11 سبتمبر وبداية "الأفول" الأمريكي.. الهجوم على برجي التجارة في نيويورك كشف ثغرات القوى الدولية الكبرى.. أهان كبرياء واشنطن في عقر دارها.. قوض الثقة بمنظومتها القيمية.. وبات نقطة الانطلاق نحو الانقسام في الداخل

الأحد، 10 سبتمبر 2023 09:00 م
11 سبتمبر وبداية "الأفول" الأمريكي.. الهجوم على برجي التجارة في نيويورك كشف ثغرات القوى الدولية الكبرى.. أهان كبرياء واشنطن في عقر دارها.. قوض الثقة بمنظومتها القيمية.. وبات نقطة الانطلاق نحو الانقسام في الداخل 11 سبتمبر
بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع انتهاء الحرب الباردة، وما أسفر عنها من انهيار الاتحاد السوفيتي، أدركت القوى المهيمنة على العالم (الولايات المتحدة) أن التوازن الدولي سوف يختل بصورة كبيرة، وهو ما سوف يؤثر على مكانتها في المستقبل، فباتت تبحث عن كيانات حليفة، في مناطقها الاستراتيجية، على غرار الاتحاد الأوروبي، لملء الفراغ الناجم عن غياب الكتلة السوفيتية، بينما تبنت رؤية تقوم على البحث عن صراع بديل للتنافس الأيديولوجي بين الرأسمالية العالمية والشيوعية السوفيتية، فوجدت ضالتها فيما يسمى بـ"صراع الحضارات"، تلك التي أرساها كاتبا أمريكيا يدعى صموئيل هنتنجتون، في مقال يحمل نفس العنوان في التسعينات من القرن الماضي، بينما تحولت إلى كتاب بنفس الاسم، حتى تحولت إلى التطبيق العملي في نهاية المطاف في أعقاب أحداث 11 سبتمبر.

وبعيدا عما يثار حول نظريات المؤامرة المرتبطة بالحدث الذي كان بمثابة الزلزال الذي ضرب القوى العظمى المهيمنة على العالم منذ سنوات قليلة، إلا أن البحث في تداعياته يحمل العديد من الأبعاد، منها ما هو في الداخل الأمريكي، ومن وراءها دول المعسكر الغربي، جراء الانقسام المجتمعي الكبير المترتب عليها، وظهور ما يسمى بـ"الإسلاموفوبيا"، والتي أثمرت عن استهداف المسلمين علانية، سواء في الشوارع أو وسائل النقل، مرورا بالخطاب الإعلامي المسيء لهم، وحتى الخطابات السياسية التحريضية، والتي أضفى عليها الساسة صبغة "مقدسة"، من جانب، بينما امتدت النتائج إلى الوضع الدولي العام، جراء سياسات الغزو العسكري التي انتهجتها الولايات المتحدة، سواء في أفغانستان أو العراق، وهي الأبعاد التي نالت في مجملها من حجم التأثير الأمريكي، وإن كان على المدى البعيد الذي تجاوز حتى الآن عقدين من الزمان.

ولعل الهجوم على برجي التجارة العالميين في نيويورك، في 11 سبتمبر، وبالأسلوب الذي تم به، والاتهام الأمريكي الصريح لتنظيم القاعدة، كان بمثابة اللبنة الأولى لتراجع الولايات المتحدة، على المستوى الدولي، خاصة وأنها القوى الدولية الأكبر، بما تملكه من إمكانات كبيرة على المستوى الاستخباراتي والأمني، مقارنة بالخصم الذي نفذ الهجوم، والذي لا يتجاوز مجرد ميليشيا مسلحة، تمثل في ذاتها أحد ثمار السياسة الأمريكية، في حربها ضد الاتحاد السوفيتي، وبالتالي يبقى الحدث ليس مجرد هجوما إرهابيا عاديا، استهدف مجموعة من البشر، على غرار حوادث إطلاق النار العشوائية، أو زراعة العبوات الناسفة، في الأماكن المزدحمة، وإنما يمثل استهدافا لكبرياء واشنطن، ومؤسساتها، وبالتالي مكانتها الدولية.

وهنا تبدو أحداث 11 سبتمبر، في ذاتها، وبعيدا عن تداعياتها، أحد أهم إرهاصات الأفول الأمريكي، وانعكاسا صريحا لوجود نقاط ضعف كبيرة، ولا يستهان بها، في المؤسسات المرتبطة بالإدارة الأمريكية، والتي فشلت، ليس في مواجهة حربا نظامية ضد جيوش كبيرة، وإنما في ميليشيات مكونة من حفنة من المسلحين، لا يمتلكون في جعبتهم سوى أسلحة بدائية، وإمكانات ضعيفة إذا ما قورنت بما تمتلكه مؤسسات الدول، ولا سيما الولايات المتحدة نفسها.

