المرأة الفلسطينية أيقونة المعارك 2.. بين وابل الرصاص وآلام المخاض.. حوامل يلدن فى الحرب.. قصص "ولادة الحياة من رحم الموت"ترويها نساء غزة لليوم السابع: ركضنا والموت يلاحقنا..الولادة بالخيم و"القيصرية" بدون تخدير

السبت، 30 ديسمبر 2023 09:00 م
المرأة الفلسطينية أيقونة المعارك 2.. بين وابل الرصاص وآلام المخاض.. حوامل يلدن فى الحرب.. قصص "ولادة الحياة من رحم الموت"ترويها نساء غزة لليوم السابع: ركضنا والموت يلاحقنا..الولادة بالخيم و"القيصرية" بدون تخدير
إيمان حنا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ـ أمهات من غزة لـ"اليوم السابع": مواليد"الحرب" بدون أسماء

ـ "الصحة العالمية" لـ"اليوم السابع": 2500 من المواليد الجدد سيكونون مبتسرين فى ظل عدم توفر حضانات

ـ "أطباء بلا حدود" لـ"اليوم السابع": اكتظاظ المستشفيات بالجرحى يعيقنا عن تقديم الخدمات للحوامل.. الأوبئة تتفشى بمراكز النزوح

ـ "أمل": قطعت عدة كيلومترات سيرًا على الأقدام لأضع مولودتى وأواجه مشقة البحث عن"اللبن".. والبرد قارس فى الخيمة والأغطية والملابس غير كافية

ـ مسئول "النساء والتوليد" بمستشفى ناصر لـ"اليوم السابع": الأجنة تموت فى بطون الأمهات.. ارتفاع حالات الإجهاض وانفصال المشيمة وتسمم الدم للحوامل وحديثى الولادة..خدمات الصحة الإنجابية وتطعيم المواليد متوقفة منذ بداية الحرب

ـ مدير مستشفى القدس لـ"اليوم السابع": كثير من الولادات تتم على الأرض دون طبيب أو مساعدة

ـ حامل بالشهر الخامس: الولادة "كابوس" أخشاه.. نزحت وجروحى تنزف ثم قصفوا مدرسة احتمينا بها.. لا أعلم الجنين عايش ولا ميت.. هسمى بنتى "غزة"

ـ "ميرال": مولودى بدون اسم حتى الآن بسبب الحرب

ـ مدير الهلال الأحمر الفلسطينى لـ"اليوم السابع": تم قصف عدد من الحوامل بمجرد وصولهن مستشفى"الصحابة" تستغثن وهن فى وضع مخاض

ـ "الصحة العالمية" لـ"اليوم السابع": كارثة جديدة تنتظر الحوامل ومواليدهن.. أكثر من 10.000 امرأة في غزة ستلدن خلال أيام منهن 1400 يحتجن إلى عمليات قيصرية فى ظل انعدام التجهيزات الطبية

ـ الصليب الأحمر لـ" اليوم السابع": غزة المكان الأخطر على النساء والحوامل في العالم

ـ إكرام التميمى: ترُكت أنزف لـ6 ساعات ومنع الاحتلال سيارة الإسعاف من نقلى ففقدت وليدى وأصبت بتهتك فى الرحم.. هناك فلسطينيات تلدن عند الحواجز العسكرية لمنعهن من الوصول إلى المستشفيات

صورة مروعة بالأرقام

55 ألف حامل فى غزة تتعرضن للموت كل ثانية (منظمة الصحة العالمية)

183 ولادة يوميًا فى قطاع غزة

85 يومًا لم تتلق الحوامل فى غزة أى رعاية صحية (الصحة العالمية)

10.000 امرأة في غزة سيلدن خلال الأيام القادمة(منظمة الصحة العالمية)

540 ألف امرأة في مرحلة الإنجاب في غزة يهددها الموت جوعاً وعطشاً، مع استمرار القصف الإسرائيلي (صندوق الأمم المتحدة للسكان)

70 % من ضحايا الحرب في غزة نساء وأطفال(الصحة العالمية)

واحدة من كل أربع نساء وفتيات في غزة سن الإنجاب(صندوق الأمم المتحدة للسكان)

50 % من سكان فلسطين نساء (الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى)

11 %من الأسر الفلسطينية بقطاع غزة تعولها نساء(المركزى للإحصاء الفلسطينى)

35 حاضنة فقط التى تعمل فى قطاع غزة

3 مستشفيات حكومية فقط لا تزل تقدم خدمات الولادة قى قطاع غزة

دورة مياه واحدة تقريبا لكل 500 شخص بمراكز النزوح (أطباء بلا حدود)

76 مستشفى ومركزا صحيا خرجت عن الخدمة بشكل كامل وتضرر 142 آخر

رُغم الوجع إلا إنهن عظيمات فى الصمود، واستدعاء قدرات التحمل العالية الكامنة بداخل المرأة.. الحوامل أمهات لم يظفرن برؤية مواليدهن بعد، وينتظرن بشغف ولهفة لحظة ضم فلذات أكبادهن بين أحضانهن مع أولى لحظات وصولهم إلى هذا العالم، وإلى أن تأتى هذه اللحظة فهن يحرصن على إجراء المتابعة الطبية الدورية حتى موعد الولادة، حيث يتابعن دقات قلوب أجنتهن، ومراحل تكوينهم عبر أجهزة السونار، بينما تعد الأسرة بفرحة غامرة المنزل لاستقبال المولود الجديد.

فى"غزة" الوضع مختلف؛ فإجراء الفحوصات الطبية اللازمة للأم والجنين أصبح درباً من دروب الرفاهية؛ حيث توقفت خدمات الرعاية الطبية للحوامل منذ اندلاع الحرب حتى الآن أي منذ 85 يومًا، كما أن الولادة تحولت إلى كابوس يؤرق المرأة الحامل نهارًا وليلًا؛ بعد خروج غالبية المستشفيات في غزة عن الخدمة، ولم يتبق سوى 3 مستشفيات حكومية تقدم خدمات الولادة فى قطاع غزة.

