كان أحمد بن طولون أحد أشهر الشخصيات السياسية فى القرن الثالث الهجرى، تولى حكم مصر، وأقام بها الدولة الطولونية، لكن ما هي قصته، وما الذي يقوله التراث الإسلامى عن رحيله فى سنة 270 هجرية؟
يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثير تحت عنوان "أحمد بن طولون":
أبو العباس أمير الديار المصرية و بانى الجامع بها المنسوب إلى طولون، وإنما بناه أحمد ابنه، وقد ملك دمشق والعواصم والثغور مدة طويلة، وقد كان أبوه طولون من الأتراك الذين أهداهم نوح بن أسد السامانى عامل بخارى إلى المأمون فى سنة مائتين، ويقال: إلى الرشيد فى سنة تسعين ومائة.
ولد أحمد هذا فى سنة أربع عشرة ومائتين، ومات طولون أبوه فى سنة ثلاثين، وقيل: فى سنة أربعين ومائتين.
وحكى ابن خلكان: أنه لم يكن أباه وإنما تبناه والله أعلم. وحكى ابن عساكر: أنه من جارية تركية اسمها هاشم.
ونشأ أحمد هذا فى صيانة وعفاف ورياسة ودراسة للقرآن العظيم، مع حسن الصوت به، وكان يعيب على أولاد الترك ما يرتكبونه من المحرمات والمنكرات، وكانت أمه جارية اسمها هاشم.
وحكى ابن عساكر عن بعض مشايخ مصر: أن طولون لم يكن أباه وإنما كان قد تبناه لديانته، وحسن صوته بالقرآن، وظهور نجابته وصيانته من صغره، وأن طولون اتفق له معه أن بعثه مرة فى حاجة ليأتيه بها من دار الإمارة، فذهب فإذا حظية من حظايا طولون مع بعض الخدم وهما على فاحشة، فأخذ حاجته التى أمره بها وكر راجعا إليه سريعا، ولم يذكر له شيئا مما رأى من الحظية والخادم، فتوهمت الحظية أن يكون أحمد قد أخبر طولون بما رأى، فجاءت إلى طولون فقالت: إن أحمد جاءنى الآن إلى المكان الفلانى وراودنى عن نفسي، وانصرفت إلى قصرها، فوقع فى نفسه صدقها فاستدعى أحمد وكتب معه كتابا وختمه إلى بعض الأمراء، ولم يواجه أحمد بشيء مما قالت الجارية، وكان فى الكتاب أن ساعة وصول حامل هذا الكتاب إليك تضرب عنقه وابعث برأسه سريعا إلي.
فذهب بالكتاب من عند طولون وهو لا يدرى ما فيه، فاجتاز بطريقه بتلك الحظية فاستدعته إليها فقال: إنى مشغول بهذا الكتاب لأوصله إلى بعض الأمراء.
قالت: هلم فلى إليه حاجة - وأرادت أن تحقق فى ذهن الملك طولون ما قالت له عنه - فحبسته عندها ليكتب لها كتابا، ثم استوهبت من أحمد الكتاب الذى أمره طولون أن يوصله إلى ذلك الأمير، فدفعه إليها فأرسلت به ذلك الخادم الذى وجده معها على الفاحشة، وظنت أن به جائزة تريد أن تخص بها الخادم المذكور فذهب بالكتاب إلى ذلك الأمير، فلما قرأه أمر بضرب عنق ذلك الخادم وأرسل برأسه إلى الملك طولون، فتعجب الملك من ذلك.
وقال: أين أحمد؟
فطلب له فقال: ويحك أخبرنى كيف صنعت منذ خرجت من عندي؟
فأخبره بما جرى من الأمر.
ولما سمعت تلك الحظية بأن رأس الخادم قد أتى به إلى طولون أسقط فى يديها، وتوهمت أن الملك قد تحقق الحال، فقامت إليه تعتذر وتستغفر مما وقع منها مع الخادم، واعترفت بالحق وبرأت أحمد مما نسبته إليه، فحظى عند الملك طولون وأوصى له بالملك من بعده.
ثم ولى نيابة الديار المصرية للمعتز فدخلها يوم الأربعاء لسبع بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين، فأحسن إلى أهلها وأنفق فيهم من بيت المال ومن الصدقات، واستغل الديار المصرية فى بعض السنين أربعة آلاف ألف دينار، وبنى بها الجامع، غرم عليه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وفرغ منه فى سنة سبع وخمسين، وقيل: فى سنة ست وستين ومائتين، وكانت له مائدة فى كل يوم يحضرها الخاص والعام، وكان يتصدق من خالص ماله فى كل شهر بألف دينار.
وقد قال له وكيله يوما: إنه تأتينى المرأة وعليها الإزار والبدلة ولها الهيئة الحسنة تسألنى فأعطيها؟
فقال: من مد يده إليك فأعطه.
وكان من أحفظ الناس للقرآن، ومن أطيبهم به صوتا.
وقد حكى ابن خلكان عنه: أنه قتل صبرا نحوا من ثمانية عشر ألف نفس، فالله أعلم.
وبنى المارستان غرم عليه ستين ألف دينار، وعلى الميدان مائة وخمسين ألفا، وكانت له صدقات كثيرة جدا، وإحسان زائد، ثم ملك دمشق بعد أميرها ماخور فى سنة أربع وستين ومائتين، فأحسن إلى أهلها أيضا إحسانا بالغا، واتفق أنه وقع بها حريق عند كنسية مريم فنهض بنفسه إليه ومعه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر، والحافظ الدمشقي، وكاتبه أبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي، فأمر كاتبه أن يخرج من ماله سبعين ألف دينار تصرف إلى أهل الدور والأموال التى أحرقت.
فصرف إليهم جميع قيمة ما ذكره، وبقى أربعة عشر ألف دينار فاضلة عن ذلك، فأمر بها أن توزع عليهم على قدر حصصهم، ثم أمر بمال عظيم يفرق على فقراء دمشق وغوطتها، فأقل ما حصل للفقير دينار، رحمه الله.
ثم خرج إلى أنطاكية فحاصر بها صاحبها سيما حتى قتله وأخذ البلد كما ذكرنا.
توفى بمصر فى أوائل ذى القعدة من هذه السنة من علة أصابته من أكل لبن الجواميس كان يحبه، فأصابه بسببه ذرب فكاواه الأطباء، وأمروه أن يحتمى منه فلم يقبل منهم، فكان يأكل منه خفية فمات رحمه الله.
وقد ترك من الأموال والأثاث والدواب شيئا كثيرا جدا، ومن ذلك عشرة آلاف ألف دينار، ومن الفضة شيئا كثيرا، وكان له ثلاثة وثلاثون ولدا، منهم سبعة عشر ذكرا، فقام بالأمر من بعده ولده خمارويه كما سيأتى ما كان من أمره.
وكان له من الغلمان سبعة آلاف مولى، ومن البغال والخيل والجمال نحو سبعين ألف دابة، وقيل أكثر من ذلك.
قال ابن خلكان: وإنما تغلب على البلاد لاشتغال الموفق بن المتوكل بحرب صاحب الزنج، وقد كان الموفق نائب أخيه المعتمد.