغسيل السيارات او ملئ حمامات السباحة.
وفى السياق نفسه، فقد أوضح عالم المناخ ماسيميليانو فازينى أن الوضع فى عام 2023 خطير للغاية، قائلا "الوضع مأساوى حقًا، ففى إسبانيا لأن مساحة سهل بادانا تستقبل ما معدله 1200 ملم من مياه الأمطار سنويًا. ومع ذلك، فى العام الماضى، سقط 550 ملم فقط من الماء، أى أقل من النصف. ما يضاف إلى حقيقة أن احتياطيات الثلج تكاد تكون معدومة منذ الصيف الماضى، مؤكدا "إذا لم يتعافى هذا الوضع، فمن الواضح أن الصيف المقبل سيكون فظيعًا، كما أن خزان ريالب فى لا نوجيرا، فقد 10% من قدرته فى فترة الجفاف فى كتالونيا.
كانت إيطاليا واحدة من الدول الأوروبية الأكثر تضررا من الجفاف أيضا العام،حيث أعلنت الحكومة حالة الطوارئ فى 5 مناطق، ولكن يعد نهر بو أطول نهر فى البلاد، الاكثر خطورة، حيث أثر نقص المياه فيه على جميع القطاعات من الزراعة إلى الطاقة الخضراء.
ووفقا للتقرير فإن الآن يمكن أن يواجه ملايين الأشخاص فى المناطق المعرضة للجفاف مثل لومبارديا وبيدمونت مزيدًا من القيود بعد فصل الشتاء الجاف. لكن قلة المطر والحرارة ليستا المشكلة الوحيدة، حيث تستمد إيطاليا مياه الشرب من بحيراتها وأنهارها وخزاناتها أكثر من أى دولة أخرى فى الاتحاد الأوروبى، وفقًا لمعهد الإحصاء الوطنى الإيطالى (ISTAT).
وأشار معهد الإحصاء الأوروبية استات، إلى أن قنوات المياه الإيطالية فقدت 42% من المياه التى كانت تحملها فى عام 2020 وهى أعلى نسبة تم تسجيلها على الاطلاق، حيث واحدة من اربع مدن فقدت أكثر من 55٪ من مياهها بسبب التسربات، وفى خمس مناطق من أصل سبع، وتتزايد هذه الخسائر.
فى 21 مارس، أعلنت رئيسة الوزراء جيورجيا ميلونى أمام البرلمان أنه يجرى وضع "خطة وطنية للمياه". وسيشمل تحسينات البنية التحتية وحملة توعية حول الحاجة إلى توفير الموارد.
وهذا الجفاف اثر بطبيعة الحال على الاقتصاد الإيطالى، وخاصة الزراعة، وبحسب كولديرتى، جمعية المزارعين الرئيسية فى البلاد فقد وصلت الخسائر فى الزراعة إلى 6 مليار يورو، خاصة فى الشمال الإيطالى حيث يوجد ثلث الإنتاج الزراعى ونصف الماشية الإيطالية، أى حيث يتم إنتاج المنتجات الشهيرة مثل لحم الخنزير وجبن البارميزان.