لقد أصبح على "الحوامل" تحمل مشقة البحث عن طبيب أو مكان للولادة، وفى ظل القصف المتواصل أصبح الوصول قبيل المخاض إلى المستشفى أضحى "مسألة حظ" ورحلًة محفوفًة بالمخاطر، فالحوامل تركضن بكل اتجاه؛ هربًا بأجنتهن من نيران المدفعيات التي قد تمطرهن بوابل من النيران في أي لحظة، في خضم الحرب الشرسة التى دخل القطاع نفقها المظلم، مع دقات السابعة صباح يوم السابع من أكتوبر الماضى، والتي لا يزال يتجرع كأس معاناتها الأبرياء، وفى مقدمتهم الأطفال والنساء الحوامل.

تقول وزارة الصحة بغزة، إنه خلال شهر ديسمبر الجارى، أقدم قناصة الاحتلال على قتل وإصابة العديد من النساء الحوامل لدى وصولهن مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة.

يضيف النزوح معاناة أخرى على كاهل النساء الحومل في غزة، حيث إن هناك حوالى 50 ألف امرأة حامل تعشن في ملاجئ وخيام(وفق الصحة الفلسطينية)، لا تتوفر بها الحد الأدنى من مقومات الحياة الأساسية، ولا تتوفر لهن أي رعاية صحية، إضافة إلى القصف الذى يتهددهن، بينما تضطر غالبية الحوامل النازحات إلى "الولادة" على الأرض داخل الخيمة دون أي تجهيزات طبية، وهو ما حذرت منه وزارة الصحة في غزة، مؤكدًة أنه يهدد حياة الأمهات وحياة المواليد الجدد.

وبين عناء النزوح وسط غارات جوية مستمرة، ورعاية طبية منعدمة ومواد غذائية يندر وجودها، تبذل الأم محاولاتها المضنية لإنجاب طفلها، والمحظوظ من هؤلاء المواليد ويظفر بالنجاة، ينتظره مصير مجهول، فالبعض منهم من المبتسرين لن يجد حضانات لرعايته.

إن هذه الصورة رغم قتامتها؛ إلا أن الأرقام رُبما ترسم صورة أكثر ترويعًا؛ فهناك أكثر من 10.000 امرأة في غزة ستلدن خلال أيام منهن 1400 يحتجن إلى عمليات قيصرية فى ظل انعدام التجهيزات الطبية. (وفق تصريحات خاصة لمنظمة الصحة ).

نحاول فى هذا التحقيق ضمن سلسلة" المرأة الفلسطينية أيقونة المعارك"، تسليط الضوء على جانب آخر من معاناة المرأة الفلسطينية وصمودها، من خلال التحدث إلى نماذج من النساء الحوامل ورصد التحديات التي يواجهنها فى ظل الأوضاع الصحية التى آل إليها قطاع غزة، وصمودهن في وجه المخاطر لآخر لحظة متشبثات بحياة أجنتهن، ونحاول أيضا الوقوف على المستقبل الذى ينتظر هؤلاء الحوامل حال استمرت الحرب والمخاطر التى تتهددهن وتتهدد المواليد الجدد حيث لا توجد رعاية صحية لهم، إضافة إلى أن مناطق النزوح تعانى نقص "لبن" الأطفال، إضافة إلى البرد القارس في ظل نقص الألبسة والأغطية، ناهيك عن أزمة نقص الحاضنات اللازمة لإنقاذ حيوات الأطفال المبتسرين ..

قصف"الحوامل"..

لم تكن "إسراء نسمان" الحامل فى شهرها الخامس، من بين النساء المحظوظات بفرصة العلاج حينما أصيبت فى قصف بالمنزل، حيث أصيبت بعدة إصابات ولم تجد مستشفى يعالجها  لتصبح حياتها وجنينها فى خطر ..

تروى "إسراء" ما حدث لها، قائلةً: كنت من بين الذين قُصفت منازلهم فى منطقة الرمال بغزة؛ كنا نعيش وزوجى وابنى عمرة (عمره عام وشهران ) فى منزل خال زوجى لأن منزلنا لم يكن آمنا ، والساعة 8 مساء تقريبا شعرنا مثل زلزال وبلحظة بدأ سقف المنزل ينهار فوق رؤوسنا، فقدنا الوعى وصار شقيق زوجى يحاول إخراجنا من المنزل ، وخرجنا بأعجوبة لكن أُصبت أنا وزوجى و أفراد عائلتى، أصبت بعدة إصابات وحروق فى البطن وأحد الذراعين، لكن لم نجد سيارة إسعاف أو أى سيارة تنقلنا، ولا حتى مطافئ لأن المنزل كان يحترق.

"ركضنا بجراحنا محاولين الوصول لأى مكان آمن إلا أن 5 من العائلة استشهد على الطريق"، تستكمل إسراء روايتها.

وصلنا بعد ذلك إلى منزل أحد الجيران حتى تمضى ساعات الليل ونتمكن صباحا من مواصلة البحث عن مكان نتلقى فيه العلاج.

وتستطرد "إسراء" قائلة: "ظللت أنتقل من مكان لآخر، باتجاه الجنوب، وأثناء رحلتنا سيرًا على الأقدام، وأثناء السير سقطت علينا أمطار كثيفة، ما كان معنا أى شيء من أغراضنا ولا ملابس كافية ولا أغطية، والإسرائيليون استوقفونا على الطريق واحتجزونا لمدة 6 ساعات تقريبا واقفين على أقدامنا، شعرت بتعب شديد ، طلبت الجلوس ولو لدقائق لأستريح، لكنهم لم يرحمونى، ولم يرحموا الطفل الذى ببطنى، وبعد معاناة لا يمكن وصفها، نجحت فى الوصول إلى مدرسة فى الجنوب بها نازحين، استقررنا فيها كام يوم، وبعدها الاحتلال قصف المدرسة، ورجعنا ننتقل من مكان لمكان حتى وصلنا إلى المستشفى الأوربى بمنطقة الفخارى فى خانيوس.