والحديث عن الحرب الأمريكية ضد الميليشيات، ربما لا يتوقف في حقيقته على هجمات 11 سبتمبر، وإنما امتدت إلى تبعاتها، والتي تجلت في الحروب التي خاضتها في أفغانستان والعراق، والتي تجلت في صراعها، ليس مع الجيوش النظامية، والتي سرعان ما استسلمت، وهو ما يبدو في المشهد العراقي، عندما دخلت القوات الأمريكية بغداد دون أدنى مقاومة تذكر، وإنما في حقيقتها مع الميليشيات المسلحة، والتي تبنت منهج المقاومة، مما كلف الجيش الأمريكي أرواح ألاف الجنود، بينما تكبدت خزانة واشنطن مليارات الدولارات، مما أسهم بصورة كبيرة في سلسلة من التراجعات، التي نالت من القوى العظمى المهيمنة على العالم، أبرزها تراجع هيبتها باعتبارها القوى القادرة على إعادة ترتيب العالم، بينما تراجعت النظرة إلى قوتها العسكرية، في حين كانت الانتهاكات التي ترتكب من قبل جنودها، بمثابة صفعة للمبادئ التي تشدقت بها واستخدمتها كأداة لبسط هيمنتها ونفوذها منذ الأربعينات من القرن الماضي، كالديمقراطية وحقوق الإنسان، ناهيك عن تراجع مصداقيتها، بعدما كشف العالم "أكذوبة" أسلحة الدمار الشامل، والتي طالما روجت لها الإدارة الأمريكية كذريعة لغزو العراق.

ويعد الانسحاب الأمريكي من العراق وأفغانستان في السنوات الماضية، دون تحقيق أيا من الوعود التي قطعتها على نفسها، بمثابة دليلا دامغا على تراجع الولايات المتحدة في رؤية الكثير من حلفائها قبل خصومها، خاصة وأنه تزامن مع ما يمكننا تسميته بـ"انقلاباتها" على الحلفاء، وفي القلب منهم دول أوروبا الغربية، عبر إعادة التعريفات الجمركية تارة، والتلويح بالانسحاب من الناتو، ما يسفر عنه من تهديد أمنى لهم تارة أخرى، مما ساهم في حالة انعدام الثقة في الحليف الأمريكي، خاصة مع تغير كبير في السياسات بمجرد تغير الإدارات خلال السنوات الماضية.

بينما يبقى الانقسام في الداخل الأمريكي، أحد أهم تداعيات 11 سبتمبر، على الرغم من "تحور" أسبابه بين الحين والأخر، حيث تمثل السياسات الحادة التي تبنتها واشنطن تجاه المسلمين، وما أسفر عنها من تحرش بهم في الشوارع والميادين والإعلام، هي نقطة التحول الأكبر في الداخل الأمريكي، فأصبحت حالة التشرذم والاستهداف بمثابة "سنة" تنامت وتصاعدت تدريجيا، بدءً من "الإسلاموفوبيا" وما ترتب عليها من استهداف المسلمين، والتحرش بهم في الشوارع وعلى قنوات الإعلام، حتى حالة الاستقطاب السياسي المهيمنة على الحياة الأمريكية في السنوات الأخيرة، والتي يبقى اقتحام الكونجرس في 6 يناير 2021 من قبل أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، احتجاجا على الإعلان عن فوز خليفته جو بايدن، أهم صورها.

وبين سبتمبر ويناير، ثمة العديد من المفارقات، ربما أهمها الانقلاب على المبادئ التي طالما أرستها واشنطن، سواء فيما يتعلق باحترام الحريات، وفي القلب منها حرية العقيدة، من جانب، أو احترام ما تسفر عنه الصناديق، في إطار الديمقراطية، حيث ساهم المشهدان وما تخللهما من أحداث طيلة عقدين من الزمان في تشويه الصورة التي دائما ما تروجها بلاد "العم سام" عن نفسها باعتبارها البوتقة التي تذوب على أعتابها الخلافات والاختلافات، سواء فيما يتعلق بالدين أو السياسة أو الجنسية، حيث كان المشهد الثاني (اقتحام الكونجرس) هو أحد أهم ثمار أحداث 11 سبتمبر، والكيفية التي تعاملت بها واشنطن خلالها، تجاه قطاع من المجتمع، عانى على أثرها سنوات من التشويه والتهميش، بل والتحرش والاستهداف.

وهنا يمكننا القول بأن أحداث 11 سبتمبر تمثل البداية الحقيقة لنهاية الهيمنة الأمريكية المطلقة على العالم، إلا أن غياب المنافسة، في ظل عدم وجود قوى يمكنها مزاحمة واشنطن، ساهم في إطالة أمد تلك الحقبة الدولية، وهو ما بدا واضحا مع بزوغ الصين، والتي تمكنت من ملء الفراغ الأمريكي في العديد من مناطق العالم، واستعادة روسيا جزء كبير من مكانتها الدولية، عبر قدرتها على فرض كلمتها في مناطقها الاستراتيجية، ناهيك عن امتدادها لمناطق أخرى تبتعد عنها على حساب واشنطن.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة