بدأت الدولة المصرية تحركاتها على المستوى الدبلوماسى فى القارة الأفريقية، فى محاولة لإنهاء القتال بين طرفى النزاع فى الأزمة السودانية وهما الجيش السودانى وقوات الدعم السريع والتى اندلعت منتصف أبريل الماضى، وذلك فى إطار ريادة القاهرة ودورها الإقليمى فى القارة السمراء، وتمسكها بمبادرة "اسكات البنادق" تلك التى تبنتها الدولة المصرية فى فبراير عام 2019، لإنهاء النزاعات والحروب بالقارة.
وفى إطار التنسيق والتشاور مع دول الجوار السودانى، حول تطورات الأزمة السودانية وتأثيراتها الإقليمية والدولية وسبل تنسيق الجهود، تنطلق طائرة مصر الدبلوماسية، حاملة وزير الخارجية سامح شكرى اليوم، الإثنين، فى جولة مكوكية إلى دولة تشاد وجنوب السودان، حاملا رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى كل من الرئيس محمد إدريس ديبى رئيس جمهورية تشاد، والرئيس سلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان، وذلك فى ضوء إدراك الدولة المصرية الواسع لأهمية الامتداد الأفريقى لمصر -وفى القلب منه السودان- وارتباطه بالأمن القومى المصرى والعربى، وما يصاحب استمرار الاقتتال من تداعيات خطيرة لدول الجوار السودانى.
لماذا تشاد وجنوب السودان
علاقات متميزة تربط القاهرة بتشاد وجنوب السودان، وبدى التنسيق لاحتواء الأزمة منذ اليوم الأول، بغض النظر عن كونها بلدان الجوار السودانى، وتعد الأكثر حرصا على استقراره وسلامة شعبه، فإنها منذ بداية الأزمة السودانية، كما التزم الثلاثى "القاهرة ونيدجامينا وجوبا" الحياد بين طرفى النزاع، بل وعرضوا الوساطة لوقف الاشتباك، وتمسكوا بمسار الحل السياسى السلمى، وهو الأمر الذى أبداه الرئيس عبد الفتاح السيسى، وجنوب السودان سلفاكير ميارديت من خلال ابداء استعدادهما للعب دور الوساطة، ونادا الطرفان خلال اتصال هاتفى 16 أبريل الماضى، أى غداة اشتعال الأحداث فى السودان، نادا بالوقف الفورى لإطلاق النار، وتغليب الحوار السلمى وصوت الحكمة، فضلًا عن إعلاء المصلحة العليا للشعب السوداني.
ويستهل سامح شكرى جولته من تشاد، حيث تربطها بالسودان روابط اجتماعية وثقافية تتمثل فى المد القبلى، وتوجد العديد من القبائل المشتركة بين الدولتين، فضلا عن أن الدولتان تجمعهما روابط اقتصادية، وتأتى العديد من البضائع التشادية من السودان، ويستعمل التجار التشاديون ميناء بورتسودان فى عملية استيراد بضائعهم من الخارج.
وبخلاف ذلك يشترك كلا من تشاد والسودان فى حدود تمتد طولها نحو 1400 كلم، وتقع تشاد فى غرب السودان، ووفقا لمراقبون فإن سودان يلعب دور مهم فى استقرار أو عدم استقرار الوضع السياسى فى تشاد، كما تستضيف تشاد آلاف اللاجئين السودانيين الذين دخلوا البلاد جراء الصراع فى دارفور عام 2003.
وخلال الـ 3 أسابيع الماضية وصل عدد الفارين من المعارك نحو تشاد إلى أكثر من 30 ألف لاجئ، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتوقعت أن يصل العدد فى الأسابيع المقبلة إلى 100 ألف لاجئ، سيتوجهون إلى مخيمات يقيم فيها منذ سنوات قرابة 400 ألف لاجئ سوداني.
وبالنسبة للقاهرة، فمنذ الوهلة الأولى فى الأزمة لم تتخلى عن أشقاءها، بل فتحت أبوابها للشعب السودانى للفرار من جحيم الحرب، وما خلفه من مشاهد دمار وترويع، وبعد 3 أسابيع من اندلاع الاشتباكات تجاوز عدد النازحين السودانيين أكثر من 64 ألف عبر المعابر البرية الجنوبية بين مصر والسودان وعلى رأسها معبر قسطل وارقين، وفقا لمفوضية اللاجئين، ونحو 16 ألف من الجنسيات الأخرى.
ليس ذلك فحسب، فقد ترجمت مصر حيادها على أرض الواقع وعدم الانحياز لأى طرف على حساب الطرف الاخر، وذلك من خلال تواصل المسئولين المصريين مع طرفى الأزمة، والأسبوع الماضى أجرى وزير الخارجية سامح شكر، اتصالات هاتفية مع كل من الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالى السودانى، والفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، حيث ناشد بالوقف الفورى لإطلاق النار حفاظًا على مقدرات الشعب السودانى الشقيق، وإعلاء المصلحة الوطنية العليا بحسب متحدث الخارجية السفير أحمد أبو زيد.
وبخلاف ذلك، فمنذ أحداث ديسمبر 2018 فى السودان، كانت القاهرة أيضا حاضرة فى المفاوضات بين الحكومة الانتقالية السودانية والجبهة الثورية، قد بادرت مصر باستضافة قمم تشاورية عديدة للشركاء الإقليميين للسودان منذ 2019 بهدف رأب الصدع وحلحلة الخلافات بين كافة الأطراف السودانية.. ولاتزال القاهرة تقوم بدورها الإقليمى فى ريادة القارة الأفريقية والعمل على استقرار بلدانها.