الحوامل فى غزة
الحوامل فى غزة

 

تصف "إسراء" وضعها حاليا، فتقول "لم أتلق أى علاج لإصابتى فالمستشفيات متوقفة، لا يوجد بها أى إمكانيات للعلاج، ولا توجد أدوية، أبحث عن طبيب نساء لكن دون جدوى، ولا أعلم إذا جنينى عايش أم ميت، فلم أتمكن من الاطمئنان على وضعه الصحى حتى الآن، بعد كل ما مررت به فى رحلة نزوحى إلى الجنوب، بحثت كثيرا عن طبيب ولم أجد". 

"الآن أعيش فى إحدى الخيام بالمستشفى الأوربى، ولا يوجد به قسم للولادة، كما أن المكان لا تتوفر فيه أدنى درجات النظافة والأسر مكدسة بكل زاوية، الولادة في هذا الملجأ ستكون كارثة بالنسبة لي، كما أن الاحتياجات الأساسية اللازمة لى كحامل منعدمة سواء تغذية أو أدوية أو حتى مكان للراحة، فهنا العائلات على السلالم وفى الطرقات"، تقول إسراء .

عبرت إسراء عن مخاوفها من الولادة، قائلة "الولادة أصبحت كابوساً أخشاه ليلًا ونهاراً، ولا أعلم كيف وأين سألد، لا أعرف إذا كنت سأرى وليدى وأضمه أم أن الموت سيفرقنا، لكن إذا تمت ولادتى بخير ورزقت ببنت سأسميها غزة"..

"إسراء" واحدة من 55.000 امرأة حامل بقطاع غزة تواجهن خطر الموت كل ثانية، و لا يتلقين أي نوع من الرعاية الصحية التي يحتجن إليها طوال 85 يوماً، كما يوضح الدكتور أحمد المنظر المدير الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع".

هنا ستضع إسراء نسمان مولودها
هنا ستضع إسراء نسمان مولودها

 

بدون أغذية ولا أغطية..

"أمل أبو حسنين" ـ البالغة من 26 عامًا ـ ربما تختلف تفاصيل روايتها عن "إسراء"، لكن تجمعهما آلام المعاناة ومخاوف الأمومة..

تحتمى "أمل" بالمستشفى نفسه الذى لجأت إليه "إسراء"، حيث وضعت مولودتها "جود" منذ أيام فى إحدى خيمات النازحين بداخل المستشفى "الأوروبى"، فى ظل ظروف تفتقر للحد الأدنى من متطلبات الأم ووليدها، حيث كانت واحدة ضمن الآلاف الذين أجبرتهم الحرب على النزوح إلى الجنوب.

تقول "أمل": "الوضع كارثي..منذ بداية الحرب أعيش مشاعر الخوف من لحظة الولادة، لم أتمكن من مباشرة حملى عند أى طبيب، واضطررت أن أترك منزلى في فترة حملى الأخيرة، لأن بيتنا تعرض للقصف، وزوجى أصيب فى رأسه إصابة خطيرة، ثم توجهنا لمستشفى الشفاء لمحاولة إنقاذه وهناك أقمت أنا و طفلة (عمرها 3 سنوات) فى خيمة بالمستشفى، دون أدنى مقومات الحياة، كنت أظل لأيام بدون أكل، بعدها تمت محاصرة المستشفى وقصفه.

 تصف أمل مشاعرها، قائلة:" عانيت معاناة لا يمكن تصورها..لا أستطيع وصف مشاعر الخوف والرعب التى عشتها، أصوات الصرخات والمدفعات تحاصرنا من كل ناحية، ابنتى ترتعش خوفًا ولا أستطيع توفير الحماية لها أو حتى طمأنتها ".

بعد معاناة تمكنا من الخروج بمساعدة "الصليب الأحمر" ـ تستكمل "أمل" سرد قصتها ـ اضطررت للسير عدة كيلومترات ومعى طفلتى، حتى وصلت إلى جنوب غزة، ووضعت مولودتى، دون أخذ مسكنات للألم، حيث أصبح استخدامها رفاهية لا تتوفر للحامل ويقتصر استخدامها على حالات الإصابات الخطيرة نظرا لشُحها، فقط مساعدة نساء في الخيم المجاورة وهذا جعلنى وابنتى في حالة صحية غير مستقرة".

الطفلة جود عمرها أيام وتقطن إحدى الخيم مع الدتها أمل
الطفلة جود عمرها أيام وتقطن إحدى الخيم مع الدتها أمل

 

تلخص "أمل" معاناتها الحالية، قائلةً: "أعيش وحيدة مع ابنتى والمولودة الجديدة، حيث تم نقل زوجى إلى مصر لتلقى العلاج ، وأواجه بمفردى يوميا مشقة البحث عن اللبن لطفلتى فهو شبه منعدم، إضافة إلى انعدام الأدوية اللازمة لها، ولا أعرف شيئا عن وضعها الصحى؛ فهى حتى الآن لم تتلق أى نوع من الرعاية الطبية منذ الولادة، ولم أتمكن من إعطائها أى تطعيمات، كما أن "الحفاضات" غير متوفرة، والشتاء أضاف معاناة أخرى لنا، فالبرد قارس فى الخيمة وهذا يسبب إعياء شديدا لطفلتى ويعرضها للخطر خاصة أن عمرها أيام، والأغطية والملابس هنا غير كافية لأننا خرجنا من منازلنا فارغين اليدين، لم نأخذ شيئا معنا، فجميع الملابس التي اختارتها على مدى شهور لابنتى، أصبحت تحت الأنقاض بين الركام وأشلاء الشهداء".

يقول الدكتور وليد أبو حطب استشارى النساء والتوليد فى مستشفى التحرير بمجمع "ناصر" الطبى بمدينة خانيونس جنوب غزة، لـ"اليوم السابع"، إن خدمات الرعاية الأولية والتطعيم للمواليد متوقفة بقطاع غزة فى ظل ظروف الحرب، وبالنسبة للحاضنات لا توجد سوى 35 حاضنة تقريبا فى غزة وهذا العدد بالتأكيد لا يفى بالاحتياجات اللازمة، كما نفتقر للطواقم الطبية لرعاية النساء والأطفال.

أوضاع مستشفيات الولادة

بالنسبة لخدمات الصحة الإنجابية، يوضح "أبو حطب"، أن الخدمات الخاصة بالرعاية الأولية للحوامل ومتابعة الحمل قد توقفت تماما منذ بداية الحرب، كما أن خدمات الصحة الإنجابية شبه منعدمة، وهذا أدى إلى تدهور الوضع الصحى للحوامل، فغالبيتهن يأتين إلى المستشفيات فى أوضاع صحية متأخرة، ما يتسبب فى موت الكثير من الأجنة فى بطون أمهاتهم، وكذلك الخدمات الطبية للأطفال حديثى الولادة مما يعرض حياة الكثيرين منهم للخطر.

الدكتور وليد أبو حطب
الدكتور وليد أبو حطب

 

وبالنسبة لوضع مستشفيات الولادة فى غزة بعد الحرب، يقول الدكتور أبو حطب، نعانى نقصا كبيرا فى الكوادر الطبية التى اضطرت للنزوح بسبب القصف، ففتحنا الباب لانضمام المتطوعين لمحاولة سد النقص فى الكوادر الطبية، وهنا فى مستشفى التحرير بمجمع ناصر تم قصف المستشفى مرتين بقذائف ضوئية أصابت إحدى الطفلات كانت تتلقى العلاج، وإصابة عدد من المرضى، إضافة إلى تدمير عدد من غرف المرضى، كما تم استهداف إحدى سيارات الإسعاف التابعة للمستشفى واستشهد المسعف والمصاب داخلها.

وأشار إلى نقص الأدوية والوقود بالمستشفيات، موضحًا أن هناك 3 مستشفيات حكومية فقط لا تزال تقدم خدمات الولادة قى قطاع غزة وهى (شهداء الأقصى، والتحرير بمجمع ناصر الطبىن والإماراتى برفح)، فجزء كبير من المستشفيات متوقف تماما عن العمل بسبب القصف ونقص الوقود، والبعض الآخر تم تحويله لاستقبال الجرحى والمصابين، بسبب التحديات العنيفة التى واجهتها، فى مقدمتها تعرضها للقصف ونقص الأدوية الضرورية والمستلزمات الطبية، ونقص شديد فى عدد الأسرة، فالحوامل كانت تضطر للنوم على الأرض فى المستشفيات، كما أن اكتظاظ المستشفيات بالنازحين ونقص مستحضرات التطهير والنظافة أدى لإعاقة تقديم الخدمات الطبية، إضافة إلى تلوث وسط العمل ما أدى إلى زيادة كبيرة فى حالات التجرثم والتسمم الدموى للأمهات بعد الولادة سواء طبيعية أو قيصرية، وأيضًا إصابة حديثى الولادة بتسمم الدم.

ويستكمل أبو حطب وصف أوضاع "الحوامل" فى غزة، قائلاً: استقبلنا عددا كبيرا من الحوامل يعانين من إصابات مباشرة نتيجة القصف، ما أدى إلى وفاتهن بمجرد وصولهن المستشفى، وفى الأحيان يمكننا إنقاذ الأجنة، وفى أحيان كثيرة يلحقون بأمهاتهم شهداء، إضافة إلى ارتفاع كبير فى نسبة الإجهاض، وحالات انفجار الرحم، و انفصال المشيمة و النزيف الشديد بسبب القصف والإجهاد والتوتر والركض لساعات طويلة، كما تعانى جميع الحوامل من أمراض سوء التغذية.

أوضاع حرجة للحوامل !

"الوضع حرج للغاية كما أوضحت بالنسبة للجميع، خاصًة بالنسبة للنساء الحوامل ويصل معدل الولادة 5.500 حالة ولادة شهريا، منهم 700 عملية قيصرية شهريًا"؛ يوضح الدكتور أحمد المنظرى المدير الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية.

يضيف المنظرى فى حديثه لـ"اليوم السابع"، أن النظام الصحى بالطبع لا يمكنه الوفاء بهذه الاحتياجات، وإذا استمر الوضع على هذا النحو الخطير فإننا ـ للأسف ـ نتوقع آلاف من حالات الولادة المبتسرة فضلاً عن تعرض صحة الأمهات للمضاعفات التي تهدد حياتهن.

وينوه المنظر بكارثة تنتظر الحوامل ومواليدهن فى ظل الحرب، فهناك أكثر من 10.000 امرأة ستضعن مواليدهن خلال أيام؛ منهن 1400 امرأة يحتجن عمليات قيصرية، فى ظل انعدام التجهيزات الطبية، كما أن الخطورة تنسحب على المواليد الجدد، فهناك 2500 من حديثى الولادة سيكونون مبتسرين ويحتاجون رعاية خاصة، وأجهزة وحاضنات لإنقاذ حياتهم.

أحمد المنظرى

 

وحول ما تقوم به المنظمة حيال النساء الحوامل اللاتي سيضعن في هذه الظروف، يقول المنظرى، إننا نسعى بكل قوة لتأمين دخول اللوازم الطبية الضرورية لإجراء ولادات آمنة. لقد أدخلنا في السابق لوازم تكفي 3.000 عملية ولادة آمنة؛ ولكن هذا بالتأكيد غير كافٍ بالنظر إلى وجود 50 ألف امرأة حامل، منهن 5.500 امرأة وضعن خلال ديسمبر الجارى، بمعدل 183 ولادة يوميًا.

التحديات التى يواجهها القطاع الصحى وفى القلب منه رعاية الحومل، يصفها الدكتور المنظرى، قائلاً: إننا نواجه تحديات غير مسبوقة، فغالبية القطاع الصحى أصبح مدمرا، وهناك خرق فاضح للقوانين الإنسانية الدولية، التى كفلت الحماية للمنشآت الصحية والطواقم الطبية والمرضى والحوامل، وكل هؤلاء لا يتمتعون بأية حماية فى غزة؛ بل إنهم تحت القصف كل ثانية، فلا يوجد مكان آمن فى غزة، إضافة لانقطاع المياه والكهرباء عن المستشفيات، ومنع دخول شحنات الوقود إليها، منوها بأن أكثر من 50% من الشهداء أطفال ونساء، كما أنهم يمثلون 70% من أعداد الجرحى والمصابين.

"قيصرية" تحت أضواء "الموبايل" دون تخدير!

كانت "ياسمين حمد"، المقيمة في خانيوس ضمن النازحات من مدينة غزة، واحدة ممن اضطررن للخضوع لإجراء عملية قيصرية دون تخدير .

تقول" ياسمين": "كنت بين الحياة والموت لحظة وصولى مستشفى التحرير بمجمع ناصر الطبي، فالرحلة من المدرسة التي أقيم فيها ضمن مئات النازحين، سبق أن تعرضت للقصف، كما أن طوال سيرى من المدرسة إلى المستشفى كنت معرضة للقصف أيضًا ، هنا كل إنسان روحه على كفه".

عمليات قيصرية تحت أضواء الموبايل دون تخدير
عمليات قيصرية تحت أضواء الموبايل دون تخدير

 

 "حينما وصلت إلى المستشفى وجدته مكتظاً بالمصابين والمرضى، وسألت عن أي طبيب يمكنه مساعدتى، وعلى الفور جاءت الحكيمة وأخذتنى لغرفة العمليات ولكنها غرفة خاوية من أي تجهيزات، لم أر سوى مشرط وشاش وقطن، أخبرنى الطبيب أننى أحتاج إجراء عملية قيصرية على الفور ، وأنها ستكون بدون تخدير، لعدم توفره .

"اضطررت أن أخضع للعملية، لم أتحمل الألم وغبت عن الوعى إلى أن تمكن الأطباء من إنقاذ حياتى وحياة ابنى"، تقول ياسمين.

تستكمل "ياسمين"، قائلة "ما زالت أعانى عدة مشكلات صحية، وأحتاج متابعة مع الطبيب ، لكن هذا يعتبر أمرا مستحيلا، فالأطباء غير متوفرين إلا لإنقاذ الحالات شديدة الخطورة، ومازالت أنتظر على أمل أن يفرجها الله علينا وتنتهى الحرب ".

مآسى الحوامل في غزة لم تتوقف عند الظروف الخطيرة التي تتم في سياقها الولادات؛ بل إن البعض تفقدن حياتهن والأجنة أيضًا.

عمليات ولادة على أضواء الهاتف المحمول
عمليات ولادة على أضواء الهاتف المحمول

 

 تروى لنا "ولاء جنينة"، صحفية من غزة، تفاصيل مأساة عايشتها أثناء إقامتها فى مستشفى الشفاء قبل توقفه عن العمل، تقول ولاء "كنت شاهدة عيان على مأساة تقشعر لها الأبدان، حيث وصلت إلى المستشفى امرأة حامل فى وضع مخاض وبالوقت نفسه مصابة إصابات خطيرة والدم يسيل من جزء بجسدها، وبطنها مفتوح، فهرع الأطباء لمحاولة إنقاذهما؛ لكن للأسف الأم توفيت بينما ظل الجنين حيا ، كانت يداه ممتدتين خارج بطن أمه ، صورة لا يمكن وصفها ، فنجح الأطباء فى إخراج جنين حيا ولكنه فارق الحياة بعد دقائق وكأنه أبى أن يعيش بدون أمه".

يصف الدكتور بشار مراد مدير مستشفى القدس والهلال الأحمر الفلسطينى لـ"اليوم السابع"، الوضع الحالى للنساء الحوامل ، قائلا:" إن الكثير من الحوامل يلدن على الأرض في الخيم دون طبيب أو حتى مساعدة ما يعرض حياتهن وحياة المواليد للخطر، بعد أن أصبحت جميع مستشفيات شمال غزة ومدينة غزة خارج الخدمة باستثناء مستشفى "الصحابة"، وهو مستشفى صغير خاص، كما أن مستشفيات الجنوب تعانى عدم توفر الكهرباء والوقود، وفى كثير من الأحيان نضطر لإجراء ولادات القيصرية على أضواء الهواتف المحمولة، والكثير منها يُجرى دون تخدير ما يعرض حياة الحامل للخطر ."

تحذيرات الدكتور بشار يؤكدها صندوق الأمم المتحدة للسكان عبر موقعه الرسمي، حيث يقول "إن النساء الحوامل في غزة يخضعن لعمليات قيصرية قسرية دون تخدير؛ وهو ما يشكل خطرا على حياتهن، لقد حان الوقت لوقف إطلاق النار، وضمان وصولهن إلى خدمات الأمومة السليمة".

الدكتور بشار مراد
الدكتور بشار مراد

 

ويشير الدكتور بشار إلى مجزرة بشعة ارتكبت بحق عدد من النساء الحوامل فى مدينة غزة ، حيث تم قصفهم بمجرد وصولهن إلى مستشفى الصحابة فى شمال غزة، وهن فى وضع مخاض طالبات المساعدة.

وبالنسبة لوضع الأطفال حديثى الولادة، يوضح أن غالبية أقسام الحاضنات متوقفة عن العمل، وتعرضت لهجمات وحشية من قبل جيش العدوان، وكان آخرها قصف المبنى الذى يضم "الحاضنات" بمستشفى الشفاء التى تم إخلاء 30 رضيعا منها، وتوفى اثنان من المبتسرين، بعد أن قطع الاحتلال الكهرباء عن تلك الحضانات ودمرها.

يؤكد خطورة الوضع بالنسبة للنساء الحوامل، الدكتور محمد الحواجرة المتحدث باسم منظمة "أطباء بلا حدود " فى غزة، ويشير الحواجرة فى تصريحاته لـ"اليوم السابع"، إلى أن اكتظاظ المستشفيات بالمرضى والجرحى يعيق تقديم الخدمات للنساء الحومل.

وبالنسبة للوضع فى أماكن النزوح بالجنوب، يقول الحواجرة، تواجه النساء الحوامل أوضاعا معيشية صعبة بأماكن النزوح؛ حيث تكتظ الخيم ومراكز الإيواء بالنازحين، ومع كل تلك الأعداد يصعب توفير الاحتياجات الأساسية فى مقدمتها مياه الشرب النظيفة، والغذاء والأدوية؛ كما لا تتوفر سوى دورة مياه واحدة تقريبا لكل 500 شخص، بجانب توقف خدمات الصرف الصحى، ما أدى إلى انتشار العديد من الأمراض، إضافة إلى تفشى الأوبئة، دون توفر الأدوية اللازمة.

وأضاف أن "أطباء بلا حدود" متواجدة فى الميدان منذ اليوم الأول للحرب ومازلنا، نقدم الخدمات فى مستشفى شهداء الأقصى والمستشفى الأوروبى وأيضا فى المنطقة الوسطى ورفح، من خلال دعم الطواقم الطبية المحلية بتلك المستشفيات، وفى الجنوب تقوم فرقنا بتوزيع من 50 ـ 60 متراً مكعباً من المياه يوميا على النازحين، وهى كمية قليلة جدا بالنسبة للأعداد الكبيرة من السكان هناك.

المياه النظيفة..حلم!

رُبما تشعر أن آلة الزمن قد عادت بك إلى عصر "الهولوكست" عام 1941 (الإبادة الجماعية ليهود أوربا)، وأنت تقرأ تفاصيل ما حدث لـ "آية محمد"، عمرها 22 عاما وحامل فى شهرها السابع.

تقول "آية": "أعيش الآن فى أحد الملاجئ لتابعة لوكالة "الأونروا"فى مدينة خانيونس، وللأسف الأمراض تتفشى فى هذه الملاجئ والخيم؛ نظراً لتكدس النازحين ، إضافة إلى عدم توفر أى مواد للنظافة، وتراكم القمامة بكل مكان، كما أن المياه الصالحة للشرب غير متوفرة ، وأعانى أيضًا سوء التغذية، حتى أن "الفوط الصحية" غير متوفرة، ما جعل الكثير من النازحات تعانين أمراضًا والتهابات شديدة، ورغم كل هذه المعاناة إلا أننى أعتبر وصولى إلى هنا معجزة، لقد خرجت من منزلى فى منطقة "الشيخ رضوان" بغزة، بعد أن دمرت القذائف جميع المنازل المحيطة بنا خلال لحظات، و للوقت أسرعنا فى حالة هلع إلى باب منزلنا ، كنا بالطابق الرابع وأثناء نزولنا على السلم بدأت تتساقط أجزاء من البناية فوق رؤوسنا، كنت مع زوجى وأطفالى الثلاثة ووالدة زوجى التى كانت ممسكة بابنى ذى الـ4 سنوات، لكنهما توفيا على سلم البناية، ابنى تهشم رأسه، أمام عينى، فى مشهد أصابنى بالذهول، كما أُصبت بعدة إصابات بالغة، ورغم ذلك واصلت الفرار، كنت مضطرة أن أعبر فوق الجثث الملقاة على سلم البناية، وأثناء فرارنا فى الشارع محاولين الوصول إلى أى مكان أو مستشفى نحتمى فيه، لاحقونا بقصف كثيف ، اُستشهد إثره زوجى".

قمامة تحيط بخيم النازحين حيث تعيش الحوامل وتلدن المواليد الجدد
قمامة تحيط بخيم النازحين حيث تعيش الحوامل وتلدن المواليد الجدد

 

"لم أكن أدرى فى تلك اللحظة، هل أحزن على ضنايا الذى فقدته، أم أواصل الركض لأنقذ حياة الجنين الذى ببطنى، وطفلتيَّ اللتين تصرخان متشبثتين بأطراف ملابسى فى حالة من الانهيار لا أستطيع أن أصفها بالكلمات، لقد كانت لحظات يشيب لها الولدان"، تستكمل "آية" سرد روايتها بأنفاس مرتعشة متقطعة وكأنها لا تزال فى قلب تلك الأحداث.

حامل مصابة بعد تعرضها للقصف الإسرائيلى
حامل مصابة بعد تعرضها للقصف الإسرائيلى

 

تحملت آية قسوة تلك اللحظات، صمدت كأم مكلومة على طفلها الشهيد من أجل إنقاذ أطفالها المتبقين، وبعد أن قطعت المسافات ركضًا وجراح قلبها وجسدها تنزف وصلت إلى مستشفى الشفاء.

تواصل "آية" سرد الأحداث، قائلة: "وجدت المستشفى مكتظا بالعائلات فى كل زاوية حتى السلم تفترشه الأسر التى التجأت إلى المستشفى هربًا من الموت، وبالكاد حصلت على مساحة من الأرض لا تتجاوز بضعة سنتيمرات كى أجلس فوقها مع صغارى، بينما جروحى كانت تنزف ورغم ذلك لم أكن أشعر بالألم من هول الكارثة."

"انتظرت لساعات حتى تمكن أحد الممرضين من تضميد بعض جروحى بما تيسر من إمكانات، والتى لم تكن كافية لعلاجى، حتى الأدوية لم أتمكن من الحصول ليها "، تقول آية .

مكثت هناك لأيام قليلة ، دون طعام، إلى أن حاصرت الدبابات المستشفى وبدأنا نسمع تهديدات جيش العدوان بقصف المستشفى، وسط عويل النساء وصرخات الأطفال فقدت الوعى لساعات، وحينما استفقت وجدت الجميع يهرع، فى مشهد أشبه بيوم القيامة، وبصعوبة بالغة خرجت ومعى طفلتىَّ، وتوجهنا إلى جنوب غزة، والتجأنا إلى أحد الملاجئ التابعة لـ"الأونروا".


أماكن خيم النازحين وظروف غير صحية خاصة للحوامل وحديثى الولادة
أماكن خيم النازحين وظروف غير صحية خاصة للحوامل وحديثى الولادة

 

تصف "آية" أوضاعها الحالية، فتقول:" قلبى موجوع على ابنى الذى استشهد وزوجى، بينما يتملكنى الرعب من الغد، لا أعرف كيف أوفر الطعام لطفلتيَّ، كيف سألد وأنا وحيدة ومعى طفلتين لم يتبق لهما أحد غيرى ليرعاهما، لا أجد طبيبا ولا جهة تساعدنى فى متابعة وضعى الصحى ووضع جنينى، لا أعلم أين سأكون فى لحظة المخاض، كم هى أوقات عسيرة أتمنى ألا تأتى " .

لا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لـ"ميرال أحمد"ـ 31 عاما من شمال غزة ـ التى وضعت مولودها منذ أيام، فى إحدى الخيم فى خانيونس، بينما يعانى رضيعها وضعا صحيا متدهورا.

تصف ميرال الظروف التي تعيشها حاليا، قائلة :" منذ الولادة يعانى طفلى حالة صحية سيئة ، ولا أستطيع توفير اللبن والأدوية اللازمة له، كما أنه لا يحمل اسماً حتى الآن بسبب ظروف الحرب التى أغلقت السجلات المدنية، كما أننى لا أتمكن من الحصول الغذاء اللازم لى رغم أن حالتى الصحية متدهورة وأعانى سوء التغذية".

نازحات تصنعن الخبز بمحيط خيم النزوح
نازحات تصنعن الخبز بمحيط خيم النزوح

 

يُعد أيضًا الحصول على المياه النظيفة أحد أكبر التحديات التي تواجه النازحين في غزة، وتقول الأمم المتحدة إن حصة الفرد من المياه لا تتجاوز ثلاثة لترات في اليوم لتلبية كافة احتياجاته.

أزمة المياه فى أماكن النزوح توضحها "ميرال" قائلةً: "إن الحصول على كوب من المياه النظيفة يعتبر حلماً يصعب تحقيقه هنا، كما أن الرعاية الصحية سواء لى أو لطفلى منعدمة، و البرد داخل الخيمة لا يحتمله طفل عمره أيام، حتى دورة المياه أحصل على فرصة استخدامها بعد معاناة فى طوابير طويلة، فالأعداد هنا كبيرة جدا".

"كنت فى شهرى الثامن من الحمل حينما بدأت الحرب ـ تروى "ميرال" ما عانته ـ منذ تلك اللحظة لم يغمض لى جفن من الخوف الذى أعيشه على طفلى، كل ثانية ومع كل قذيفة تسقط على أى منزل من منازل الجيران، إلى أن أصبحنا جزءا من تلك المنازل، حيث قُصف منولنا فى إحدى الليالى ، وخرجت بأعجوبة، لكننى أصبت بعدة إصابات".

تستطرد "ميرال"، قائلة: "كنت أموت ألف مرة باليوم ، وتمنيت ألا تأتى لحظة ولادتى؛ كنت أرى الدمار حولى فى كل مكان، والأمهات حاملات أكفان أطفالهن ، فأزداد رعباً على طفلى الذى ينتظره المجهول".

نزحنا من الشمال إلى خانيونس، فى رحلة قاسية ، فرض عليا أن أسير فيها لساعات طويلة دون طعام أو حتى نقطة مياه، ووضعت مولودى بعد دقائق من وصولى إحدى الخيم فى مدينة خايونس، دون طبيب أو مستشفى، وابنى لم يُجرى له أى فحص طبى رغم أنه يعانى عدة مشكلات صحية، كما أن الظروف المعيشية هنا غير صحية ، فالبرد قارس والقمامة تحاصر الخيم ، والنظافة منعدمة".

اختتمت "ميرال"، حديثها قائلة:" كل ما أخشاه أن أفقد ابنى".

تحذر وزارة الصحة الفلسطينية من خطورة الوضع الصحي للنساء الحوامل في غزة، مشيرةً إلى إنهن يعشن الجوع والعطش، مع انعدام الرعاية الطبية وتكدس أعداد النازحين في أماكن النزوح، فهناك نحو 1.9 مليون نازح في 155 مركز إيواء تابع لوكالة "الأونروا".

المكان الأخطر لـ"الحوامل"

في هذا السياق، يقول رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في القاهرة ألفونسو فيردو بيريز، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إنه لا يوجد مكان آمن فى غزة للأطفال والنساء خاصة الحوامل اللاتى تحتاجن رعاية طبية خاصة، بينما هن غير قادرات على الحصول على الخدمات الأساسية، فغالبية المستشفيات توقفت بشكل كامل عن العمل، لقد أصبحت غزة المكان الأكثر خطورة بالنسبة لتلك الفئات. " 

يضيف ألفونس: "نحن نحاول مساعدة الفئات الأضعف مثل هؤلاء، ولكن تواجهنا تحديات كبيرة أثناء عملنا بداخل القطاع، مثل صعوبة الوصول للمحتاجين إلى المساعدات".

يستكمل "ألفونس" حديثه لـ"اليوم السابع"، قائلاً: يمثل شح الوقود المشكلة الأكبر خاصة بالنسبة لعمل المؤسسات الطبية والمستشفيات فى غزة؛ لقد عملنا على توفير كميات منه خاصة لعدد من المستشفيات لكنها لا تفى بالاحتياجات المطلوبة لعمل تلك المستشفيات؛ وأرسلنا فرقًا طبية فريقًا وكمية من الإمدادات الطبية لدعم المستشفيات في مختلف أنحاء قطاع غزة، وتواصل اللجنة تكثيف دعمها المقدم للرعاية الصحية الطارئة، كما نسقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخرا مرور القوافل ورافقتها في بعض الحالات لإجلاء المرضى فى المستشفيات والنازحين من شمال غزة.

ألفونسو فيردو
ألفونسو فيردو

 

يؤكد "ألفونس" ، أن كل هذه المحاولات لدعم المدنيين غير كافية، حيث أصبح سكان غزة غير قادرين على تأمين أبسط احتياجاتهم اللازمة لبقائهم أحياءً، هناك أيضا أكثر من 100 ألف نازح يفتقرون إلى الغذاء والدواء والمأوى، وهناك أكثر من 350 عالقا نحاول التواصل معهم.

وناشد "ألفونس" المجتمع الدولى ـ عبر "اليوم السابع" ـ بضرورة الضغط لتيسير عمل المنظمات الإنسانية، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وقوع المزيد من الضحايا بين طواقم العمل بتلك المنظمات وأيضا بين المدنيين، خاصةً الفئات الأكثر ضعفًا مثل الحوامل والجرحى والأطفال المبتسرين والأشخاص ذوى الإعاقة؛ وناشد أيضاً بضمان سلامة مركبات الإسعاف والطواقم الطبية وتيسير وصولهم للمصابين بأسرع وقت، وهى جميعًا التزامات يكفلها القانون الدولي الإنسانى وعلى الجميع تنفيذها.

حوامل تهربن بأطفالهن تحت القصف
حوامل تهربن بأطفالهن تحت القصف

 

أوضاع مشابهة في الضفة

الأوضاع الخطيرة التى تعيشها النساء الفلسطينيات "الحوامل" لا تقتصر على "غزة" فقط،  ففى الضفة الغربية أيضا تواجه النساء الحوامل تحديات مشابهة، وإن كانت المخاطر أقل لكنها تبقى مهددات لحياة الأم والجنين.

تنقل لنا تلك الصورة من الضفة الغربية وتحديداً بمدينة "الخليل"، الكاتبة الفلسطينية إكرام التميمى، فتقول إن المرأة الفلسطينية تتعرض لعنف مركب؛ فتعيش بين انعدام الأمان من جهة وآلام الفقد للأقرباء من جهة ثانية، إضافة إلى انعدام الرعاية الصحية للحوامل و للمواليد الجدد، لدرجة أن بعض الحوامل تلدن عند الحواجز بسبب تعثر دخول سيارات الإسعاف.

وهنا، توقفت التميمى عن الحديث وأجهشت بالبكاء، حيث استحضرت تجربتها المؤلمة حينما جاء موعد ولادتها وتعثر دخول سيارة الإسعاف لنقلها إلى المستشفى، فتعرضت لنزيف شديد وخرج جزء من وليدها وبقيت رأسه معلقة داخل الرحم، وظلت لساعات على هذه الوضعية حتى أصبحت حياتها فى خطر، إلى أن نجح شقيق زوجها فى إقناع سيارة عسكرية تابعة لقوات الاحتلال بنقلها إلى المستشفى، وأجبرت على الجلوس فى وضعية لا تناسبها ما زاد حالتها خطورة، ما أصابها بتهتك شديد فى الرحم، وتوفى المولود، وترك هذا أثرا دائما على صحتها الإنجابية حيث تعرضت للإجهاض المتكرر.

تضيف التميمى، لـ"اليوم السابع"، إن ما يحدث من انتهاكات هو قديم جديد، فالإسرائيليون اعتادوا هذا النهج، لكن منذ حرب غزة، ازدادت الدموية فى الضفة الغربية والخليل، وتوسعت الاعتداءات على أحياء البلدة القديمة، ومنع التجول ووجود السواتر الترابية والحواجز الحديدية، بهدف التضييق على المواطنين وتدمير البنية الجغرافية.

حاولنا في هذا التحقيق نقل الواقع الذى تعيشه النساء "الحوامل " في غزة، والتي تعد من الفئات الأضعف في مواجهة ظروف الحرب الطاحنة ، لكن تبقى الأوضاع على الأرض أكثر ترويعا، ما دفع المنظمات الدولية لدق ناقوس الخطر والتحذير من خطورة استمرار أوضاع الحوامل على ما هي الآن، كما تحذر وزارة الصحة الفلسطينية من أن استمرار ولادة النساء الحوامل داخل الخيم ومراكز الإيواء يهدد حياتهن وحياة المواليد الجدد، في ظل عدم قدرتهن للوصول للمستشفيات تحت القصف من جهة، و توقف معظم مستشفيات وأقسام الولادة عن استقبال الحالات لنفاد مستلزمات الولادة من جهة ثانية.. فهل سينصت العالم لهذه التحذيرات ويعمل على إطفاء نيران الحرب في غزة؟!

اضافة صورة للخبر ما اضافة تعليق النازحون في المستشفيات
النازحون في المستشفيات

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة