ذكرى موقعة مرج دابق.. طومان باى حارب العثمانيين حتى النهاية

الخميس، 24 أغسطس 2023 10:00 م
ذكرى موقعة مرج دابق.. طومان باى حارب العثمانيين حتى النهاية طومان باي
عبد الرحمن حبيب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تحل اليوم ذكرى موقعة مرج دابق التي دخل على أثرها العثمانيون مصر وقد وقعت في 24 أغسطس من عام 1516 بين المماليك والعثمانيين في حلب بسوريا.

يقول جرجى زيدان في كتابه مصر العثمانية: كان العثمانيون في سوريا قد توقفوا للاستراحة، فظن "طومان باي" أن الرمال المتراكمة بين سوريا ومصر، تحول بين العثمانيين وما يريدون، إلا أن الأمر لم يكن كما ظن؛ لأنه لم يكد يتم إعداداته حتى أتاه كتاب السلطان سليم إلى القاهرة، وهذا نصه:

من السلطان سليم خان بن السلطان با يزيد خان سلطان البرين وخاقان البحرين السلطان، إلى طومان باي الشركسي: الحمد لله، أما بعد؛ فقد تمَّت إرادتنا الشاهانية، وباد إسماعيل شاه الخارجي، أما قنسو الكافر، الذي حملته القحة على مناوأة الحجَّاج، فقد نال جزاءه منا، ولم يبقَ لدينا إلا أن نتخلص منك؛ فإنك جار "عدو"، والله سبحانه وتعالى يساعدنا على معاقبتك، فإذا أردت اكتساب رحمتنا الشاهانية اخطب لنا، واضرب النقود باسمنا، وتعالَ إلى أعتابنا وأَقسِم على طاعتنا والإخلاص لنا وإلا

فلما قرأ طومان باي الكتاب، وما في ذيله من التهديد المستتر، استشاط غيظًا، وأصرَّ على المقاومة وكان عالمًا بعجزه، لكنه فضَّل الموت في ساحة الحرب على التسليم، فزاد في حصون دمياط وغيرها من الحدود السورية، وجمع ما أمكنه جمعه من الرجال، وسار لملاقاة العثمانيين حتى أتى الصالحية فعسكر هناك.

أما السلطان سليم، فسار إلى مرج دابق وافتتح غزة والعريش والقطيعة، ثم علم مقر الجيوش المصرية في الصالحية، وما هم فيه من العزم على المدافعة بشدة بأس، فعرج بجيشه تاركًا الصالحية عن يمينه، وسار حتى أتى الخانكاة على بضع ساعات من القاهرة.

فلما بلغ «طومان باي» تقدُّم العثمانيين إلى هذا القدر، عاد بجيشه لمهاجمتهم من الوراء، فالتقى الجيشان في سهل قرب «بركة الحج» يوم الجمعة في 29 ذي الحجة سنة 922 هجرية، واقتتلا طويلًا، والمصريون يحاربون ببسالة شديدة. لكنهم لم يكونوا يعرفون البارود ولا المدافع كما قدمنا، ولا يعرفون استخدامها، فكانت الغلبة للعثمانيين. ففر المصريون إلى القاهرة، وعسكر العثمانيون في الروضة. فجمع إليه «طومان باي» عددًا كبيرًا من العربان، بعد أن أرضاهم بالمال، وهجم على معسكر السلطان هجمة اليأس فلم ينل منهم وطرًا. فعاد إلى القاهرة على نية مواجهة الحصار، فزاد في حصونها واستحكامها. وحصَّن القلعة تحصينًا عظيمًا، وأقام في كل شارع وفي كل بيت طابية للدفاع، وحمل السلاح كلُّ من يستطيع حمله للدفاع عن الوطن ولكن رغم هذه الإعدادات، وما أظهره «طومان» من البسالة والإقدام، وما سعى فيه أمراؤه، لم تنجُ القاهرة من أيدي العثمانيين، فإنهم دخلوها عنوة وأمعنوا فيها قتلًا ونهبًا وحرقًا.

لا غرو إذا غُلبت المماليك على أمرهم بعد ما علمتَ من اضطراب أحوالهم وتغيُّر قلوبهم، وخلو خزائنهم من المال، فالعسكر كيف يحارب بلا مال؟ فقد كانوا في الحرب يأتون إلى القلعة للاستيلاء على جامكيتهم فيجيبهم ولاة الأمر «ليس في هذا اليوم جامكية لأن البلاد خراب والعرب مشتتة في الطرقات.» وكان لهم ستة أشهر لم يقبضوا رواتبهم من اللحم ونحوه. ومن أسباب الكسرة أن جند المغاربة الذين كانوا في مصر، توقفوا عن المحاربة، وقالوا نحن لا نحارب المسلمين، لا نحارب إلا الإفرنج.

ومع ذلك فإن "طومان باي" لم يألُ جهدًا في ترغيب الجند في الاتحاد والدفاع عن الوطن وشدَّد عزيمتهم وسبك مناصل، وعمل بندق الرصاص، وأكثر من الرماة.

ولكن الرعب كان سائدًا على أهل القاهرة، وعلى الجند، وهؤلاء إنما خرجوا للحرب لأن السلطان كان يجاهد بنفسه، حتى في بناء الاستحكامات، وكان يحمل حجارة بيده لبناء خطوط النار أو حفر الخنادق.

على أن جماعة من رجاله، انحازوا سرًّا إلى العثمانيين وأهمهم خاير بك صاحب حلب الذي تقدَّم أنه قامر على الغوري فكان عونًا للعثمانيين، ودسيسة لهم عند المصريين. وزِد على ذلك أن المماليك كانوا في عصر الانحلال، والعثمانيون في أوائل دولتهم، وقد جاءوا بالمدافع والبارود، ﻓ «طومان باي» جاء متأخرًا، وقد فسدت الأمور، فلم يستطع إصلاح شيء، رغم ميله الشديد إلى ذلك. وشدة إخلاصه في الدفاع عن الدولة والوطن وشأنه في ذلك شأن «مروان بن محمد» آخر خلفاء بني أمية فإنه كان حازمًا، شجاعًا، حسن النية، لكنه جاء متأخرًا فلم يمنع سقوط دولة بني أمية ولا منع طومان باي سقوط دولة المماليك.

فلما انهزم المماليك، وقد غلبوا على أمرهم، وتعقبهم العثمانيون إلى القاهرة. أخذوا في نهبها، وقد تعود أهلها ذلك في زمن المماليك إذا اختلفوا بينهم، فالعثمانيون أخذوا في نهب بيوت الكبراء، ودخلوا الطواحين، وأخذوا ما فيها من البغال والأكاديش، وأخذوا جمال السقايين، وصاروا ينهبون ما يلوح لهم من القماش إلى القروب وتوجهوا إلى شون القمح بمصر وبولاق.

وفي سلخ سنة 922 ﻫجرية، دخل الخليفة المتوكل القاهرة، ومعه وزراء السلطان سليم والجم الغفير من العساكر العثمانية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة